يترنحون في عرض البحر …

نمريات

اخلاص نمر

** في كل صباح وليل حالك العتمة ، نزف الى حيتان البحر ، شبابنا واطفالنا ، بعد ان تترنح بهم السفن عبر المحيطات والبحار ، فيسكنون القاع الى الابد ، يلتئمون مع شباب اخر قادم من دول اخرى ، كل شاب فيهم ، يمتحن قدرته في الهروب من بلده الى افاق اوسع ، في بلاد اوربية ، عله يجد من ذات الهروب مأوى جاهزا، عند نهاية المطاف ، لكن، للاسف دائما ماتنتهي الرحلةالى تلاش في القاع او في بلاد الغربة ان بلغت سفينته البلاد ، او الطفو فوق المياه التي يتهيب حرس شواطئها للفرز والدفن ..

**نقلت سفينة ،مهاجرين في المتوسط امس ،الى بالريمو في صقليه ،وعددهم 604 مهاجر ، من 15 دولة ، بينهم 204 من الاطفال ، تم انقاذهم في البحر خلال الساعات ال 36 الماضية، ونفذت السفينة اكواريوس ، التي تشغلها منظمة (SOS)الخيرية ، بالتعاون مع اطباء بلا حدود ، سلسلة عمليات انقاذ ، الثلاثاء والاربعاء الماضيين ، نقلت من خلالها المهاجرين المنحدرين من سوريا ومصر ومالي والسودان وبنين والمغرب الى صقليه (انتهى الخبر)..

** كان ومازال نصيب السودان من الهجرة غير الشرعية كبيرا جدا ، خاصة وان الاخبار لم تعد محصورةبين مجموعات بعينها ، في زمن الفضاء الاسفيري الواسع والهواتف الذكية ، التي اصبحت مصدرا للخبر ، ولم تعد خافية على احد هذه الهجرة المميتة . اصبح الوطن يضيق باهله كلما مر عام اضافي على وجود الانقاذ على رأس السلطة، التي عجزت عن ادارة ازمات البلد ، ووضع خارطة الحلول ولو بعد سنوات ، هذا العجز ادى لاذدياد مريع في العطالة من خريجي الجامعات ، الذين كساهم الاحباط في وجود مفاهيم انانية ، تكشف عن دكتاتورية السلطة التي تحمي الولاء الحزبي وليس ولاء الوطن الحبيب ، الذي يأتي فيه الوطن اولا والمواطن سيد فيه ، هذا الطقس الملغوم بهوس استمرارية الحكم ولو رحل السودان كله الى عرض البحر ، مضافا له تضييق الخناق على التوظيف والسباق لملء الشواغر من بطانة المحبوبين المقربين الطائعين ، جعل شباب وطني يبحث عن منافذ اخرى ولو عبر موج البحر ، الذي لايساله عن جواز سفر ، ليبلغ وطنا بديلا ، ربما بعد سنوات ، يصبح احد افراده وربما احد افراد قاع البحر …

**هنا في الخرطوم لاتتحرك مشاعر الاسف والحزن ابدا ، على هؤلاء الشباب ، الذين تنتشلهم السفن الخيرية ، وتداوي جراحهم النفسية والجسدية ، فالسلطة في الخرطوم تسمع وتقرا وتشاهد ، لكنها لاتدرك خطورة ما انتهجت من سياسات ادت برجال الغد وصانعي الاعمار الى قاع البحر ..

** كيف ترد السلطة في السودان على تساؤلات الدولة التي خفت لانقاذهم وهم رعاياها ؟ وهي الدولة الاسلامية التي تتخذ من الشريعة الاسلامية المليئة بالحقوق والواجبات الواضحة ، التي لاتحتاج الى تفكير ،اوبها لبس، طريقا ومنهجا تفاخر به كلما سنحت الفرصة وان لم تسنح خلقتها للحديث عن ذلك ، وهي الشريعة التي تترى فيها منهج الحكم الرشيد الصالح وسيرة الانبياء والصحابة بكل فضائلهم ، التي تكسو الرعايا ، فلا عين تنام وجار جائع واخر يتسول ? هنا السودان كلو جائع ويتسول — لكن هنا نقسم باننا دولة ، تتمسك بالشريعة وتخالف تنفيذها ، فالسارق يتصدر المسؤولية ، والمتحرش سفيرا لبلاده ، والكاذب والمنافق ، تفتح لهم الابواب ، فيدلفون ولو الى القمر ..

**الى متى نذر شبابنا مع الريح ؟؟ ونحملهم عنوة الى قوارب تنوء باجسادهم المكدسة والعطشى والجائعة في بضع سنتمرات في عرض بحر يعرف موجه الثورة ؟ او ندفعهم الى دولة تحشرهم في مخيم تقتلع جنباته رياح الشتاء القارص ؟؟

** ارحل ياعبد الحميد كاشا ، وفي يدك كل اعضاء حكومة ولاية النيل الابيض ….

الجريدة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..