أخبار السودان

أزمة قادة

اسماء محمد جمعة

منذ أن نال السودان استقلاله وأصبحت هناك ممارسة سياسية وطنية لم يتغيَّر القادة السياسيين الأوائل الذين صنعتهم صدف ذلك الزمن ولم ينقطعوا عن العمل السياسي حتى اليوم، الصدف أيضاً أضافت إليهم سياسيو الإنقاذ فتمسك جميعهم بمشوار سياسي طويل لم يحالفهم فيه النجاح مطلقاً، حُرم الكثير من الكفاءات والقادة الواعدين من الأجيال الجديدة من المشاركة في صناعة الحياة السياسية وتسبب ذلك في حرمان السودان من فرص نجاح كان يمكن أن يكون لها أثرها ووئدت مقدرات ممتازة وأصبح الفشل السياسي حليف رحلتنا من الاستقلال وحتى الآن 60 عاماً.
هؤلاء القادة لن يقدموا للسودان شيء يفيده في مستقبله السياسي بدليل الواقع اليوم، ولسنا في حاجة إلى الشرح والتوضيح، وهم رغم تجربتهم الطويلة لن يرحلوا لإفساح المجال لغيرهم ولن يسمحوا للأجيال الجديدة أن تدخل إلى مجال السياسة من أبوابها الرسمية، وهنا يكمن الخلل، جميع الساسة الكبار باختلاف ألوانهم السياسية يشتركون في رغبة البقاء في دنيا السياسة إلى آخر لحظة من عمرهم، فقط لأنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب تجربة طويلة وزعماء لم تلد حواء السودان أفضل منهم أو حتى مثلهم، والحقيقة أنهم أسوأ ما أنجبت حواء السودان.
لا شيء حرم السودان التطور والتقدم السياسي أكثر من هؤلاء الساسة الذين اغتالوا الممارسة السياسية النزيهة منذ أن ولدت وأسسوا عصابات سياسية تجمعم وتحقق لهم المصلحة رغم الاختلافات والتقاطعات التي بينهم، ذلك التوجه حرم السودان عطاءً أكثر من ستة أجيال جديدة، وجيلهم هذا في كل دول العالم المتقدمة رحل عن المناصب الحكومية وأصبح يقدم خدماته للمواطنين بكل رحابه صدر بعيداً عن المناصب الرسمية، لذلك هم من جنى على السودان وشعبه وضيَّعوا عليه فرصة غالية بإيقافهم ظهور القيادة الحقيقية في الساحة السياسة السودانية لعقود طويلة وهي أزمة السودان الوحيدة اليوم.
تلك الممارسة البائسة جعلت الكثيرين يلهثون خلف القيادة وهم لا يستحقونها ولكن بفضل تلك الفوضى نالوها، فأصبح هناك كماً هائلاً ممن يسمون بالقادة السياسيين لا يفهمون عن القيادة سوى أنها المتاجرة بمصالح المواطنين من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية فأصبحت القيادة واحدة من الوظائف والمهن وأصبح القادة في السودان أكثر من الموظفين في الدولة.
القيادة السياسية قدرة وفاعلية وبراعة يملكها القائد السياسي ? والنخب السياسية التي معه تساعده في تحديد أهداف المجتمع السياسية وترتيبها تصاعدياً حسب أولوياتها، واختيار الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف بما يتفق مع القدرات الحقيقة للمجتمع، وتقدير أبعاد المواقف التي تواجه المجتمع واتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة المشكلات والأزمات التي تفرزها هذه المواقف، ويتم ذلك كله في إطار تفاعل تحكمه القيم والمبادئ العليا للمجتمع. أين قادتنا من هذا الوصف؟ بعيدين كل البعد،صحيح هناك استثناءات كان يمكن أن يكون لها أثر ولكنها حرمت من الظهور الكامل في ظل هذا المناخ السياسي المتسخ.
إن كان للسودان قادة سياسيين حقيقيين لما توقف عن المضي قدماً في طريق التنمية، وهو بلد ينعم بكل شيء يمكن أن يضعه في مصاف الدول المتقدمة، وما دامت هناك أزمة قادة وقيادة فمؤكد سيظل السوداني يعاني من أزمة تغيير وأزمة تنمية وأزمة هوية وأزمة معيشة وأزمة فشل سياسي مستمر .
حان الوقت ليبحث الشعب عن قادته الحقيقيين في الأجيال الجديدة حتى يتنفس الصعداء، ويجب أن يذهب كل القادة الذين صنعتهم الصدف إلى مزبلة التأريخ .
التيار

تعليق واحد

  1. بكل صراحة هذا أجمل وأصدق وأعمق ماكُتب في هذا الخصوص، لاشئ يمكن إضافته، شكراً جزيلاً ولكِ أرفع القبعة.

  2. يااخت اسماء صدقتى حينما قلتى:”لاشيء حرم السودان التطور والتقدم السياسي، أكثر من هؤلاء الساسة الذين اغتالوا الممارسة السياسية النزيهة منذ أن ولدت وأسسوا عصابات سياسية تجمعم وتحقق لهم المصلحة “. بصراحة دى جزور واسباب المشكلةالحقيقية، قادة العصابات يمثلون قدوة سيئة، ونماذج تسد النفس، وكانوا ومازالوا سبب اقصاء الشباب وعزلتهم وحرمانهم من المشاركة بكافة اشكالها . جميل انك وضعتى لينا الحل: “ويجب أن يذهب كل القادة الذين صنعتهم الصدف إلى مزبلة التأريخ”. عندها سيخرج الشباب من عزلته ونفوره ويعودإلى فضائه الحيوى، فضاء المشاركة الفاعلة والايجابية.

  3. مشكلة السودان السياسية تكمن في خلط الدين بالسياسة منذ المهدية و حتى الآن، لكي ينصلح الحال لابد من فصل الدين عن الدولة و السياسة بنص الدستور و منع قيام اي حزب علي اساس ديني او طائفي فلا للجهل والتضليل باسم الدين و تقديس السياسين المتدثرين بالدين وإعطاءهم اكبر من حجمهم الحقيقي وهم في الحقيقة اكثر الناس فشلا وانانية لا استثني منهم احدا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..