يجب وضع جنوب السودان تحت وصاية الأمم المتحدة لمساعدته على حكم نفسه بنفسه

حان الوقت للتوقف عن خداع أنفسنا بهذه الأوهام الرومانسية عن جنوب السودان. لقد كنا نركز جميعاً على مساعدة الجنوب على الهروب من قبضة دولة الخرطوم الاستعمارية ونسينا الحاجة لإعداد شعب جنوب السودان لحكم نفسه بنفسه. ومقارنة مع كل الدول الإفريقية التي نالت استقلالاها منذ الخمسينات، جنوب السودان هي الدولة التي وجدت أقل حظ من الإعداد لفترة ما بعد الاستقلال.
وحتى الكونغو البلجيكي الذي نال استقلاله في عام 1960 كان لديه قدر جيد من البنيات الأساسية ونظام تعليمي جيد نوعاً ما تديره البعثات التبشيرية المسيحية وقدر من التنمية الصناعية والتجارية والزراعية. ولكن لسوء الحظ فإن البلجيكيين إعتقدوا أنهم سيبقون في حكم البلاد إلى فترة الثمانينات ولذلك لم يقوموا بأي شيء لإعداد الموارد البشرية الضرورية للحكم الذاتي للبلاد الذي حدث في عام 1960. وكنتاج لذلك انحدرت جمهورية الكونغو الديمقراطية المستقلة حديثاً إلى حالة أقرب للفوضى بعد وقت قليل من نيلها للاستقلال مما حتم على الأمم المتحدة القيام بعملية لحفظ السلام استمرت لمدة ست سنوات تضمنت أفراد مدنيين للقيام بشؤون الإدارة فضلاً عن أصحاب القبعات الزرق. ولم ينل الجانب المدني في بعثة الأمم المتحدة هذه حظه من الشهرة مثل الجانب العسكري، ولكنه بدون جدل لعب دوراً أكثر أهمية.
وبالمقارنة بالكونغو، فإن جنوب السودان بدأ استقلاله بصفر كبير فيما يتعلق بالبنيات الأساسية والتعليم والاستثمارات الخاصة وغيرها من المؤسسات. وشهدنا فيه إندلاع صراع عنيف من أجل السلطة داخل الجيش الشعبي لتحرير السودان نفسه وذلك لسنوات خلت حتى قبل الشروع في المفاوضات التي قادت للاستقلال، حيث بدأ ريك مشار صراعه من أجل السلطة في عام 1990 وبدعم من الخرطوم. ولذلك لماذا يعتقد أي شخص أن حركة عسكرية متمردة سيكون لديها القدرة على حكم بلد نال استقلاله حديثاً وأمامه الكثير من التحديات؟
في الكونغو البلجيكي قام مجلس الأمن الدولي بفرض وجوده على هذه الأمة بعد شهور قليلة من نيلها للاستقلال ولم تبدي المجموعة القليلة المتعلمة من الكونغوليين أي اعتراض على ذلك.
والمثال التاريخي الآخر، الذي يمكن الاستفادة منه في حالة جنوب السودان، هو انتقال نابميبيا نحو الاستقلال الكامل وذلك في الفترة من ديسمبر 1988 وحتى مارس 1990. الوضع هناك مختلف من الناحية القانونية لأن ناميبيا كانت تحت الوصاية الأسمية للأمم المتحدة بعد أن تم تحويلها من ألمانيا إلى جنوب إفريقيا في عام 1918. ولكن لسوء الحظ لم تقم جنوب إفريقيا بالالتزام بالتفويض الممنوح لها والقاضي بإعطاء المنطقة استقلالها وبدلاً عن ذلك فرضت حكمها عليها كجزء من نظام الفصل العنصري. وفي عام1987 وافقت جنوب إفريقيا على قبول الدعوة التي تقدمت بها الولايات المتحدة الأمريكية للدخول في مفاوضات شاملة لتحقيق السلام في منطقة جنوب غرب إفريقيا بمشاركة أنغولا وكوبا. وجرت مفاوضات ماراثونية لمدة سنتين يقودها مساعد وزير الخارجية الأمريكي حينها جستر كروكر وأدت للتوصل لاتفاقية نيويورك في شهر ديسمبر 1988 التي منحت ناميبيا، ضمن أمور أخرى، استقلالها.
وأدت المفاوضات التي أفضت لاتفاقية ديسمبر 1988 لاتخاذ القرار الحكيم باستعادة بعثة الأمم المتحدة لناميبيا لمدة 15 شهر كفترة انتقالية قام أصحاب القبعات الزرق والمدنيون من موظفي الأمم المتحدة خلالها بإعداد البلاد لنيل استقلالها التام في مارس 1990. وخلال هذه الفترة الانتقالية أيضاً وجدت الحركة الرئيسة التي قادت التمرد في أنغولا، وهي منظمة شعب جنوب غرب إفريقيا “سوابو”، الوقت لإعداد نفسها لحكم البلاد. ومثل الكونغو البلجيكي في عام 1960، استفادت ناميبيا بعد مرور ثلاثين عام على ذلك من وجود بنيات أساسية كبيرة واستثمارات خاصة وتعليم ونوع من المجتمع المدني.
وسيكون من المخجل إذا قادت المفاوضات الجارية الآن بين أمراء الحرب في جنوب السودان بهدف التوصل لوقف إطلاق النار لإنتاج ترتيبات أخرى لتقاسم عائدات النفط بين المقاتلين الفاسدين بينما يتحصل بقية السكان على صفر كبير. ويجب أن تعقب عملية وقف إطلاق النار مناقشات في مجلس الأمن الولي لمنح الأمم المتحدة وصاية على جنوب السودان شبيه بما تم في الكونغو في عام 1960.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. با زول ما تحلم !
    لا وصاية ولا أوهام من النوع ده حتتقق في جنوبنا الحبيب!
    وبدل توجه أفكارك الننيرة دي لاعادة الحقبة الاستعمارية التي ثبت فشلها لكافة أنواع المستعمرين في التاريخ،
    ليه ما توجه تفكيرك النير ده “للامم المنقسمة” دي، إنها تعمل على إزالة السبب الرئيسي للمشكلة وهو
    المتهم الهارب من العدالة الدولية ومجلس الامن والامم المنقسمة، وخطوة جاد واحدة للعالم في هذا الاتجاة تعمل على إزالة كل أسباب التوتر في العالم الذي يكاد بنفجر، وتقوم الحكومة المستقلة في الشمال بإعادة أرضيها وشعبها على أساس المواطن المتساوية والحرية المطلفة، وتنتهي كل المشاكل، وأولها مشكلتكم أنتو، في ضمان إستقرار المنطقة على أساس التعايش السلمي لشعوب السودان مع نفسها، ومع الآخرين لأنهم ما حيكون عندهم وقت فاضي يتناوشو معاكم للآلاف السنين وربما حتى إنتهاء الزمان، ليعملو على توفير اسباب العيش الكريم لانفسهم ولمواطنيهم وشعوبهم.
    قال وصاية قال !
    سنحرر الشمال من إستعمار الكائن الاخواني المحتل أولا؛وسيكون حينها خيار شعب الجنوب العود الطوعية للوحدة مع الشمال على الآسس الصحيحية، وسيكون الجميع سعيدينن ويمكنك حينها أن تزور الخرطوم وجوبا لتفهم ثم بعد ذلك تتحدث.
    لسنا ناميبيا ولا أنغولا يا هذا !

  2. لكم الشكر الجزيل استاذ الصادق على ترجمة هذا المقال الهام جدا واتمنى ان تواصل مجهوداتك فى تقديم المزيد
    وفقكم الله

  3. طيب ما السودان لمن استقل كانت به بنيات اساسية مادية وبشرية تركها الاستعمار وبدل المحافظة عليها وتطويرها بالله العظيم جو السودانيين وفرتقوها حتة حتة خاصة الانقلابيين ناس الديمقراطية حافظوا عليها واصلا مدة حكمهم كانت قصيرة جدا وغير متصلة واصبخت قوة دفاع السودان اللى هو الجيش السودانى حاليا ساكة المعارضة من ولاية لى ولاية بدل ما يحرس الحدود والقانون !!!
    الله يلعن ابو الاستعمار الطلع من السودن بدرى ولم يجلس الى نهاية السبعينات وجا بدله استعمار وطنى لكنه استعمار غبى وزى الثور فى مستودع الخزف!!!!
    شمال السودان ذاته عايز يتخت فى الوصاية الدولية لان اهله فشلوا فى حكمه الاستعمار لمن طلع خلى لينا جيش محترف وخدمة مدنية وسكة حديد ومشروع جزيرة ونظام برلمانى ممتاز وبدل ما نحافظ عليهم ونطورهم مشينا فى طريق القذارة العربية الانقلابية ناس الضباط الاحرار واخيرا قمة القذارة الاسلام السياسى!!!!
    واختم تعليقى بمليون تفووووووا على اى انقلاب عسكرى او غقائدى سودانى عطل التطور الديمقراطى!!!
    وكمان يحتفلوا باعياد الاستقلال اختشوا على دمكم الهند ليها حق تحتفل انتو تحتفلوا على شنو؟؟ على خيبتكم وفشلكم؟؟؟؟حقو تسموه عيد الاستغلال وليس الاستقلال!!!!!!!!!!!!

  4. المشكلة ان الحركة الشعبية تنظر للجنوب وثروته كغنيمة فقط فمن شعار اكل من خشم بندقيتك الي خم ما تشاء من عائدات البترول،لذا لا اعتقد ان الحركة ستوافق علي هذا الاقتراح النبيل،ماركسيون سابقون واسلاميون سابقون والشئ الجامع بينهما هو السباق نحو الجحيم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..