وحيداً هشموا رأسه ومزقوا جسده، ثم هتفوا “احرقوه”!

علي أحمد

“اكتلوا اكتلوا”.. يصيح أحدهم.

يتجمهر عشرات من المواطنين تلبية للنداء، يهاجمون رجلاً أعزلاً وحيداً؛ تبدو ملامحه إنه من (عرب دارفور)، بالعصي والحجارة لاشتباههم إنه ينتمي إلى قوات الدعم السريع، ربما، يسقط الرجل الأعزل الوحيد أرضاً، تتهشم جمجمته، يتمزق جسده النحيل، هو الآن جثة هامدة، لكنهم لا يتوقفون، يمزقون الجسد الميت، يواصلون بشاعتهم، يخرجون حيوانتهم المفترسة الكامنة فيهم ويطلقونها على هذا الرجل الغريب المسكين الوحيد الأعزل.

يأتي صوت آخر، مضاد للذي يحفزّ وحشيتهم ويحرضهم على قتله، يأتي هذه المرة ليطالبهم بالتوقف، فقد صعدت الروح وتهشم الجسد وتمزق، يصيح فيهم:
“اقيفوا آ ناس، اقيفوا آناس”، لكنهم لن ولم يتوقفوا، ها هم يواصلون تمزيق الجثة وهم يهتفون باسم الله، يهللون ويكبرون، يعود الصوت القديم صائحاً فيهم: ” احرقوه، احرقوه”، وينتهي مقطع الفيديو المأساوي الذي صوره أحدهم في منطقة ما بشمال السودان، بظهور رجل قصير ملتحٍ يهتف بعصبيه ويهلل مُحتفياً بالانتصار الكبير الذي حققه عشرات الرجال الأشداء عندما هاجموا بالعصي والحجارة؛ رجلاً وحيداً أعزلاً وغريباً، لاشتباههم إنه (دعامي)، كان لهذا الرجل القصير الملتحي ذات نبرات الصوت المُحرّض، كما كان له سمت الكيزان وملامحهم.

استطيع أن أقول لكم، أنني رأيت – لأول مرة في حياتي – ما كنت أقرأ عنهم ممن يسمون بالغوغاء والرجرجة والدهماء، في مقطع الفيديو هذا، ورأيت كيف (يشتغل) القطيع ويُساق خارج وعيه وإدراكه، وكيف تتم السيطرة على جماعة من البشر تخلوا عن عقولهم ووعيهم وضمائرهم، وأصبحوا رهن إشارة المتحكمون بهم يحركونهم من على البعد كـ(ربوتات) أو كأنهم (منومين) مغنطيسياً.

في شمال السودان، ليس الناس سواسية في هذا، لكن كثيرون منهم وقعوا تحت تأثير دعاية حرب الكيزان؛ شديدة البؤس بالغة العنصرية، فأصبحت حساسيتهم إزاء كل من يأتي من الغرب مفرطة، خصوصاً وأنّ فتاوٍ دينية عنصرية كيزانية؛ رسخت وعضدت وكرّست ذلك.

هذه الحرب عندما اشتعلت وانقسم السودانيون حولها، انقسموا لأسباب كثيرة، بعضها سياسي وبعضها جهوي/ جغرافي، وبعضها عرقي إثني، لكن كل هذه الأسباب كانت تدفع بها فتاوي دينية صادرة عن الكيزان الهاربين إلى أصقاع الأرض بعد أن فقدوا سلطتهم وقرروا أن يحرقوا (روما) بما فيها ومن فيها.
شيوخ (روما) التي احترقت فعلياً، هم من قتلوا هذا الوحيد الأعزل، هم من مزقوا جسده وهشموا جمجمته وطالبوا بإحراق ما تبقى من أشلاءه، فهل هذه أخلاق أهل شمال السودان بالمُجمل، لا؟، ولكن هؤلاء الغوغاء الذين شاهدتهم على مقطع الفيديو، كانوا مُتلبِّسين بفتاوي مشايخ الكيزان مثل رأسهم عبد الحي يوسف ومحمد الأمين اسماعيل وغيرهما من الفلول الإرهابيين بقناة (طيبة) التي تبث الضلال والكراهية، وواقعين تحت تأثيرها لا يفرقون بين مقاتل ولا مدني ولا مسلح ولا أعزل، يتحركون كالقطيع بدافع الخوف والخشية التي زرعوها في نفوسهم من خلال الدعاية الإعلامية العنصرية المكثفة؛ التي يشارك فيها بجانب (فقهاء الغفلة) عليهم اللعنة، مثقفون وإعلاميون يثيرون الفزع والهلع بين أهل الشمال، بما لا يقل عن (سلالة) عبد الحي يوسف وعلي كرتي، كل هؤلاء سيحاكمهم المستقبل بتاريخهم، الذي يكتبونه وحدهم، وبأيديهم يؤرخون له ساعة بساعة ولحظة بلحظة، وينشرونه على وسائل التواصل الاجتماعي، إنهم القتلة الحقيقيين، فيما هؤلاء البائسين ينفذون (خارج وعيهم) ما يُملى عليهم من هؤلاء، الذين بعد أن أوقعوهم في مصيدة الخوف وبثوا في نفوسهم الرعب والهلع، فرضوا سيطرتهم عليهم وتمكنوا منهم، إنهم قطيع يساق بعصا (الشيوخ) واعلام الكراهية.