الملحن يوسف القديل : الخلافات والراسمالية المتفننه اصابت الفن بهزة..نعاني من أزمة وعي حتى على مستوى القيادات.

رندا بخاري
الجمهور عايز كدة هذه مقولة زول محبط
ينظر إلى بعض الأغنيات التي تقدم في الساحة الفنية بعين السخط، خاصة وأن مفرداتها مثيرة للجدل، وأرجع معظم الخبراء في المجال الأمر إلى بعض المطربين الشباب الذين يفضلون هذا النوع من الأغاني ويرفضون المفردة الرصينة ويكون الرفض تحت مبرر (داير لي أغنية خفيفة كدة ) .. الملحن ذائع الصيت يوسف القديل التقته الجريدة باتحاد الفنانين ،وطفنا به عبر عدد من المحطات وتاليا التفاصيل . حوار :رنده بخاري ** عرفت في الساحة الفنية بتجاربك اللحنية الرصينة، وبثنائية مازالت مثار حديث الوسط الفني مع الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، الآن هل وجدت أصوات جديدة تواصل من خلالها مشروعك اللحني ؟ نعم فقد تعاملت مع مجموعة من المطربين الشباب أبرزهم طه سليمان في أكثر من عمل ،وكذلك الفنان عصمت بكري ، والآن بين يدي تجربة جديدة مع صوت شاب خريج كلية الموسيقى والدراما استاذ صوت بالكلية ولحنت له أكثر من تسعة أعمال ستقدم من على خشبة مسرح اتحاد الفنانين وهي تجربة جديدة تمهد لثنائية قادمة ستبصر النور قريبا . ** تقديمك تسعة أغنيات دفعة واحدة لمطرب اقتعنت بموهبته الغنائية شيء ليس بالسهل ،خاصة وأن الأغنيات اصبحت لا تعمر طويلا في الساحة الفنية، ونجدها سرعان ما تذوب دون ان تلتصق بذاكرة المستمع السوداني من واقع خبرتك ماهو السبب ؟ يعود الأمر برمته الى الاهتمام بكلام الشارع ، فالمطربين لا يختارون النصوص الرصينة، وحتى الألحان لا يفكرون فيها طويلا، لذلك تشابهت الألحان، ومن ثم اتجهوا الى الألحان الدائرية، لذا ما أن يلامس اللحن آذان أحدنا نشعر بأنه مألوف بالنسبة لنا، ولأن الكلمات لا تحمل رسالة ملفته أصبحت الأغنيات لا تعمر طويلا في وجدان الناس وفي النهاية الأغنية ستكون هشة . **هل من الممكن أن يحول اللحن الجميل مفردات ركيكة الى أغنية ناجحة فيذيع صيتها بين الجمهور ؟ الأغاني الموجودة الآن في الساحة عرفت باللفظ الملفت والمثير للجدل وهو المهيمن الآن، وسيطرت مسألة رفض التعامل بجدية حتى المتلقي اصبح يحب الاستماع الى الكلمات غير الجادة والمفرادت خالية من المعاني الرسالية، وهذا من الأمراض الاجتماعية التي اصابت وجدان الشعب السوداني وهي كارثة من وجهه نظري ، وعلى سبيل المثال يأتيك مطرب شاب يطلب منك أعمال ما أن تبدأ له بالأغنيات الرصينة التي بها نغم ومجهود لتضيف لتجربته شيئا يرفضها ويقول لك (عايز لي حاجة كدة خفيفة) بعض الشباب الجاد اتجه لتقديم اعمال رصينة منهم عصمت إبراهيم الأمام الذي قدمت له التسعة اعمال والآن تمضي نحو الإثني عشر عملا غنائيا . **عمالقة الأغنية السودانية لم ينزل يوما أحدهم الى رغبات الجمهور وقدم أغنية ركيكة مستندا الى مقولة الجمهور عايز كدة تلك العبارة التي بتنا نستمع اليها كثيرا ؟ هذه مقوله زول محبط لأن الفنان معلم ويقال له استاذ لأنه معلم أجيال على سبيل المثال الأغنية الوطنية ليس لدينا منهج تربية وطنية في المدارس ،ولكن الأغنية قامت بهذا الدور والفنان هو الذى يعالج الاشكالات ايا كان نوعها من خلال الفن، ومن ثم تؤدي الأغنية وظيفتها. أنا ضد هذا المقولة والفنان صاحب المشروع يقدم غناءاً جميلاً وفي فترة من الفترات تحدثت في عدد من المنابر عن الإرث الثقافي الغنائي الذي ورثته الأجيال من المطربين الذين سبقوهم الى محمود وعصام ونادر، فجأة الامور جاطت الشباب نسبة لدخول الفنانين فيما يسمى بالتجريب هذا الأمر خلق اشكاليات تواصل الاجيال الشباب اصبحو مقلدين للثقافات الغربية فالناس اصبحوا لا يراعون لهوية الأغنية السودانية التي مرت بعدد من المراحل من الصفقة الى الاوركسترا ،ومن ثم ادخل كثيرين الآلات الموسيقية وعلى سبيل المثال الطبلة والبنقز جابهم سرور من القاهرة والسر عبدالله أدخل الكمنجة وهبة وتحولت الكمنجة الى كمنجات ثم محمد جبريل الذي يستحق التكريم فهو أول من ادخل آلة البيز جيتار في الاوركسترا الموسيقية ، وفي العام 1969م جاء معهد الموسيقى وقبلها كانت هناك دراسة في الإذاعة ادخلها مصطفى كامل وبعده مسترلى الذي تتلمذ على يده ومحمدية محمد عبدالله عربي ثم جاء وردي بآلة الطمبور ثم تحول الى الموسيقى ثم (قلب) الأغنية في السبعينات، وشكلت الاذاعة دورا هاماً في تلك المرحلة الى ان توقف التسجيل فيها ليصبح الانتاج الفني بديلا للإذاعة والتفلزيون ليتسيد سوقه مجموعة من المطربين منهم محمود جمال فرفور عصام محمد ، بعدها الأمور جاطت عبر التجريب من غير خبرة . **تحدثت آنفا عن ثقافة التقليد الغربي التي أتجه اليها بعض المطربين فهل ذلك التلقيد هو الذي قاد عدد منهم الى تقديم اغنيات مصاحبة بالرفض المايع، وهل السبب ايضا يعود الى ركاكة المفردة ،ومن ثم يسعون الى شغل المستمع عنها بأولئك الراقصين والراقصات ؟ نعود مرة أخرى الى التجريب مع الأخذ في الإعتبار أن الأغنية المصورة الكليبات المصحوب بالرقص الاستعراضي منهج موجود في كلية الموسيقى والدراما ،ونحن أفارقة لدينا ايقاعات راقصة ومنهج الرقص، لكن يجب أن يراعى فيه العادات والتقاليد وتقديمه بصورة محترمة لا رقص خليع ، ومن وجهة نظري اذا تمت مراعاة تلك الأشياء ليس هناك ما يمنع تقديم أغنيات مصاحبة بالرقص **كلمات وألحان وغناء عبارة اصبحنا كثيرا ما نطالعها ؟ انها من المسائل التي جعلت الأمور تتخلف فالعالم كله يعمل بالمهنية وعلى سبيل المثال هناك مؤلفات موسيقية يأخذها بعض المطربون وينتفعون منها دون أن يقدموا لأصحابها حقوقهم المادية، وهذا اسلوب غير حضاري ،ومن وجهه نظري إن عدم الاعتراف بالحقوق يعتبر عدم وعي، حتى الديمقراطية التي تطبق الآن فى البلد هناك من يجهل كيفية التعامل بها، ونحن لن نصل الى نتائج ايجابية نسبة لعدم الوعي، نعم هناك مطربين لحنوا و لديهم موهبة حقيقية ولكن بعضهم مستواه غير جيد في الغناء ، فما بالكم أن يكون هناك صاحب ثلاثة مهن في آن واحد هذا تطاول، وعدم الوعي يأتي بنتيجة لعدم احترام الاخر، انا اذا أحترم مهنتي ولا اقبل على هكذا فعل ،والاشكال هو مجلس المهن الذي ساهم مساهمة كبيرة في التعدي على قانون الغير، وكان ايضا من الممكن اصدار القانون عبر التدارس والجلوس الى الملحنين والشعراء والفنانين ، اذ لا يمكن ان لا يكون لديك وقود وتصبح مغني ، و(قصة) خمسة اغنيات التي وضعها المجلس كشرط للحصول على الرخصة غير منطقية، ومن الممكن أن يقدم المطرب أي أغنيات نصها من الحقيبة ويدخلها الاستديو ويؤديها أمام اللجان بصورة غير مباشرة، القانون هش أي فنان يعمل ليهو خلطة من الأغنيات ويستفيد منها ويقدم للعازفين أقل من ربع المبلغ وهذا ثراء حرام . **لازال البعض يتحدث حول قانون المهن الموسيقية الذي أجيز دون أن تدار حوله ندوات للنقاش المستفيض ليخرج مبرأ من العيوب ؟ أعود بك إلى أمر الوعي حتى على مستوى القيادات هناك عدم وعي وكان من الممكن تدراس الأمر، وأنا من وجهة نظري أرى إن أعطاء بطاقة السجل يجب أن تقدم لمطرب على الأقل يكن لديه خمسة عشر أغنية ،ويُطالب بالمزيد على مدار عام ، وكان ذلك سيسهم في الخروج من هذا النفق الذي دخلت فيه الأغنية السودانية، وعبركم اطرح السؤال ماذا سيقدم هذا الجيل للأجيال القادمة؟ فالأجيال السابقة قدمت ما لديها من أعمال إلى أن اصبحت أعمالهم متوارثة **أزمة الوعي التي تحدثت عنها هي التي أدت إلى غياب روح التسامح في الساحة الفنية الآن، فقديما كانت سائدة لدرجة أن يلحن هذا لذاك ؟ الخلافات ودخول الأجسام الغريبة ودخول بعض الرأسمالية المتفننة حيث تجد أحدهم عمره ستين سنة يملك قصيدة أو لحن منلوج ومعه مجموعة من الناس يستغل ظروفهم المادية وحوجتهم ومن ثم يعملون له أغنيات ويصبح ملحن، وأنا اجتهد في الأغنية ليأتي مطرب يأخذ الغناء ويستفيد منه مقابل مبلغ مادي معين، وهناك من يكتب الكلام ويلحنه ويأتي بالمغني ويعطي المال للفنان ليغني له وهذا ما أصاب الأغنية بهزه ،فخرج غناءاً فطيراً رغم تكراره في الإعلام لكنه لم يصل إلى الناس. ** أغنيات الراحل الفنان الراحل محمود عبد العزيز كانت تصنع الفرق في الساحة الفنية ،من وجهه نظرك هل من مطرب يستطيع سد فراغ محمود ؟ أنا قدمت أعمال وغنى للفنان شكرالله عز الدين الدمعة وحققت النجاح، فالمبدع اذا كان يتمتع بالمهنية سيصنع الفرق، لكن حاجات صاحبي وصاحبك وجاري وجارك لاتؤدي الى نجاح الاغنيات التى اصبحت مؤخرا اغنيات فقط مثيرة للجدل الذي يسعى اليه بعض المطربين، وانقسم الناس حولها ، ومطربين كبار يختارون تلك الأغنيات وعاملين فيها نجوم كبار، وهذا أسلوب خطير أشبه بمتعاطي المخدرات . *مطربون بعينهم لا نود ان نسمهيم هل يسعون حقا للاستحواذ على اغنيات محمود التي لحنتها له من أجل الانتفاع منها ؟ أي مطرب يمكن ان يستحوذ مطربين آخرين على اغنياته، لكن لا يمكن ان يحدث ذلك لمطرب أسطورة مثل محمود عبدالعزيز ، ولكن أغنياته تغنى في الحفلات، وهناك من يمثل أنه الحوت، لكن أنا لن أقدم اغنيات محمود لمطربين ، فأنا لا يمكن أن أقدم على مثل هذا الشيء ، فالغناء الذي جمعني بمحمود (اتعمل) له فقط ،ومدرسته كمدرسة غنائية متفردة ،والراغب في الانتفاع منه سينتقع منه عبر الحفلات العامة ،وعلى سبيل المثال هناك حسين حمد ،حذيفة هذين الشابين يقلدون محمود قبل وفاته ، اضافة لترديدها فى برامج تلفزيونية، وفي المراكز الثقافية. **المبادرة التي أطلقها الملحن أحمد المك والخاصة بحفظ الحقوق المادية إلى أين وصلت وهل تتوقع نجاحها؟ الطرح الذي طرحته في تلك الجلسة قوبل بالرفض من الشاعر عزالدين هلالي، وأنا سبق وأن تحدثت في عدد من المنابر الاعلامية، ومعي نزار حميدي وهثيم عباس وقمنا بحصر عدد من الملحنين، وهلالي يرفض أي عمل جسم للملحنين، أنا أفتكر أنه إذا قام سيكون تنظيم يدير نفسه خاصة وأن الملحن هو عصب العملية الغنائية ،ومن الممكن أن تكون القصيدة دفتر ما لم يصيغ لها الملحن لحن حتى تصل الى الجمهور، لا أريد التقليل من دور الشعراء لكن لابد من عمل كيان للملحنين بشراكة مع عدد من الجهات، حان الأوان أن يكون هناك اتحاد للملحنين، ويقوم بتوأمة مع اتحاد شعراء الأغنية السودانية ،واذا أدار المبدع حقوقه بنفسه سيطمئن .
الجريدة