( إيقاع العودة ) رواية للكاتب : عوض عثمان عوض

عبد الله الشقليني

(إيقاع العودة ) رواية للكاتب عوض عثمان عوض

الكاتب : عوض عثمان عوض :

من مواليد أم درمان 1972. خريج كلية القانون جامعة النيلين 1995.أقام تسع سنوات في هولندا ويقيم حالياً في بريطانيا . له العديد من المقالات والمساهمات الأدبية والقصص القصيرة والخواطر ، نُشرت في عدة مواقع بشبكة الإنترنيت ، وفي مجلة الحوادث اللبنانية وصحيفة القدس العربية الصادرة في لندن .
صدر له :

-( باب السُنط ) بالاشتراك مع الإخوة جبريل ، دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر ، بيروت 2008
-(حوار الظلال ) ( قصص قصيرة جداً ) دار ميريت للطباعة والنشر ، القاهرة 2010
(1)

مرتع صبا الكاتب وطفولته (قلعة صالح جبريل)العتيقة ،وهو البناء الأثري المغروزفيأمدرمانالقديمة، أشهر معلم أهلي تم بناؤه منذ أوائل القرن الماضي .يعرف الجميع حي القلعة الذي تسمى بها ويذكر الكثيرون قصيدة الشاعر أبو صلاح الغنائية المشهورة ( بدور القلعة ) التي كتبت في الثلث الأول من القرن الماضي ، منها هذه الأبيات:
العيون النوركن بجهرا
غيرجمالكن مين السهّرا
يا بدورالقلعة وجوهرا

الجميع في حاجة لمعرفة الكثير عن دور المدونات والانترنيت في إشاعة روح الحوار ، والتواصل الاجتماعي الخلاق وتطوير القدرات على الكتابة ،فمنتديات الحوار أكثر عمقاً و أثراً على المتحاورين . وتسير متزامنة مع تقدم تقنية المعلومات وتيسير آلة البحث ، وانتشار الكتابة الرقمية ومرونة الكتابة بها وقابلية النصوص للتعديل وإعادة الهيكلة. في هذا المناخ السماوي الباهر أنجبت الدنيا الكاتب الروائي : عوض عثمان عوض .

(2)

أول مرة تعرفت على قلمه كان منذ حوالي عشرة أعوام . التقينا مثل كل الذين يلتقون في المنتديات السماوية . ومن الحوار الكتابي بيننا نهضت علاقتنا. وتعرفنا وقامت بيننا صداقة محورها قضايا وهموم متعلقة بالوعي العام وضرورة المساهمة بدلونا في الكتابة الثقافية بأنواعها. عرفت أنه يستطعم من عميق الزاد المعرفي ويتقدم مساهمة بالكتابة و رصيد القراءة والمتابعة والتدقيق، ويهمه أمر وطنه الذي إليه ينتمي. ويحلم أن يكون أفضل، وتهمه المساواة بين الجنسين ،ومن مبادئه العدالة والديمقراطية والحرية ، وجميعها مما يتنفس نسائمه كل الناس هذه الأيام .
يقولون الوسط الفني يضع بذور الإبداع في مكامنها ، وللبيئة أثر فينا. النماذج كُثر: فمثلاً والد الموسيقار موتزارت كان مفوضاً لإدارة الأوركسترا لدى رئيس الأساقفة في سالزبورغ،و الكاتب أسامة أنور عكاشة ابنا لكاتب أنور عكاشة, وصلاح أحمد محمد صالح الشاعر والدبلوماسي هو ابن الشاعر أحمد محمد صالح .وهو الذي بجهده نهض برنامج (حقيبة الفن) في الإذاعة السودانية أوائل الخمسينات،ومن منا لا يذكر قصيدته التي لحنها وغناها العملاق ( عثمان حسين )

قضيت العمر في هواهم
نسيت الدنيا إلا هم
فلما نالوا مرماهم
جفوني وقالوا حبي جنون
أنا الأغروني بالجنّة
جعلت غرامهم سُنة

، فكيف لا يكون كاتبنا (عوض عثمان عوض)أيضاً من تلك الفصيلة ؟! ،
إذ هو سليل أسرة ( آل جبريل )، لها ذات الأصول الإبداعية ،فأحد أجداده الشاعر ( توفيق صالح جبريل ) الذي تغنى له المطرب والمندوب الأمميللعمل الإنساني عبد الكريم الكابلي :

كانَ صبحاً طلقَ الُمحيا ندياً إذ حللنا حديقةَ الُعشاقِ
نغمُ الساقياتِ حرّكَ أشجاني وهاج الهوى أنين السواقي
بين صّبٍ في حِبه متلاشٍ وحبيبٍ مُستغرقٍ في عناقِ
ظلّتِ الغيدُ والقواريرُ صرعى والأباريقُ بتنَّ في إطراقِ

(3)

كُتبت الرواية في 181 صفحة من القطع المتوسط ، الناشر : دار الفارابي ، بيروت . أهدى الكاتب الرواية لشريكة عمره وأبنه والبنات وللشاعرة الراحلة (سنية صالح ) صاحبة الخواطر العميقة ، والتي تعرفنا عليها سابقاً و اشتركنا معها الحوار في المدونات ، وتم تجميع وطباعة ديوانها الشعري من بعد رحيلها وقد صدر .
رواية ( إيقاع العودة ) لا يستطيع عنوانها أن يحيط بعوالمها . وعندما يقول لك النُقاد إن عصرنا هو عصر الرواية ، فإن القول يصدق أيما صدق على هذه الرواية وعن هذا الجنس من الإبداع الذي نحن بصدده التعريف به .
انتقت الرواية من عوالم المهاجرين ، منْ لهم إسهامات في الحياة الجديدة ، وتعيش بطلة الرواية المجتمع الجديد ، ليس كطالبة لجوء ، أو باحثة عن الرزق أو هاربة من واقع قاس مرير، أو فراراً من قسوة السلطة فحسب ، بل الرغبة الجادة في الخروج إلى آفاق الحرية في العالم الأول ، والحياة في بلدان المهاجر في وطنٍ ثانٍ ،رغبة في المساهمة في أكوانه الواسعة.تعرّف أبطال الرواية على الحياة الاجتماعية وأقاموا علاقات أخوة وصداقة مع أفراد ينتمون لثقافات وأصول إثنية متنوعة وأيضاً مع مواطني دول المهجر. خرج الجميع منها بتجربة إنسانية متميِّزة . أسهموا في البناء مثل غيرهم ونهلوا من جذورهم الثقافية و أثروا بها أعمالهم الإبداعية .مسّتهم الحياة ببعض أفراحها ، والكثير من نيران أحزانها المتداخلة . تماسكوا وكان للأوطان التي رحلوا عنها دائماً شجن مُقيم .

(4)

استلت الرواية نماذج من دُنيا المهاجرين ، ممن لهم إسهامات في العمل والفن والإبداع . من الذين صنعت منهم المهاجر خامة تذوب في الحياة الاجتماعية والثقافية الجديدة دون أن تتآكل . تتلقى وترشف من رحيق الحياة وتُسهم بما تستطيع. يصيبها داء الحنين إلى العُشرة الطيبة في الوطن ، على ما تواضُع عليه أهلنا ،تربطهم وشائج المحبة ومذاق حياة العشيرة التي تزهو في وجدان الجميع. إن الوطن رغم آلامه ، نراه جميلاً لأنه أرض المنابت التي لا ولن تَنْسى من يرحل بعيداً عنها . خيوطٌ رفيعة وقوية ،تربط الجميع بالوطن الأم ،رغم أنا نراه اليوم قد رحل بعيداً عن مسار الأمم الناهضة، على غير ما كنا نأمل،فانكسرت أحلامنا وكدنا أن ننهزم ، فنحن مثلهم شركاء أرض المهجر ، نعاني البُعد عن الوطن ويأسرنا الحنين .تعثر وطننا الخُطى ، وفشل القائمون على أمره في الحفاظ على وحدته ، وتلك أزمة لن نبارح شقاءها أبداً .

(5)
تدور أحداث الرواية حول علاقات الشخوص التي اختارها الكاتب . للنص أكثر من راوِيّة .وبطلتها الرئيسة فنانة تشكيلية ، أوجدت لها مكاناً في الحياة الجديدة ، وتمكنت من النهل الخلاق من تراثها النوبي القديم في الذاكرة ، أحيت منابت الأهل في شمال السودان القصي واتخذته خامة إبداع .ها هي حضارة النوبة تنهض من سباتها العميق ، وتؤسس لها مكاناً في الوجدان ،وتتجول الأنفُس . وتعرِّف نفسها في أوطان المهاجر كرافد جديد .
الرواية تصطحِبُك من دهشة إلى أخرى ، تجدها كتفاً بكتف مثل كل الروايات العربية المعاصرة لغة وترتيباً وفخامة وتصويراً، يُضاهي التقنية السينمائية في تبادل الأمكنة والأحداث ووحدة المتناقضات وكثافة العبارة الرشيقة المملوءة بزخم الحياة وبصمات أصحابها . تذهب العُقد الروائية متزاحمة وتتخذ طريقها صعوداً ، من مفاجأة لأخرى .اللغة الروائية على درجة عالية من البلاغة والرصانة والجزالة .استراحت عند الفصيح والقريب السهل. ارتفعت عن اللغة التقريرية المباشرة إلى لغة عالية السقف من جهة ، وقريبة من عامة القُراء من جهة أخرى . تنقلهم بسلاسة ويُسر إلى عالم روائي ساحر . تقرأ أنت وتكتسب معارف جديدة. هذا البناء الروائي هو قطعةٌ مُنتقاة من الواقع ، كأنها تتحدث بلسانه . نعلم أن العديد من النماذج السودانية في المهاجر لا يتوفر لها مثل هذا الحظ من علو المكانة الإبداعية التي نراها عند أبطال الرواية .

(6)

في داخل الرواية كنوزها الجاذبة . ذلك السحر الذي نحسه عند القراءة ، ولا نُدرك سره.مفردات التعبير غزيرة ومتنوعة : معان وبديع وبيان ،مع طرائق الكتابة العصرية . مداخل الأحداث والمواقف على غير ما تعتادأو تتوقع .مفاجأة عند كل صورة ينقلها لك أو مكان يدلف إليه أو حدث جلل ينقله لك، مع حفر عميق في تضاريس النفوس البشرية ، تكشف رصيد الكاتب الثقافي والمعرفي العميق في الآداب والفنون ، بل يمكنك إن كنت تُحب أن تستدل على ثراء مكتبته وغنى اطلاعه من الصور المتجددة للمبدعين الذين تناولت الرواية سيرتهم وأسرار حيواتهم.
تمكن النص من إيراد أمثال وحكم الفلاسفة والفنانين عبر العصور ،بلغة روائية مُدهشة ، على غير ما عهدنا. وبقدر ما تقرأ تكتسب أنتَ معارف عن بعض أساطين فن الموسيقي والرسم و الرواية و الشعر والنثر والفلسفة ، و قد تعرفت عليهم من خلال أبطال الرواية ، وهم يقاومون المصائر،يضعون بصماتهم على الحياة ، بقدر ما تيسر لهم من سباحةً ضد التيار .

عبد الله الشقليني
4/11/2013
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..