أزمة وجود ..

يمكن ان تسمر عينيك على أفق لا تراه ، وتنشطر الأفكار إلى شظايا صغيرة ، وهي لا تتداعى بل تنتشر بعشوائية في تلافيف المخ ، داخل شريان ، داخل هلام ، فوق القشرة ، عن الموت ، الحياة ، الجنس ، العمل ، المال ، عنك وعن مصير اﻷسرة والأمة ، عن مكان ومكانة وطن داخلك ، أو فكرة اللا انتماء ، وأن العلاقة بينك وبين رقعة أرض هي علاقة مصلحة متبادلة ، أو قطعة موسيقية ، رواية، لا تشكل الأفكار نسيجا متلائما .. بل مزق .. كالبراغيث على القطن . ولكن يحيط بتلك الفسيفساء كلها هدوء رهيب ، ثبات نفسي وعصبي وتتساوى القضايا بعدمية شوبنهاورية . تغرس ساقيك داخل البطانية المعتمة فوق سريرك المعتم ، في غرفتك المعتمة ، شيء أشبه بالمستحيل ، إنها لحظة حاسمة تأمل أن تستمر في كشف سخافة أزمة الوجود التي كنت تعانيها . صحيح أن محتواك أضحى فارغا كآثار نهر قديم جف قبل آلاف السنين. وصحيح أن صوت الساكس في موسيقى الجاز لم يعد قادرا على تحريك أحاسيسك ، بل حتى ذكورتك أصبحت راكدة كآلهة يونانية ، وصحيح أنك أصبحت آلة عقلية فقط ، لحوسبة المقدمات والنتائج -فأنت لم تفقد هذه الميزة بعد- صحيح كل ذلك وأكثر ، ولكن كل ذلك النقص هو في واقعه امتلاء بل تشبع باللا وجود .. بالصلابة .. ، بالضعف إلى درجة الاستسلام لما تعتقده حتمية أو قدرية بحسب تقلبات الشك والإيمان ، بل حتى هذه الأخيرة لم تعد تطرق قلبك بذات القوة إنها تتساوى بكل شيء ، أنت تعبر أزمة الوجود بقفزة واحدة .. قفزة لم تكن إرادية البتة ، هل هذا هو الاقتراب من سن الأربعين ، هل هو ثمين وغال وقيم لهذه الدرجة ؟!!! إنك -وبكل لطافة- أصبحت تماما كسيارة مرسيدس من آخر طراز . قوي ، ثابت ، محدد ، نفعي إلى أقصى درجة. كل شيء واضح ، كل شيء يجتث أزمة الوجود .. وتتمنى بكل قوة أن تظل من الماضي السحيق ، السحيق جدا .
أمل الكردفاني
7يناير2015
[email][email protected][/email]