الطيب صالح لم يعد سقفاً للرواية

على مدى أكثر من خمسين عاما ظل الروائي والقاص عيسى الحلو عاملا على مشروعه السردي، بدأ «بريش الببغاء» أول مجموعة صدرت له في منتصف الستينيات، كتبها وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره وتبعها بمجموعته الثانية «اختبئ لأبحث عنك» وفي نهاية التسعينيات صدرت روايته «صباح الخير أيها الوجه اللامرئي الجميل».. وفي 2010م أصدرت له دار مدارك روايته «عجوز فوق الأرجوحة».. ومن بعدها روايته الورد وكوابيس الليل.. وإسهامات الحلو لا تقتصر على إضافاته السردية فقط إنما تمتد إلى دوره الرائد والمميز في الصحافة الثقافية والمجلات التي يعود لها الفضل وله في اكتشاف الكثير من الأصوات المبدعة التي ساهمت ولاتزال في رسم خريطة الثقافة السودانية.. التقته الوطن في مكتبه بالرأي العام حيث يعمل مشرفا على الملف الثقافي.. وكانت تجربة الكتابة وأسئلة الثقافة..
رحلة تجاوزت الخمسين عاما من الكتابة السردية.. كيف ينظر عيسى الحلو لهذه التجربة؟
-هذا قد حدث لأن الكتابة هي السبيل لكسب عيشي.. أنا أحيا من الكتابة على عكس الكتاب الآخرين الذين لهم حرف أخرى غير الكتابة يتكسبون منها، الكتابة في السودان ليست حرفة، هي هواية يتركها الكاتب عندما تكثر مسؤولياته، وما نلاحظه من انقطاع لمشاريع كتاب ممتازين ومؤهلين للكتابة بشكل جيد هو أنهم وجدوا في الأمر مضيعة للوقت.. هذا عندما تكون الكتابة هواية.. لقد آن الأوان أن نكون جادين إذا أردنا للكتابة في السودان أن تتقدم وأن تزدهر، لابد أن نجعل من الكتابة صناعة الكاسيت والفيديو والكتاب والفيلم والأسطوانة الموسيقية والمسرحية والاستعراضات الراقصة والغنائية.. باختصار أن نصنع ثقافة وأن نترك ثقافة المشافهة.
إذن تشترط الاحتراف في الكاتب؟
-لا كتابة دون احتراف، الاحتراف مسؤولية الكاتب الكاملة في صناعة نصه وهذه المسؤولية هي حقوق وواجبات متبادلة تنص عليها عقود بين الطرفين الكاتب والناشر، وأنا لا أعمل إلا في ظل هذا النظام القانوني، وهذا ما يجعل ارتباطي بكل المنابر الثقافية محددا على ضوء هذا.. يمكنني أن أكتب نصا بطلب من الناشر شريطة ألا يتعارض مع رؤيتي الفكرية والجمالية.
كيف تري الاختلاف ما بين كتابة القصة والرواية؟
-الاختلاف ما بين كتابة القصة والرواية هو اختلاف في المجهود العضلي، أجبت بهذا على ذات السؤال قبل ثلاثين عاما، هذه تستغرق وقتا أطول وتلك تستغرق وقتا أقصر، أذكر أن أستاذنا الكبير الزبير علي اعترض على إجابتي لأنه كان قد حصر الإجابة في الفروق التقنية ما بين كتابة الرواية والقصة.. وأعتقد أن السؤال يرمي للموقف الذي يمثل حالة الكتابة أي رؤية الكاتب في شموليتها وأدوات وطرائق التنفيذ وهذا ما يمثل في النهاية جزءا من مشروع الكاتب الروائي أو القاص.
يلاحظ أن عالمك الروائي والقصصي يتكرر في أغلب أعمالك.. ماذا عن حالة الكتابة لديك؟
-حالة الكتابة عندي تبدأ بأنني ألتقط فكرة مجردة، وأبتدئ في تفكيكها وتحليلها وأدور حول ما يمكن أن تزف إليه من معاني، ثم أحاول أن أجسدها حول أحداث وأشخاص وحيلة قصصية.. أنا لا أكتب عن الواقع كما أراه ولكنني أحاول أن أكتشف العلاقات الخفية التي تشكل هذا الواقع، وفي ذلك أجد صعوبة فنية وجمالية تتعلق باللغة وتتعلق بكيفية التقاط الصور وكيفية ما يمكن أن يتم من إيهام وتحفيز لخيال القارئ أمام هذه الصور ولهذا فأنا أعمل داخل مخطط يستمر لمدة طويلة ويدور حول نفس الأفكار وهذا ما جعل عالمي الروائي والقصصي يتكرر في أكثر من عمل، وشخصياتي موجودة كتماثيل من الشمع ولكني أعيدها مرة أخرى داخل مواقف أخرى لأقرأ أفعالها تحت اللحظة الزمانية الجديدة، هذا ما يجعل عالمي متماسكا ومتحركا في هذا الكشف والانكشاف.
سبق أن ذكرت أن الكاتب عادة ما يكتب عن موضوع واحد أو موضوعين.. بمعنى أن الكاتب يكتب نصا واحدا؟
-هذا يصدق على قول النقاد أن كل الكتاب لا يملكون سوى موضوع أو موضوعين تدور كتاباتهم حولها طوال الحياة، نجيب محفوظ ليس لديه غير المومس والشرطي والفتوة، والطيب صالح ليس لديه سوى الحضري والقروي والمحلي والعالمي، وعلي المك ليس لديه سوى ام درمان القديمة وهكذا.
سبق أن قلت يوما إن الطيب صالح سقف الرواية، ثم عدت وقلت إن الطيب صالح لم يعد سقف الرواية؟
-في الحالة الأولى كنت صادقا جدا، بمعنى أن الرواية قبل عشر سنوات لم يكن هنالك في الأفق من هو أقدر منه، أما بعد ذلك فقد جاءت أعمال متفوقة، وأصبحت هي ذاتها سقوفا، ستسألني أهي سودانية أم غير ذلك؟.. أنا أتكلم عن الرواية في العالم عموما، هنالك روايات أضافت واقترحت اقتراحات جديدة تجاوزت نجيب محفوظ والطيب صالح، عالميا هنالك الأميركية (تنسي ميرسون) وهنالك الإسباني أنطونيو غالا، ولقد أعجبني حمور زيادة في شوق الدرويش رغم أنه لم يتجاوز الطيب صالح ولكنه معجزة في اختياره للموضوع وفي براءته التعبيرية.
ماذا عن كتابة الرواية الحديثة الآن؟
-كتابة الرواية الحديثة الآن أصبحت مأزقا حقيقيا للكاتب، إذ إن كل الأشكال القديمة التي كانت تعبر عن زمانها القديم قد سقطت، وأصبحت الرواية مطالبة بأن تخترع شكلا جديدا يتلاءم مع ما استجد من موضوعات ومن أفكار تعبر عن الإنسان في هذا الزمان، وليست هنالك وصفة تصلح الآن لأن تنصح الكتاب بأن يكتبوا على هديها، كاتب الرواية الآن ينبغي أن يكون بحجم عصره وعيا عميقا لمجريات الأمور ولتقلبات الأوضاع الأيدلوجية والفلسفية جماليا وفكريا.
التحولات التي اجتاحت العالم العربي.. كيف تري انعكاساتها المتوقعة على الحراك الإبداعي؟
-التحولات المتوقعة في مسار الحراك الإبداعي العربي بعد انكفاء الربيع العربي على ذاته، نتوقع أن يشيع عدم الرضا على الواقع ويعبر عن نفسه عبر الفنون، بأن يصنع فنونا جديدة مغايرة لتلك التي سادت ما قبل الربيع العربي، فنونا تناقش هذا العجز عن التغيير واجتثاث السلبيات التي تعوق التقدم.. في ظني أن اللحظة القادمة ستكون أشد غضبا وأكثر حكمة في قيادة دفة الأمور والوصول بها إلى تحقيق الإرادات العربية الصميمة.
جريده الوطن القطريه
الحلو دعك من الامريكيه والاسبانيه فالطيب صالح سقف الروابه بلا منازع…اما ما تكتبه انت لم يخرج من نطاق الخرطوم
رواية شوق الدرويش, رواية فيها إبداع يصعب أن يكون له نظير. لقد أبدع حمور زيادة, هذاالشاب المتمرد على قريته الفاشل في نظر بعض اهله, المدخن الشره, المعارض الشرس, الخليط ما بين جنوب الشمال وشمال الشمال, صاحب التاريخ الضارب في ممالك الماضي, صاحب الأسرة المعارضة للمهدية والذي اختار الرواية لان تكون عن المهدية. أبن الشمال والجنوب أبدع في روايته إبداع لا يوصف إلا بكلمة إبداع رواية فيها كل أشكال الفن الروائي وأعجبتني فيها طريقة الباك فلاش كلما تقرأ فصل تجد أن هذا الفصل أضاف لك غموض على الفصول الأخرى وفي نفس الوقت فيه كشف عن غموض آخر إلى أن تجد كل المفاتيح في نهاية الرواية لقد مات كل أبطال الرواية في بدايتها وعاشو في نهايتها فهي رواية الدرويش العاشق منديل والضحية المعشوقة ثيودورا. حمور زيادة يمد لسانه ضاحكا لكل من ضحك على استثماره لكل ما يملك من غالي المال في عقله.
الحلو دعك من الامريكيه والاسبانيه فالطيب صالح سقف الروابه بلا منازع…اما ما تكتبه انت لم يخرج من نطاق الخرطوم
رواية شوق الدرويش, رواية فيها إبداع يصعب أن يكون له نظير. لقد أبدع حمور زيادة, هذاالشاب المتمرد على قريته الفاشل في نظر بعض اهله, المدخن الشره, المعارض الشرس, الخليط ما بين جنوب الشمال وشمال الشمال, صاحب التاريخ الضارب في ممالك الماضي, صاحب الأسرة المعارضة للمهدية والذي اختار الرواية لان تكون عن المهدية. أبن الشمال والجنوب أبدع في روايته إبداع لا يوصف إلا بكلمة إبداع رواية فيها كل أشكال الفن الروائي وأعجبتني فيها طريقة الباك فلاش كلما تقرأ فصل تجد أن هذا الفصل أضاف لك غموض على الفصول الأخرى وفي نفس الوقت فيه كشف عن غموض آخر إلى أن تجد كل المفاتيح في نهاية الرواية لقد مات كل أبطال الرواية في بدايتها وعاشو في نهايتها فهي رواية الدرويش العاشق منديل والضحية المعشوقة ثيودورا. حمور زيادة يمد لسانه ضاحكا لكل من ضحك على استثماره لكل ما يملك من غالي المال في عقله.
الطيب صالح لم يكن إلا سقف الرواية السودانية، فعندما كان حيا يكتب كان في العرب الطيب وطار ونجيب محفوظ ومنيف والطيب بن جلون ومحمد شكري وأميل حبيبي وهؤلاء عرفهم العالم وكرمهم أكثر من الطيب صالح وكان في الأفارقة نقوقو واثينقو وول سيوينكا وجنوا أشيبي ونادين قوردميير وآخرين ومعظمهم عرفهم العالم وكرمهم وفازوا بأرفع جوائزه – هذا إن قصرنا المقارنة على العرب والأفارقة – وعندما اشتهر الطيب لم يكن في السودان غير عيسى الحلو وإبراهيم اسحق من الراوائيين المداومين على الكتابة والآن تجاوز الشباب وعلى رأسهم بركة ساكن وزيادة والملك وآخرين تجاوزا الطيب صالح حرفيةً وخيالاً وجراءة
عالم الطيب صالح نفسه مات، لم تعد هناك دهشة في قصة أفريقي يغزوا أوربا بفحولته المتوحشة ولا أي غرابة في يوميات قرى معزولة عن العالم – الآن طفل في قرية دومة ود حامد يمكنه التواصل مع العالم شرقاً وغرباً- الطيب صالح مبدع ومن عمالقة الرواية العربية والسودانية لكنه لم يكن سقفاً ولم يعد سقفاً في أي يوم
عيسي الحلو يتكلم عن المقياس العالمي للروايه اليوم
لقد تغيرت الافكار والمقايس
الطيب صالح ما عندو حاجه اصلا بس كانت الساحه فاضيه .بما ان كان الاوحد فالاعلام ركز عليه .يلا قارن موسم الهجرة الى الشمال مع جنقو مسامير الارض .الطيب صالح كان بكتب مطالعه.
السقوف هي خصلة خاصة بالثقافة العربية، فمثلا نزعم أن المتنبي سقف الشعر ولا شاعر يضاهيه, ونزعم أن بن كثير سقف التفسير ولا مفسر آخر يوازيه، وأن بن خلدون سقف الإجتماع، والطبري سقف التاريخ، وهلم جرا والأمثلة تمتد.
في المقابل بالنظر إلي الثقافة الغربية نجد أرسطو، إفلاطون، بيكون، شكسبير، مايكل أنجلو، وغيرهم، لا أحد في الغرب يزعم أن أي من هؤلاء هو السقف وهو خاتمة المطاف، بل ينظر إليهم علي أنهم من الرواد في سلسلة ممتده من المفكرين والفلاسفة والمبدعين يضيف إليهم من يأتي بعدهم مثل هيجل، وبرتراند رسل وت أس أليوت وإنشتاين وماكس بلانك وغيرهم. تحديد سقف معناه وضع حاجز يتوقف عنده الإبداع ويسيطر عليه الجمود. إما الإعتراف بتعاقب الأجيال فهو ما يعطي الحياة والحضارة دينمايتها ويحفزها للتقدم والإبتكار وذلك هو الفرق ما بين حضارة تتقدم بإضطراد وتضيف إبداعا فوق إبداع وتأتي بمبدع بعد مبدع وحضارة تقف حيث وقف أسلافها ومات سقوفها وتجمد الزمن عند التراث دون أن تضيف إليه شيئا. الطيب صالح وإبراهيم إسحق عمالقه بلا شك مهدوا الطريق للآخرين وإلا لما سمعنا بعبد العزيز بركه ساكن ولا بأمير تاج السر ولا طارق السر ولا ببهنس