النخب السياسية.. وفيلم الصعود إلي الهاوية

النخب السياسية …. وفيلم الصعود إلي الهاوية

صلاح الباشا
[email protected]

جال بخاطري وأنا أستعرض شريطا طويلا كان يمر أمامي ، وقد كنت مستلقياً ذات مساء أتابع نشرات الأخبار من قناة إلي أخري ، قناة .. قناة ، بل زنقة .. زنقة ، تلك العبارة التي أصبحت أثيرة لدي الشعوب العربية ، بمثلما أعجب بها ( الخواجات) في ميديا إعلامهم ، حيث تمت ترجمتها لهم ،وقد أصبحوا علي يقين تام بأن العقيد سيفعلها ، أي سيبطش بأبناء شعبه الذين يتوقون للحرية كاملة الدسم ، وقد ظلوا يسمعون عنها فقط ، حتي أصبحت مطلبا قدموا من خلالها الغالي والنفيس ، وهي الأرواح التي لايقدر فقدانها بثمن . وفي المقابل فإن ذات الروح نراها قد أصبحت عزيزة علي عقيد ليبيا ومن هم يحمون نظامه الحاكم الباطش والمتقلب علي مدي أكثر من أربعة عقود من الزمان . أي أنك تقدم نفسك فداء لسلطتك ، مقابل تقديم ذات النفس فداء للحصول علي حقك الضائع أو الغائب أو المصادر ، سمه ما شئت .

فالذي جال بخاطري من خلال مشاهداتي اليومية لتلك الأحداث التي تمور بها منطقة الشرق الأوسط ، هو أنه ماذا سيحدث إن إنفلت الأمر في بلادنا الآن ؟ خاصة وأن الوطن يئن من كثرة حاملي السلاح ، ومن تعدد الحركات المعارضة ، بل والحاكمة ايضاً ، خاصة وأننا وللمرة الأولي في حياتنا السياسية الحديثة ، نجد للعنف منبتاً خصباً داخل التراب السوداني ، وهنا أقصد في القطعة الشمالية من السودان ، ذلك أن لمشكلة الجنوب خصوصيتها القديمة ، وبالتالي لا ينعقد لها حاجب الدهشة إن هي ظلت تواصل توظيف السلاح في مسيرة حياة أهلها السياسية بالجنوب .

وبما أن جيلنا هو جيل يعتبر شاهد عيان علي جميع التحولات السياسية التي حدثت بالسودان ، منذ الإستقلال وحتي اللحظة ، مرورا بكافة الأنظمة المدنية ذات الديمقراطية ( المفتوحة للآخر ) ومعايشة للأنظمة العسكرية التي تسلتم السلطة ذات ليل ، عدا واحدة ( حركة هاشم العطا ) وقد إستلمتها في عز الظهر ،والمدهش أنها لم تنجح في عز الظهر ايضاً ، كان القطاع العريض من أهل السودان يعتبر حركة الإنقلابات بمثابة مخرج للأزمات الإقتصادية وصراعات الحكم الديمقراطي المعروفة بسبب مكاجرة القوي السياسية لبعضها البعض ، ثم يحدث الإحباط حين تفشل ذات الأنظمة الشمولية في خلق القناعات الفكرية والإجتماعية داخل أوساط الجماهير ، فيحدث اللت والعجن ومسارات التاهور في القرارات كلها ، الإقتصادية منها والأمنية وحتي الخدمية ، وذلك حين يتراكم الفشل في عدم إستطاعتها في تحقيق رغبات الجماهير وتطلعاتها إلي العيش الكريم الذي يفتقده حوالي 90% من أفراد الشعب السوداني ، ويتكون هذا الضجر بطريقة أكثر وضوحاً داخل أبناء الطبقة الوسطي وهي معروف عنها بأنها سريعة التململ والهياج ( والدبرسة ). ثم سرعان ماي نبدأ الضغوط الأمنية ومايرافقها من صرف ربما بلا حدود ، ومل ذلك يؤدي إلي سطوع شموس الصراعات داخل أهل السلطة العسكرية والمدنية علي السواء ، وذلك بسبب عدم توافر مواعين الديمقراطية الخلاقة في أوساط السلطة التي تتكيء علي الزخم العسكري والأمني البحت، تلك الديمقراطية الخلاقة التي نجدها متوافرة بقوة بائنة وسط قوي الليبرالية التلقيدية والتي إستمدتها من الإرث الصوفي المتسامح وبطريقة بائنة جدا لاتخطئها إلا عين المكابر، أعمي البصر واالبصيرة.

لذلك فإن علي جيلنا أن يعمل وبأقصي سرعة ممكنة ومتوازنة لإعادة الأمور إلي نصابها التقليدي المحافظ ، حتي لا يتحول هياج الجماهير من شباب أهل السودان إلي إنفجار يحرق كل شيء في أيام معدودات من الزمان . علماً بأن جيلنا عليه ألا ييأس أويقنط من فتح أبواب الحوار مع السلطة الحاكمة ، وهي التي ظلت تقبض علي كل مفاتيح الحلول الموضوعية ، فإن شاءت ستفتح الأبواب علي مصراعيها ، وإن تمترست في موقفها فإن تراكم اليأس ستصبح نتائجه كارثية ، برغم أن بعض قيادات الحكم تنظر للأمور بخدر لذيذ ، دون إحساس بالمآلات القادمة ذات يوم ، خاصة وأن الأجهزة الضاغطة نفسها ربما تفكر في إيجاد مخارج أكثر منطقية لحفظ إستقرار الوطن ولحماية أرواح شبابه ، وهنا يأتي مربط الفرس . بمعني أنه لابد من أن تأتي صحوة ضمير لكافة الفرقاء حتي تتجاوز بلادنا الملفات المعقدة القادمة ، وهي ملفات تعصف بأكبر الدول في العالم ، دعك عن دولة فقيرة كالسودان من الممكن أن تذهب في مهب الريح.

ذلك الشريط الذي جال بخاطري في ذات المساء كان يعرض لي حال السودان فيما مضي حين عشنا سنوات إقتصاده المتوازن وخدمات الدولة لشعبها ، والترف المتواضع الذي كانت تعيشه كافة الطبقات ، وبالتالي فإن إمكانية حل إشكاليات السودان بكافة تعقيداتها ستجد طريقها إلي النجاح إن إحتشدت إرادة شعبه في تحقيق المستحيل الإقتصادي ، وهو ليس بالمستحيل الصعب المنال إن وهب الله تعالي الرشاد لأهل الحل والعقد في السلطة والقوي الأخري المعارضة معاًُ ، حيث بات الجميع يستشعر الخطر القادم . وحتي إن لم يأت هذا الخطر ماشيا علي رجلين ، فإن الحياة الإقتصادية الذليلة التي تضغط علي خاصرة الجماهير الآن بكل قسوة وقوة ، كافية لوحدها بأن تقود الوطن إلي المجهول ، بسبب أن السطة عجزت تماماً عن إدارة الموقف الإقتصادي المرعب ، بعد فلتت الأسعار تماماً من يد الدولة.

فالفترة الإنتقالية الحالية في طريقها إلي الإنتهاء بإستشراف يوليو القادم ، وكل من في السلطة يفكر الآن في ما يحدث له بع إنتهائها إن حدث تحول في هيكلة الدولة حسب مايرشح من قيادات المؤتمر الوطني الحاكم . فهو حزب يسعي لترضية القوي الأخري بطريقته الخاصة ، غير أن القوي الأخري تتوجس خوفا من أن يجرفها السيل بسبب أنه ليس لديها تمثيلا نيابياً يمكنها من الإعتماد علي قوة أدائها التشريعي ، فهي ? أي تلك القوي التي تتباحث اليوم ? تري أنها قد غرر بها حين لم تتمكن من توصيل أصوات جماهيرها العديدة إلي مقاعد البرلمان القومي في الإنتخابات المكلفتة الماضية … وهذا قد قاد تلك القوي السياسية إلي الصعود .. لكن صعوداً إلي الهاوية .. فحدثت الإستكانة الحالية . فهل ياتري أن الأمر يكفي بفتح مواعين تشكيل حكومة عريضة حسب التصريحات الرسمية ؟ أم يعاد تفعيل الحياة السياسية بإجراء إنتخابات نيابية مبكرة يتحديد زمان لها تتفق عليه كل القوي السياسية إنقاذا للبلاد من تراكم الإحتقان ، ولإتاحة الأمر لمنح درجات القياس في التمثيل النيابي الحقيقي للبرلمان الجديد ، حيث ان المجلس الوطني الحالي ومجالس الولايات التشريعية هي نسخ مكررة من هيئة قيادات المؤتمر الوطني بالعاصمة والولايات معاً ، والأخيرة باتت تعيش حمي الإنقسامت بقوة تزدحم بها مذكرات قايدات الوطني ضد بعضهم البعض ، والقيادة العليا لا تدري ماذا تفعل في مثل هذا الجو من الإحباطات التي تطل في زمان ميقات إنشطار السودان القديم السمح والمتسامح.

فقد كان الأمر إبان إنتفاضة 21 أكتوبر 1964م ، ثم إبان إنتفاضة 26 مارس وحتي 6 أبريل 1985م يختلف تماماً عن الأمر اليوم ، وهنا يطول الحديث … ولنا عودة ،،،،،

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..