أخبار السودان

في ذكري رحيله السابعة والعشرين.. الفنان مصطفى سيد أحمد .. (يلا يا مزماري غني لوّن الآهات)

الجريدة – رندة بخاري

برحيل مصطفى سيد احمد الذى بلغت سنواته رحيله اليوم الثلاثين عاما، ثمة اتفاق على أن الحراك الثوري في حوجة الى مشروعه الفني الذي كان سيصنع فرقا كبيرا من حيث رفده للغناء الثوري الذي لازم تجربته الفنية، ومشروع مصطفى الذي منذ بدايته استند على شعراء تعامله معهم كان على أن ما بينهم علاقة شراكة لا علاقة فنان بشاعر تنتهي بانتهاء تقديم العمل.

الشاعر قاسم أبو زيد أكد ما ذهبنا إليه حول أن الفنان الراحل مصطفى سيد احمد كان يعتبرهم شركائه في مشروعه الفني، قاسم ابو زيد كان اول لقاء له بمصطفى في المعهد العالي للموسيقى الذى جاءه منتسبا، اما قاسم فجاء عن طريق مكتب القبول، وقبل ذلك عمل سيد احمد استاذا في احدى المدارس التي قدم منها استقالته ليتفرغ للدراسة في المعهد، وقبل أن يقدم ابو زيد اشعاره له عملا معا في جماعة السديم المسرحية التي قرر اعضائها وهم السر السيد.. قاسم ابو زيد، يحيى فضل الله، وفادي عبدالباقي. وصمت هنا قاسم ليمضي بالقول : قررنا آن ذاك تقديم مسرح سوداني اصيل شكلا ومضمونا مع التركيز على التراث على أن لا يكون للمجموعة علاقة بالأجهزة الاعلامية الرسمية، وقدمنا عبرها فكرة المسرح المتجول وطفنا الساحات ورفدنا عبرها الشكل الجديد للأغنيات الذى لا يمكن بثها في الاذاعة والتلفزيون، ومنها خرجت جلسات الاجتماع وقال مصطفى أن شعر المسرح هذا من الممكن أن يتم التغني به لتتفق رؤاه مع رؤى مجموعة السديم وأدارو معا حوارا متواصلا ووجدوا أن همومهم واحدة.

لقد اصبت

لو عيونك ما بشوفوا غير عذاباتي وجراحاتي يلا يا مزماري غنى لون الاهات

هذا اول عمل قدمه قاسم لمصطفى وكثيرون لا يعرفونه، ومن المفارقات أن هذه الاغنية كان من المفترض أن يتغنى بها شخص يدعى فرح حمد، كان طالبا ذلك الوقت في كلية الموسيقى ولكن شاءت الأقدار أن يتغنى بها مصطفى في مهرجان الثقافة في مدني، لتتوالى الاعمال بينهما وأكد قاسم أن مصطفى كان مهموما بالفن الجميل وبرفد اغنياته رغم المرض، فهو عندما كان في الدوحة سد فجوة غيابه بتركه تسجيل الجلسات التي كان يقوم بها ومن ثم تأتي إلينا في السودان وحتى وهو مريض كان حريص على السؤال عن آخر الاشعار، وهنا يذكرني موقف حدث في اتصال هاتفي جمعني به وصديقنا يحيى فضل الله في تلك الفترة التي كانت وسيلة الاتصال صعبة لعدم توفر الهواتف، وكنا نعتمد في معرفة اخباره من اصدقائنا هناك بالإضافة الى الرسائل التي تصلنا من حين لآخر وفي المكالمة تلك سألنا عن الجديد وكان يناديني بالفلاح، وقلت له هناك عمل ولكن اخذه الفنان الهادي الجبل، وقال مصطفى لقد اصبت فالهادي فنان متفرد ولولا غربته لأضاف الكثير الى مسيرة الاغنية الحديثة، واوصانا ايضا ويحيى قائلا :هناك صوت اوصيكم بان تقدموا له اعمال لأنه سيكون له مستقبل ويقصد الفنان محمود عبدالعزيز.

لغة جديدة

هناك اتفاق على أن مصطفى خرج بالأغنية من ماعونها الضيق الى ماعون اوسع وأرحب يسع للحبية وللوطن فتغنى للفقراء ولمرضى السل وللعدالة الاجتماعية وأكد قاسم ذلك، وزاد عليه اغنيته التي سميت بالجديدة لذلك جاءت متميزة وتماشت مع الواقع الجديد انتجت لغة جديدة وكذلك بنيات شعرية جديدة.

اتهام غير صحيح

هناك اتهام يطل برأسه كلما مرت ذكرى رحيل الفنان مصطفى سيد احمد وهو أن غالبية شعرائه توقفوا عند محطته ولم يبارحوا الى غيره، اصبحوا يتخبطون يمنة ويسرى، وهذا الاتهام رفضه مدني النخلي وقال لم نتوقف والدليل على ذلك اننا قدمنا اغنيات كثيرة لفنانين كثر، واتفق قاسم مع مدني وقال هذا حديث غير صحيح فشعراء كثر واصلو مسيرتهم بعد رحيل مصطفى، وقدموا اعمال وجدت القبول وشعرائه اتجهوا الى اتجاهات كتابية اخرى، وفي قولنا لمدني أنه لولا مصطفى لما كان قال: ليس بالضرورة لأنني عندما كتبت الشعر لم يكن في بالي مصطفى ولكن عندما التقيته اتفقت رؤانا خاصة وانه فنان عنيد ومتمرد على النص المألوف، ومن الصعب اقناعه به ويلتقي في هذه الصفة مع الفنان هاشم ميرغني وقد يبقى النص بحوزة مصطفى لأكثر من عام الى أن يضع له اللحن المناسب.

حالة من التوهان

شهد العام 1979 م لقاء مدني ومصطفى في الخرطوم، ونمت بينهما علاقة صداقة ضربت بجذورها الى الاعماق وتحولت الى صحبة عُمر واغنية (عشم باكر) كانت فاتحة التعامل بينهما، وأكد النخلي في حديثه أن اكثر ما كان يميز مصطفى هو ادارته للحوار حول العمل الذى ينوي تقديمه ويعقد له الورش واضاف بصوت حزين مصطفى رحل واصطحب معه مشروعه الغنائي الذي كان سيتواصل ويكتب له النجاح واعترف النخلي انه يعيش حالة من التوهان بعد رحيله ولابد لأية شخص يعرفه يرتبك بموته وعن نفسى بعد أن غاب ارتبكت كثيرا وفي ذكراه لابد أن نجدد الدعوة بالمحافظة على مشروعه، خاصة وأن هناك أصوات جادة ظهرت يمكنها المواصلة ومصطفى كان من المؤمنين بتعاقب الأجيال فهو من قدم الفنان خالد الصحافة الذي وقف الى جواره ولحن له ثمانية اعمال كما لحن أيضا للفنان سيف الجامعة.

الجريدة

تعليق واحد

  1. منى حسن:الخرطوم- «القدس العربي»:

    تمر هذه الأيام الذكرى العشرون لرحيل شخصية عزيزةٍ على خاطر السودانيين، الذين ارتبط في ذهنهم يناير/ كانون الثاني منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي بذكرى موجعة تمثلت في رحيل الفنان والملحن المبدع مصطفى سيد أحمد، حبيب البسطاء والمهمشين، وصديق الشعب، والوطن، الذي ظل يشدو له حتى آخر رمق في حياته الحافلة، رغم معاناته التي امتدت خمسة عشر عاما مع مرض الفشل الكلوي قبل أن توافيه المنية في الدوحة في السابع عشر من يناير/كانون الثاني 1996.
    ومصطفى سيد أحمد مغن وملحن سوداني، وشاعر من مواليد منطقة ود سلفاب – ريفي الحصاحيصا في ولاية الجزيرة في السودان، وهو الأخ الوحيد لسبع شقيقات، حيث توفي أخوه الوحيد عام 1970 عن سبعة وعشرين عاما، وكان شاعراً ومغنياً، تغنى مصطفى سيد أحمد بشعره.
    أثرى الساحة الغنائية السودانية في مسيرته الحافلة رغم قصرها، حيث توفي عن ثلاثة وأربعين عاما، بعدد كبير من الأغاني التي تميزت بحسها الوطني العالي، والتصاقها المباشر بقضايا البسطاء والمحرومين، من منطلق إيمانه بقضاياهم، وبوطنه، وفكره الذي يحلم ويطالب بعدالة اجتماعية تحتضن كل أبناء الوطن وتساويهم في الحقوق.
    لم تكن أغانيه موجهة للنخبة فقط كما يُشاع عنها، إذ أن جمهوره كان يشمل إضافة إلى المثقفين، والطلاب، البسطاء والعامة، فتجد صوته صادحاً في البيوت والسيارات، و»كافتريات» السوق العربي ومطاعم العاصمة والولايات، ولا تكاد حافلات المواصلات العامة تخل من صوت مصطفى، وهو يشدو لوطنه وأبناء وطنه، فقد كان رافداً مهما في تشكيل الوجدان السوداني، وصوتًا لمن لا صوت لهم.
    وطوع السلم الخماسي بألحانه المبتكرة المميزة وحسه الفني العالي، وصوته المتميز العميق، إضافة لتعاونه مع أبرز الشعراء السودانيين الذين عاصرهم، مثل مدني النخلي، صلاح حاج سعيد، حُميد، الصادق الرضي، أزهري محمد علي، عاطف خيري، القدال، قاسم أبو زيد، عبدالقادر الكتيابي، وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم، واستطاع إيصال النصوص التي غناها لكل فئات الجمهور، رغم أن بعضها كان حداثيا غارقا في المجاز والرمزية، وعلى مستوى عالٍ من حيث اللغة. فهو ممن يُحسب لهم دور كبير في الارتقاء بالأغنية السودانية، من حيث الكلمة واللحن، وإذكاء الحس الوطني والإحساس بالآخر ومعاناته، والتحليق بالفن السوداني إلى خارج الحدود.
    واشتهر بدقته في اختيار النصوص التي يغنيها، وحرصه على أن تكون متطابقة مع رؤاه وأفكاره التي تنتصر للوطن كقضية أولى، وللمهمشين والفقراء من أبنائه، والتي تتطابق في الكثير من رؤاها مع أفكار شعراء التيار اليساري أكثر من غيرهم، لذا ارتبطت أغلب أغانيه بأسمائهم، رغم تصريحاته المستمرة بأنه لا ينتمي سوى للوطن والمواطن السوداني، حيث ورد عن الشاعر مدني النخلي – وهو من أبرز من غنى لهم الراحل- قوله: «مصطفى لم يأخذ الشعراء بانتماءاتهم، بل بالتزامهم تجاه ما يعتقد، وكان له رأي معين في ألا أحد يجدر به الانتماء إليه سوى المواطن السوداني، وربما ثقافة اليسار كانت الأقرب لما يؤمن به، من مساواة واهتمام بالبسطاء من أبناء الشعب السوداني». لذا نجد أن مصطفى كسب عداء السلطات في مسيرته الفنية نظراً لانحيازه لقضايا الشعب والوطن واتهامه بالانتماء للتيار اليساري.

    ذكرى رحيل الفنان السوداني مصطفى سيد أحمد… عشرون دمعةً على خدِّ الوطن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..