الإنذار الأخير لكل (قذافي)اا

الإنذار الأخير لكل (قذافي)

رشا عوض
[email protected]

حتى كتابة هذه السطور لم تتم الإطاحة الكاملة بطاغية ليبيا معمر القذافي ولا يزال دم الثوار الشرفاء في ليبيا يسفك في همجية رعناء،في مشهد اهتز له كل صاحب ضمير حر، ولكن كما تشير كل المؤشرات فإن القذافي في طريقه للحاق برفيقيه المخلوعين زين العابدين بن علي و محمد حسني مبارك، وإلى أن يتحقق ذلك فنحن من منطلق الإخاء الإنساني ومن منصة الديمقراطية وحقوق الإنسان في خندق واحد مع أحفاد عمر المختار في معركتهم النبيلة من أجل الحرية والكرامة، نحن معهم نحزن ونتألم لكل ما يقاسوه من بطش، ونحزن ونتألم لأن هذا العالم مأزوم أخلاقيا لدرجة أنه ما يزال بوسع أمثال القذافي أن يطلقوا نيران الأسلحة الثقيلة على متظاهرين مدنيين عزل ويقصفوهم بالطائرات، ولكن رغم حزننا وألمنا وخيبة أملنا بسبب ردود الفعل الخجولة للأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن، تلك الردود التي لا ترقى لمستوى المجازر البشعة التي وقعت، رغم ذلك فإن في الأعماق فرحة استبشار بغد جديد في هذه المنطقة وهي فرحة تنبعث كلما سقط أو اقترب سقوط صنم من أصنام(الاستبداد والفساد)، لأن الإطاحة بمثل هذه الأصنام هي الخطوة الأولى في طريق استرداد شعوب هذه المنطقة لإنسانيتها المهدورة!!
في ذروة الانفعال العاطفي والغضب النبيل بسبب ما يجري للثوار الأحرار في ليبيا هناك من يبالغون في استنكار مواقف أمريكا والدول الغربية مما يجري ويبالغون في إظهار الدهشة من أن رد الفعل الغربي اقتصر على عبارات الشجب والإدانة وكأنهم كانوا يتوقعون أن ترسل أمريكا أو فرنسا أو بريطانيا حاملات الطائرات إلى شواطيء ليبيا لإيقاف القذافي عند حده وربما القبض عليه ومحاكمته حماية لأرواح المدنيين وحفاظا على مباديء حقوق الإنسان والديمقراطية!! هذه رومانسية بعيدة عن الواقع وحقائقه الموضوعية، رومانسية تفترض أن السلطة الأخلاقية المجردة هي التي تحرك منظمة الأمم المتحدة والدول الأكثر نفوذا فيها لا سيما الدول ذات (السرديات الكبرى) في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان مثل أمريكا وفرنسا، بينما الواقع هو أن هذا العالم بأسره محكوم في المقام الأول بتوازنات القوى ومعادلات المصالح، دون أن ينفي ذلك بالطبع وجود معايير أخلاقية وإنسانية تبلورت على المستوى النظري ولها تأثيراتها القوية على الرأي العام ولها دورها في تشكيل الضمير العالمي، وهناك نشطاء سياسيون وحقوقيون يبذلون قصاراهم لتقوية نفوذ(السلطة الأخلاقية) في توجيه القرار السياسي والاقتصادي على مستوى دول العالم ومنظماته، وكل المستنيرين الأخيار في هذا العالم يجب أن يعملوا من أجل أن تكون السلطة الأخلاقية هي السلطة العليا في هذا العالم في زمن ما في المستقبل.
لذلك فإن كل شعب مستضعف على رأسه نظام(مستبد وفاسد) تم تدجينه واستئناسه غربيا عليه أن يخوض معركته ضد هذا النظام وفي تخطيطه للمعركة يستبعد أي دور مساند للمجتمع الدولي إلا في أطر محدودة، بل إن المجتمع الدولي في بعض الأحيان يمكن أن يتواطأ مع (النظام الفاسد المستبد) بالصمت أو الدعم الخفي لو كانت هناك مصلحة راجحة في ذلك، وخير شاهد على ذلك تعامل الغرب مع نظام صدام حسين في العراق فقد دعم الغرب هذا النظام رغم قمعه الوحشي لشعبه طيلة سنوات الحرب مع إيران وهي حرب استنزاف بددت طاقة وموارد الدولتين في حرب عبثية لا طائل من ورائها ولا مستفيد منها سوى مصانع السلاح في الغرب، وبعد ان انقضت هذه الحرب اللعينة وأعقبها غزو الكويت، وبعد أن حرر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الكويت بحرب الخليج الثانية، اندلعت في شمال العراق وجنوبه انتفاضتين شعبيتين وقف العالم متفرجا بل متواطئا مع نظام صدام في قمعهما بطريقة وحشية. ومثل هذه الحقائق المرة لا ينبغي أن تثبط همم الشعوب الثائرة بل على العكس تماما! هذه الشعوب يجب أن تواصل ثوراتها متسلحة بالإصرار والعزيمة، فكل الشعوب التي تنعم الآن بالحرية وبالنظم الديمقراطية الراسخة أتى عليها حين من الدهر رزحت تحت نير الاستبداد ولم تنتزع حريتها إلا عبر مخاضات الدماء والعرق والدموع، وفي هذا الشتاء العربي (الساخن) بدأت مسيرة الشعوب العربية نحو الحرية بالتمرد على أصنامها، بن علي ثم مبارك، والآن القذافي الذي نتمنى أن يلحق بهما غير مأسوف عليه وسوف تكون لنا-بإذنه تعالى- وقفة طويلة مع تاريخه الطويل في قمع الشعب الليبي، ومع (تفرد) دكتاتوريته التي هي (نسيج وحدها) في هذه المنطقة المنكوبة. وعندما تواجه مثل دكتاتورية معمر القذافي هذا التحدي الشعبي الكبير، فهذا دليل على أن رياح التغيير في هذه المنطقة لن تهدأ قبل أن تقتلع كل الطغاة بصرف النظر عن درجة صلفهم ومدى قمعهم لشعوبهم وحرمانهم لها من كل ما من شأنه أن يشكل مجرد بذرة للوعي والانفتاح، وهذا إنذار أخير لكل (قذافي) إما أن يتغير بصورة جذرية وجوهرية وإما أن تقتلعه رياح التغيير اقتلاعا، وإلى كل (من يهمهم الأمر) وعلى رأسهم معمر القذافي نهدي قصيدة الشاعر أحمد مطر التي عنونها ب(الإنذار الأخير):
يا أيُّها البَرامِكَهْ :
مَن وَضَعَ السِّتْرَ لَكُمْ
بِوُسْعهِ أن يَهتِكهْ .
وَمَن حَباكُمْ بِدَمٍ
مِن حَقِّهِ أن يَسفِكَهْ .
قد تَركَ الماضي لكم عَبْرَتَهُ
فلتأخُذوا العِبْرَةَ مِمّا تَركَهْ .
أَنتُمْ على الأرضِ ..
فكونوا بَشَراً
واشترِكوا في حُلْوِنا وَمرِّنا
وأشركونا مَعكُمْ في أَمْرِنا
مِن قَبل أن تضطَّركُمْ
سِياطُ أَمْرِ (الأَمْركَهْ).
أو فارجعوا إلى السّماواتِ العُلى
إذا زَعَمتُمْ أَنّكُمْ مَلائكهْ !
الآنَ ما عادَ لَكُمْ
أن تُوجِزوا أصواتَنا
بِقَرقَعاتِ التَّنَكَهْ
أو تَحلبوا النُّورَ لَنا
مِنَ اللّيالي الحالِكَهْ .
عُودوا إلى الواقِعِ كي لا تَقَعُوا
وَحاوِلوا أن تسمَعوا وأن تَعُوا :
كُلُّ الثّراءِ والثّرى
مِلْكُ لَنا
وكُلُّكُمْ مُوظّفونَ عِنْدَنا.
فَلْنَمشِ في مُعتَركِ السَّلْمِ مَعَاً
كي تَسْلَموا مِنّا بِوَقتِ المعركهْ .
أَمّا إذا ظَلَّ قُصارى فَهْمِكُمْ
لِفكرةِ المُشارَكَهْ
أن تجعلوا بلادَنا شَراكَةً ما بينَكُمْ
وَتجعلونا خَدَماً في الشّركَهْ
وتُورِثوها بَعَدكُمْ
وتُورِثونا مَعَها كالتَّركَهْ
فَلْتبشِروا بالتَّهْلُكَهْ !
وَإن تَناهَتْ قِسمةُ الأدوارِ
فيما بَينَنا
أن تأخُذوا القاربَ والبَحْرَ لكُمْ
والشَّبَكَهْ
وَتَمنحونا، كَرَماً، في كُلِّ عامٍ سَمَكَهْ
فَلْتَبشِروا بالتهلُكهْ !
وإن غَدا الإصلاحُ في مَفهومِكُمْ
أن تُلصِقوا طَلْسَمَ هاروتَ وماروتَ
علي عُلْبة سَرْدينٍ
لِتَغدو مَمْلكَهْ ..
فلتبشِروا بالتَّهلُكَهْ !
في ظِلِّكُمْ لَمْ نكتَسِبْ
إلاّ الهَلاكَ وَحْدَهُ :
أجسادُنا مُنهَكةَُ
أرواحُنا مُنتهَكَهْ.
خُطْواتُنا مُرتبكه ْ.
أوطانُنا مُفكّكَهْ .
لا شَيءَ نَخشى فَقْدَهُ
حِينَ تَحُلُّ الدَّرْبكَهْ .
بَلْ إنّنا
سَنشكُرُ الَموتَ إذا مَرَّ بِنا
في دَرْبهِ لِنَحْرِكُمْ !
فَكُلُّ شَرٍّ في الدُّنا
خَيْرَُ.. أَمامَ شَرِّكُمْ
وَبَعْدَ بَلْوانا بِكُمْ ..
كُلُّ البَلايا بَركَهْ !

تعليق واحد

  1. ارجو ان اضيف ملاحظتين الاولى قذف المواطنين بالطائرات حدث فى غرب السودان ولم يحرك الا ساكن امريكا والدول الغربية والثانية ان رد فعل امريكا والدول الغربية على احداث ليبيا كان اقوى من رد فعل الدول العربية فلماذا يلام الغرب كما ان مصالح الغرب مع تونس ومصر لم تمنع من سقوط النظامين الا يدل ذلك ان الكلمة العليا للشعوب ولا يؤخر ثورتنا فى السودان الا قوله تعالى لكل اجل كتاب

  2. بسم الله الرحمن الرحيم
    الأخت رشا
    تعجبني دائما كتاباتك القوية وأسلوبك السلس المتمكن
    الطواغيت على مر التاريخ لا يفهمون ولا يعون الا عندما تحين النهاية ويعرفوا مقعدهم
    في النار قبل موتهم الذي قد يكون بعد دقايق او ايام او سنين بعد خلعهم ساعتها
    يبدأ الندم ربنا يذكرنا ويحزرنا والتاريخ يوضح لنا لكن حب السلطة هل تتصوري
    ان يترك الطاغية مثل القذافي السلطة بسهولة يترك الملك والصولجان والعز والحارسات
    والممرضات وخزعبلات كتابه الاخضر وانه الثورة وانه خالق ليبيا وانه ملك الملوك وانه
    وانه
    نفس المرض الذي عند بن علي وعند مبارك وعند حمارنا وعند كل طاغية يتصور انه
    لم يخلق للحكم الاهو
    السلطة المال حب الدنيا النساء المطبلين وحارقي البخور ومافي غيرك يا ريس و و و
    وينسى الطاغية انه كان أحد افراد الشعب ابن عامل او ابن زارع وينتفخ وينسى
    نفسه ثم ما هي الا زمن طال او قصر ويجد نفسه وحيدا منبوذا نادما وخسران خسرانا
    مبينا
    شكرا ولك التحية أخت رشا

  3. الثورة والانتفاضة لماذا؟

    قبل كل شيء لابد من التذكير ببديهيات الفكر بشكل عام وببديهيات الفكر الثوري بشكل خاص لان ذلك يساعد على كشف وجه ابيلس والشيطان ومنعهما من التلاعب بنا وبمصير امتنا العربية . فالفكر السياسي التقدمي منذ القرن التاسع عشر ميز بدقة بين الانتفاضة وبين الثورة وعرفهما كلاهما بدقة ايضا ، فالانتفاضة هي عملية رفض للنظام قد تكون مسلحة ، مثل ما سمي خطأ ب( الثورة الفرنسية ) التي انهت الملكية بالعنف ، وقد تكون سلمية وبفضل قوتها الهائلة تجبر النظام على الرحيل والسقوط ولكن تبقى سمتها الاساسية هي تغيير النظام دون وجود بديل واضح ومتفق عليه بين المنتفضين انفسهم فيتفقون على اسقاط النظام لكن كل طرف منهم لديه مشروعا مختلفا عن الاخر الى جانب من ليس لديه اي مشروع ماعدا اسقاط النظام ، كما ان مختلف الاطراف المشاركة في الانتفاضة لا تملك القوة المنظمة عسكريا او شعبيا القادرة على الامساك بالوضع واقامة نظام بديل ، وهذا ينطبق على ما سمي بالثورة الفرنسية خطأ لانها لم تكن تملك نظاما بديلا ولم يكن لديها تنظيم شعبي موحد ومتماسك ولا قوة عسكرية ، وينطبق هذا المفهوم الان على انتفاضتي تونس ومصر مؤخرا .

    اما الثورة فانها الانتفاضة وقد تحولت الى برنامج يطبق لاجل تحقيق اهداف ما بعد اسقاط النظام وهي اهداف يجب ان تتسم بانها النقيض الكامل والناقض الشامل للنظام السابق وليس امتدادا محسنا له . ولدينا الثورات الروسية في 1917 والثورة الصينية بقيادة ماو تسي تونغ والثورة الكوبية بقيادة فيدل كاسترو ، والثورة الوطنية المصرية بقيادة القائد جمال عبدالناصر في عام 1952 ، والثورة العراقية بقيادة البعث في عام 1968 حيث قامت هذه الثورات ليس فقط باسقاط النظام الفاسد بل ايضا باشرت بعد ذلك الى بناء دولة ومجتمع مختلفين جذريا عن النظام السابق .

    وبهذا المعنى فان الانتفاضة لا تتحول الى ثورة الا عندما تغير المجتمع والدولة جذريا وليس تغيير النظام فقط . وهذا التمييز لم يكن موضع خلاف بين القوى الوطنية العربية والانتلجنسيا الثورية حتى الثمانينيات عندما كان المثقف ثوريا وكانت الثقافة عميقة ومنتشرة في الاوساط السياسية العربية قبل ان يبدأ تنفيذ خطة افقار الثقافة من قبل المخابرات الاجنبية والعربية ، ولهذا كان من الصعب على مثقف الخلط بين ثلاثة انماط من الانتفاضة : نمط اول هو انتفاضة وطنية حقيقية لا تتواصل بعد اسقاط النظام لتصبح ثورة بتغيير الوضع بصورة كاملة ولذلك فهي في الواقع انتفاضة محبطة او احبطت ولا يمكن ان تكون ثورة باي شكل من الاشكال ، ونمط ثان هو انتفاضة تحدث وتسقط النظام لكنها لا تغير طبيعته بل تعيد انتاجه بشكل مختلف شكليا او تحسنه لضرورات المحافظة على جوهره وهي لذلك ليست انتفاضة بل عمل مخابراتي متعمد ، ونمط ثالث هو انتفاضة تتوالى خطواتها لتغيير المجتمع والدولة وتنهي النظام السابق وتقتلعه من الجذور فتصبح ثورة بحق . وهنا نفهم الاستخدام غير الصحيح لوصف الثورة في تسمية كل عمل تغييري فهو اما نتاج تدهور الثقافة او انه يقصد به تشويه معنى الثورة وجعلها مرادفة لاعمال حمقاء او ناقصة او عاطفية او تخريبية او وطنية لكنها تفتقر للخبرة او القدرة فلا تصل الى الهدف المنشود .

    والمنطق الصحي المتحكم بهذا التمييز هو المتجسد في التساؤلات التالية : لم نسقط نظاما ما ؟ اليس لاستبداله بنظام مختلف و افضل ؟ اليس لوجود مظالم سياسية وطبقية تلحق الضرر بالاغلبية من الشعب من خلال استغلاله وتوسيع الفجوة بين من يملك ومن لا يملك فيصبح المال والفساد هما السمة الاساسية في الدولة ؟ اليس لرفض سياسات تبعية لعدو او اعداء الامة والشعب وتسليم مقدراتها لهؤلاء الاعداء فيؤدي ذلك الى فقدان السيادة والاستقلال والاضرار بالمصالح الوطنية والقومية للقطر والامة ؟ اليس من اجل استبدال نظام ديكتاتوري مستبد يضطهد الشعب ويعطل قدراته الخلاقة بنظام ديمقراطي شعبي حقيقي بنهي الاستبداد ويجعل الشعب قادرا فعلا على تسيير الدولة والمجتمع ؟

    اذن اذا اكتفينا باسقاط النظم وابقينا الوضع الاجتماعي والسياسي كما هو فما معنى التغيير ؟ وما فائدته ؟ وهل يمكن ان يكون التغيير عبارة عن لعبة شيطانية ? ابليسية لاحتواء الغضب والرفض الشعبيين والسيطرة عليهما بمعالجة ظاهر الازمات دون وضع حد لها وذلك يضمن بقاء مملكة الشيطان – ابليس قائمة ؟ والاهم والاخطر اذا استبدلنا وجه النظام وواجهته فقط ووعدنا الشعب بالاصلاح والتغيير وتلبية المطالب الا يتطلب ذلك زمنا على الارجح سوف يجعل قصدا وعمدا طويلا وعلى الاقل عقد من الزمن من اجل سرقة الوقت واعادة انتاج نفس النظام مع اصلاحات بسيطة تؤدي بعد سنوات الى اكتشاف الجماهير ان البديل لم يكن سوى استنساخ للنظام السابق او قفاه مع تغيير بعض الوانه ومكياجه ؟

    ماذا يحدث ؟ اولا يتغلب الاحباط من امكانية التغيير الحقيقي على امل التغيير في اوساط كثيرة لابد من مشاركتها الفعلية والفعالة لتحقيق التغيير الحقيقي ، وثانيا يستنزف غضب الجماهير وينفس من خلال تغيير وجه وواجهة النظام دون تغيير طبيعته التي كانت سبب رفضه ، فيتحقق هدف خطير للعدو وهو امتصاص الغضب الشعبي الذي تحتاج اليه الثورة الشعبية الحقيقية والجذرية ويصبح على الثوار اعادة صنع الغضب قبل التفكير بالقيام بالثورة وهذا الشرط مقرون بزمن طويل وبالقدرة على اقناع من يأس من التغيير بالعودة للنضال مجددا ضد الوضع القائم وهو مطلب يبدو احيانا صعبا جدا ان لم يكن من المستحيل تحقيقه . وثالثا يكون العدو موجودا ويمارس العابه الشيطانية لاجل تحويل الانتفاضة الى فشل كامل في التغيير واستغلالها مباشرة لتنصيب اعوان ابليس في السلطة بدل الثوار …الخ .

    كل هذا يقع ويحدث لسببين : السبب الاول ان الثوار يفتقرون للخبرة والوعي وامتلاك البديل البشري لمن سيطرد من الحكم ليكونوا حكاما جدد مؤهلين لادارة الدولة ، والسبب الثاني انهم لا يستندون الى تنظيم سياسي مجرب ولديه خبرات وامكانيات شعبية مؤطرة تنظيميا ويمكن استخدامها في حسم الصراع ودحر النظام بكافة مكوناته العسكرية والسياسية وثقله المالي والمخابراتي وبصلاته الخارجية التي تشكل المصدر الاهم لقوته وفاشيته ، واقامة نظام حكم لا صلة له بالنظام السابق لا من بعيد ولا من قريب ، وعندها سوف يعجز هذا المخلوق الشرير بوجهيه المندمجين عضويا في كيان واحد – ابليس والشيطان – عن خداع الثوار وتوريطهم في عمل لا يمكن اكماله وايصاله الى نتيجته المطلوبة فيتقدم الشيطان او توأمه ابليس لفرض الحل الذي يريده ، وهكذا تتحول الانتفاضة الى حادلة طريق تزيل العقبات من امام ابليس والشيطان لاعادة السيطرة بوجه اخر وبصورة اكثر احكاما من قبضة النظام السابق .

    هل يذكركم هذا بما يحدث في تونس ومصر الان ؟ هل يوجد غموض في ما قلناه وهو بديهيات العمل السياسي التحرري والعقائدي بكافة الوانه واشكاله ؟ الجواب هو كلا لا جدال في ان المهم هو ليس الرغبة في التغيير بل امتلاك شروط النجاح في تحقيقه وايصاله الى نهايته المطلوبة من الشعب وليس التوقف في منتصف الطريق اوالخروج عنه ودخول طريق اخر لن يوصل الا الى ابليس او الشيطان وهما يتناوبان الادوار تارة نرى الوجه وتارة اخرى نرى القفى ، اما طريق الرحمن فانه يصبح مغلقا ببوابات عالية وصلبة !

    واذا بحثنا عن اسباب الفشل في تحويل الانتفاضة الصادقة والوطنية الى ثورة حقيقية فاننا سنكون بأزاء سلسلة من الظواهر والاسباب التي تتحكم بسياق العمل الثوري سنتناولها تفصيليا ، وفي مقدمتها العفوية ونقص التجربة وحداثة المنتفضين في العمل السياسي وافتقارهم للكوادر القادرة على الامساك بالحكم او ايصال الانتفاضة الى سدة الحكم ، او غياب التنظيم الشعبي القادر على ضمان ردع المتأمرين على الثورة الحقيقية ، او عدم تحقيق الوحدة الوطنية بين القوى الوطنية وبقاء كل منها يعمل بعيدا عن الاخر …الخ . كما ان وجود قدرات مخابراتية متقدمة لدى القوى المعادية لامتنا العربية يلعب دورا خطيرا في التضليل وزرع افكار خاطئة واحيانا مدمرة ، من خلال الهيمنة على الاعلام خصوصا الفضائيات والانترنيت ، وقدرتها على اختراق قوى وشخصيات بدون علمها ، او بعلمها ولكن في اطار صفقات ومساومات على حساب حقوق الامة والشعب . ومن بين اهم اساليب المخابرات واكثرها تمويها وغموضا ومخادعة اسلوب وضع خطط استباقية تقوم على استغلال بؤس الجماهير المادي وقمع الديكتاتورية والخيانات الوطنية من اجل القيام بانتفاضات او انقلابات مسيطر عليها على النظام الفاسد وتسخيرها لخدمة اطراف غير وطنية او وطنية ولكنها عاجزة عن الفهم الصحيح او السيطرة على العمل الجماهيري ، وتكون الخطوة الاولى في ذلك هي مبادرتها باطلاق عملية الرفض فتلتحق بها الجماهير الغاضبة ، وتكون النتيجة هي استثمار تضحيات الشباب الوطنيين في القيام بانتفاضة وطنية صادقة لكنها تجير لصالح النهج القديم وسياساته .

    ولعل اهم تطور في عمل المخابرات الامريكية هو المفهوم الذي طرحته كونداليزا رايس ، الملقبة ب ( كوندي ) حينما كانت وزيرة للخارجية الامريكية في عهد بوش الابن وهو مفهوم ( الفوضى الخلاقة ) والذي يعد من اخطر اساليب المخابرات الامريكية واكثرها ذكاء وخداعا وهو خطة تقوم على فهم العوامل النفسية للنخب خصوصا الشباب وتوظيف ذلك الفهم في التاثير على النخب ودعم توجهات عفوية وفوضوية وثورية غير ناضجة من اجل تفجير احداث لا توصل للثورة او التغيير الحقيقي بل تنتج وتنشر الفوضى واطلاق نزعات الثار والعواطف الجياشة غير الملجومة بعقلانية الثوار في بيئة عدم وجود قوة مركزية وطنية تضبط مسار الحدث او انها عزلت بالقوة ، وبشرط ان يكون معظم الشباب غير مدركين انهم يتحركون بتأثير امريكي .

    وهذه الخطة اعتمدت بعد ان كانت الخطة الاصلية هي اخضاع الاقطار العربية كلها بالهراوة الامريكية اي الغزو المسلح وكان غزو العراق هو البداية لخطة الهراوة في سيطرة امريكا على كافة الاقطار العربية ، وكانت الخطوة التالية بعد العراق هي غزو سوريا كما قال في الاسبوع الاول لغزو العراق احد اهم مخططي غزو العراق ولكن المقاومة العراقية الباسلة الحقت هزيمة مدوية بالاحتلال الامريكي واوصلته الى طريق مسدود ونبهته الى ان امريكا عاجزة عن السيطرة على الاقطار العربية بالهرواة وحدها فتم تبني خطة تقوم على جعل العمل المخابراتي الاداة الرئيسة في السيطرة الامريكية على العراق وكل الاقطار العربية ، وتم ذلك في عام 2006 عندما اعلنت الادارة الامريكية رسميا ان الحل العسكري في العراق غير كاف وان العمل المخابراتي ضروري جدا لحسم الصراع . ومن البديهي ان الاطار الستراتيجي لخطة الفوضى الخلاقة هو تقسيم كافة الاقطار العربية وبلا اي استثناء ، كما ورد في عدة وثائق امريكية مثل ( تقرير القرن الامريكي ) الذي اعده المحافظون الجدد في عام 1998 والذي طالب بتقسيم العراق ، او ما كتبه عوديد ينون الاسرائيلي في ( خطة لاسرائيل في الثمانينيات ) والذي اعاد طرح كيفية عمل الصهيونية لتقسيم كافة الاقطار العربية ، بما فيها مصر التي اعترفت بالكيان الصهيوني ، او ما كرر طرحه الصهيوني البريطاني برنارد لويس وهو مستشرق مخضرم من ضرورة تقسيم الاقطار العربية بصورة اكبر مما خططت له اسرائيل .

    من هنا فان الفوضى الخلاقة تعد منذ تبنيها هي التطبيق العملي لتحول الجهد الرئيس في انجاح غزو العراق وتوسيعه بغزو الاقطار العربية كافة من الجهد العسكري الى الجهد المخابراتي بكل ما تعنيه عبارة مخابراتي من معان تبدأ بالخداع وتنتهي باختراق الصفوف الوطنية مارة بانشاء قوة فاعلة ومؤثرة من الشباب تستطيع خلق العواصف ولكنها يجب ان تكون عواصف هوجاء ، كما وصفته هيلاري كلنتون تعليقا على احداث تونس ومصر والجزائر واليمن ، وان تكون مسيطر عليها من قبل امريكا توجه ريحها الجهة التي تريد فتدمر كل ما ارتفع عن الارض وتمسحه في حين ان النظم العربية والجماهير العربية يجب ان تكون قشة او ريشة تتلاعب بها هذه العواصف وفقا للفوضى الخلاقة .

    لننظر لهذا الامر بصورة مباشرة لنرى كم نحن ضحايا تأمر خطير لا يفهمه الكثير من الساسة والشباب والنخب الوطنية .

  4. يا بنت الناس ما تتابعي قناة الجزيرة الصهيونية والتي تهاجم أنظمة بعينها وتتغاضى عن أنظمة
    أخرى ……….الاعلام سلاح ذو حدين بل هو أخطر من الحرب ……

  5. مقال رائع الاستاذة رشا والتغيير قادم في السودان لان ابالسة الانقاذ غير مستعدين للتوجه الديمقراطي الحقيقي والدليل انفصال الجنوب والعودة للتصريحات الصبيانية الطالبانية من قيادات المؤتمر الوطني والاساءة من البشير للمعارضين لسياساته وفساده والهجمة الشرسه من اجهزتهم الامنية ضد التظاهر السلمي من اعتقالات وتعذيب واغتصاب يضاف كل ذلك لمواصلة ارتكاب الجرائم في دارفور ولكن نقول لهم:ان رياح التغيير قادمة لامحالة وان طال الزمن وما حصل في تونس ومصر وليبيا سيتكرر في السودان وتحية خاصة لكل احرار وشرفاء بلادى

  6. للأسف معلوماتك في غير محلها وليست صحيحةأيتهاالكاتبة في أن الغرب وتحديدا الولايات المتحدة كانوا يدعمون نظام الرئيس الراحل صدام حسين (رحمه الله) أثناء الحرب العراقية الايرانية
    على العكس تماما فقد دعمت الادارة الأمريكية ايران ضد العراق أثناء الحرب بينهما ..وأذكر الكاتبة بصفقة السلاح الأمريكي لايران ( ايران كونترا _ ايران جيت ) ….. يجب على الصحفي أن
    يستوثق من معلوماته جيدا قبل الشروع في الكتابة!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..