أخبار السودان

ألقي الفرق شاسع

إذا كنت مواطناً سودانياً تعيش في نواحي الغرب الدامي،فلا تركب اللواري للخرطوم هرباً من قصف الطائرات وأزيز المدافع،ولا تحلمي يا أيتها القروية،كما حلمت (حبوبتك)حين قالت (أحيّ متين أشوف الخرطوم)،فأنت وصويحباتك غير مرغوبات في عاصمة بلادكن،وتعتبركن السلطات مناظر مؤذية،وتعتبر كل (إقليمي) متطفلاً علي مهوي السدنة والتنابلة تلك البقعة المسماة العاصمة القومية،فلا هي عاصمة ولا قومية .

والأدلة كثيرة،فالهاربة من جحيم الحرب والاغتصاب إلي ضل شجرة في أي ركن بالخرطوم،للإسترزاق ببيع الكسرة والشاي،تواجه بالدفّار الخالي من أي علامات حكومية،وفوقه أناس بالزي المدني وهم متجهمي الوجوه،يرفعون(عدّتها)بلؤم فوق عربتهم،وإن دافعت عن سبل كسب عيشها يرفعونها كذلك باسم النظام العام والمخالفات.

والهارب من جحيم النار في النيل الأزرق،أو الذي طردته إدارة السدود من أرضه وأتي الخرطوم،يأكل عيشه من طبلية كل رأسمالها 100 جنيه،يطارد كما الحرامي بالكشّة،وتنزع منه أدواته نزعاً،لأنه خالف النظام العام،وكأنما كتب عليهم أن يموتوا بالجوع،حتي تعتبرهم السلطات مواطنين صالحين غير مخالفين للنظام العام .
وتجري هذه المظاهر يومياً،أمام بصر الناس أجمعين،الذين إن تدخلّوا بالكلام لمصلحة(المكشوشين)كان نصيبهم (الرفع) في الدفّار ،والأوامر شبه العسكرية (أقعد تحت،ما ترفع راسك)،وعندما احتجّت صديقتي عبير في زمن مضي علي محاولة رفع (شحّادة) كبيرة السن بالقوة والبهدلة إلي دفّار (لابد) في ناصية الشارع،وسألت(المهاجمين) عن الذنب الذي ارتكبته تلك السيدة العجوز،إنتهروها وطاردوها كيما يرفعوها لولا أن حرسها (الزملاء) الذين غني فيهم المغني (عجبوني كالوا العين).

وفي جانب آخر من المدينة المحظورة علي الفقراء،تنتصب القصور،ويحتفل سدنتها بإفراغ الخرطوم من المناظر المؤذية،بينما مطاعمهم وبقالاتهم تغلق الشوارع دون أن (ترفع) في الدفار،وجنريتراتهم تسوّد الآفاق دون أن يقال لهم (أنتم الذين ثقبتم طبقة الأوزون)،وهم ينهبون المال العام نهباً دون أن يتهموا بمخالفة (النظام العام)،ويفحّط أولادهم العربات الفارهات،ويبنون المستوصفات الخاصة دون مواصفات،والمدارس الخاصة ورسومها بالدولارات،وكلها حركات،لا يأبه بها ناس(الدفّارات)حتي لا يأتيهم(الهواء)في أيامهم القادمات،فيحالون للمعاشات .

إتفق سادن من هؤلاء مع فنان مشهور،ليغني له إحتفالاً باكتمال قصره المنيف،حيث قطعة الأرض وحدها بخمسة مليارات جنيه،ومنحه نصف الأجر علي أن يكمله بعد نهاية الحفلة ،فأتي الفنان والأوركسترا وغنوا للسدنة والتنابلة الذين لم ينفعلوا بالغناء الراقص بقدر إنفعالهم بنصف الفرخة الموجود في صحن العشاء.
فلما انتهي الفنان من الوصلة الأولي إنتحي بصاحب القصر،يطلب باقي أجره،حتي لا يشرب المقلب في النهاية،فاعتذر السادن بحجة ضيق ذات اليد والمصروفات الكثيرة وقال للفنان المسكين(ياخي احتسب قروشك الباقية فهي في ميزان حسناتك)،فصعد الفنان إلي المسرح في وصلته الثانية،وبعد أن غنّي (أقيس الفم بي ودعة وألقي الودع واسع)،قال مضيفاً(أقيس البيت بي نهبو وألقي الفرق شاسع)،فتبسّمت الأوركسترا بينما كان التنابلة مشغولين ب(التحلية).

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..