السودان: قابلية الإنتقال إلي دولة المواطنة وإتحاد الولايات

لقد طرحنا في سالف الأيام عرض مبسط لمفهوم الولايات المتحدة السودانية، ورجحنا قيامها بأسس جديدة مقابل إتحاد الممالك التاريخية أو الجمهورية الوراثية القائمة والتي حتما لا تتناسب مع معطيات واقع العصر ولم تلبي متطلبات الإنتقال الي دولة المواطنة والديمقراطية وتبادل المصالح السياسية والإقتصادية وإدارة التنوع الثقافي والإجتماعي وفقا لنظم ولوائح دستورية تضمن إستقلالية الولايات بما لا يفصلها عن بعضها البعض، وهذه العملية تطلب وضع دراسات وبحوث عميقة تستعرض التجارب الدولية بشكل نظري وعلمي وتراعي خصائص الولايات سياسيا وإقتصاديا وثقافيا لتتواثق الشعوب بموجبها علي نظام اتحاد الولايات السودانية بشكل طوعي كخيار للخروج من من أزمات السلطة والثروة والعدالة المدنية وإيجاد فرص اوسع لبناء شراكة حقيقية تساعد قيام النهضة الشاملة من (الجنينة الي بورتسودان)، ويمكن تدوير ذات التجربة بالتوسع الإستراتيجي لبناء اتحاد دول القارة الإفريقية من (القاهرة الي كيب تاون)، فالسودان دولة نال شعبها استقلاله منذ العام 1956م بعد كفاح ثوري مشترك لجميع الشعوب السودانية رغم اختلاف اصولها وثقافاتها، ولم تفلح النخب المتعاقبة علي سدة الحكم من انتاج وبلورة رؤية سياسية تحقق الإجماع الوطني والشعبي ديمقراطيا يتم بموجبها حكم السودان وربط وشائج السودنة كهوية للشعب، بل دخل السودانيين في دوامة الإنقلابات العسكرية والحروب الأهلية التي راح ضحيتها ملاين الأبرياء، وبعد انفصال جنوب السودان وتدهور الأوضاع السياسية والإقتصادية والإنسانية، يدفعنا واقعنا للبحث عن نمازج آخرى لإدارة الدولة السودانية، فالمعلوم أن الإنسان وجد بجغرافية بلادنا منذ ما يقارب 5000 سنة قبل الميلاد والمجموعات السكانية السودانية تتكون من ثقافات متعددة وتتمظهر فيها الأصول الإفريقية والعربية، وتم إحصاء ما يفوق 600 عرق واكثر من 300 لغة، وشهد السودان إجراء خمسة عمليات احصائية لسكان البلاد، ومن المنتظر قيام الإحصاء السادس في العام 2018م، وكشف اخر احصاء أن عدد سكان السودان يقدر بحوالي 39.15 مليون نسمة، منهم 30.89 في الشمال و8.265 في الجنوب، يقطنون مساحات جغرافية تقدر سابقا بمليون ميل مربع قبل انفصال الجنوب في العام 2011م الإستخدامعليرب التي حصدت الآف المواطنيين وشردت الآلاف بين (مجهول ومحصور)، من ما يضع صعوبات امام تقدير عدد السكان بصورة قاطعة، علي مدار السنوات السابقة،
وتمتلك السودان موارد طبيعية ضخمة صاحبها سوء الإستخدام، وتتمثل في – الأراضي الزراعية الخصبة والثروة الحيوانية والغابات والمعادن والمياه والثروة السمكية والصناعات المختلفة، ويعتمد السودان بنسبة 85% علي الزراعة والمنتج الصناعي الناتج عن الزرع، وحسب تقدير سابق لصندوق النقد الدولي، شكل البترول ومشتقاته 57% من دخل الحكومة المركزية، فضلا عن السياحة ووسائل النقل البري والبحري والجوي وغيرها من المقومات المتوفرة في جميع الولايات، فقط تحتاج لتوظيف وتوزيع عادل، فكل ولاية تستطيع أن تنهض بمواردها إذا تم ضبطها وتسيرها بطرق جيدة، وبها من الأدباء والساسة والإقتصاديون ما يسد حوجتها ويزيد، وكل ولاية بامكانها أن تحقق الإكتفاء الذاتي وتكفل 5 خمسة ولايات آخرى من دول الجوار ضعيفة الموارد، فسياقة نظام الولايات المتحدة امر تدفعه غناعة وارادة شعب السودان، وتترجمه عقليات الساسة والفلاسفة ليأخذ شكله الممنهج والمتزن، ونستطيع خلق حلقة تجارية مفعمة بالحيوية عبر إنشاء سوق تجاري مركزي وربطه باسواق الولايات والأسواق الإقليمية والدولية ليسهل عملية تبادل السلع، وحلقات آخرى مختصة بتبادل خبرات العلوم والمعارف الكونية، مع إرجاع الثوانين والتشريعات الي البرلمانات الولائية وسنها بما يتوافق مع ثقافات ومصالح المجتمعات السودانية وجعلها تطابق القوانين الدولية، وتعطيل القوانين المقيدة لحريات المجتمع، وبناء جيش قومي يلتزم الوطنية في عقيدته ويدافع عن الولايات السودانية قاطبة،
إن الولايات المتحدة لن تفصل شعوبها وتنعزل عن السودان، لأنها أتت لبناء سودان موحد بنظام جديد قائم علي الديمقراطية والمواطنة والتنمية المتوازنة والتعاون علي البناء والتعمير، ونستطيع أن نطرح مقترح الإتحاد كبديل سياسي واستراتيجي لدولة جنوب السودان، مع وضع ترتيبات تحقق الجوار السلمي والشراكة الإقتصادية والدفاع المشترك واستقلال السلطات وخصوصية القانون والتشريع، ووضع برنامج إتحادوي شامل يؤسس لتكامل الشعوب، هذه المقترحات ليست جديدة وكي نكيفها بما يتناسب مع واقعنا، تحتاج لحوار مكثف ودقيق، وحتما النظام الإنقاذي القائم لن يترك مجال لكل السودانيات والسودانيين لتقديم رؤاهم بشأن المسألة السودانية، والنظام الحاكم يصر علي الإنفراد بالسلطة ومصادر القرار ومصادرة حقوق الآخرين، مع منع سير الحداثة وإحداث التغيير بكل وسائل العنف، اضافة الي طرح مشاريع لا تخدم تقدم السودان، بل تساعد وتشجع علي الإنقسام كمشاريع السدود في الشمال وإستفتاء دارفور الإداري والتي صادق عليها النظام الإنقاذوي في برلمانه رغم تعارضها الظاهر والباطن مع ارادة الشعوب والمصالح الوطنية، إلا أن فقدان النظام لبوصلة ادارة البلاد جعلته يخوض في ظلامه الدامس ويركن حيث دهاليز مشروعه الإسلاموعروبي، متربصا بمستقبل السودان وهو لا يعلم أنه كتب لحكمه موعد الزوال والسقوط من شرف الفنادق الي خنادق التاريخ.

سعد محمد عبدالله

القاهرة
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..