أخبار السودان

الحزب الشيوعي.. أي التيارات يسعى لتصفيته؟!

نسمات باردة بدأت تداعب جسد الحزب الشيوعي، أصبح الحديث ممكنا وبصوت مرتفع، ربما أخيرا اهتدى الكثيرون إلى حقيقة أن الصراع الفكري الحُر خير وأبقى، فصار كل بما لديهم فرحين، يعرضون بضاعتهم في هواء الأسافير الطلق وفي الصحف السيارة والملتقيات وما يذكر فيه اسم الحزب، وما يكتبون، كان الحديث محرما خارج القنوات الحزبية، ولا شيء يمر إلا عبر المواعين الحزبية، لكن فيما يبدو أن المواعين قد ضاقت تماما وصارت كأنها قد صممت لخدمة تيار معين، وبعد أن كان الرفاق يؤدون صلاتهم سرا، الآن انتقل الكثير منهم إلى صلاة العلن باحثين عن مخرج وعن إجابة عن سؤال “ما العمل”؟!.

تحقيق: علاء الدين محمود

وكان نفر من الشيوعيين قد القت بهم تقلبات الحزب في التيه الى خارج الحزب لما ذكرناه من إعتمال الية جهنمية وسط عضويته تقصي من تشاء وتقرب من تشاء بيدها أمور الحزب جميعا ، حتى إذا قال ذاك النفر بشيوعيته قالوا له لست شيوعيا فالشيوعي بحسب اولائك الحزبيين من مكث في الحزب ويدفع إشتراكه الشهري ، ونافح من أجل الحفاظ على جسد الحزب لا من تمثل الأفكار الشيوعية وتدبرها وعمل بها فصار بين الناس شيوعيا الا من أولائك الماكثين على حماية بيضته من استوهام ضياعها دون أن يدروا أنها قد ضاعت بالفعل ، لا بسبب إعداء الحزب من الحقيقين والمتخيلين بل لأن مهمة الحزب قد تغيرت وأفكار الحزب صارت شيئا فشيئا تلك التي تتناسب مع مهمة الحفاظ على ذلك الجسد ، انتجت ايديولوجيتها الخاصة ، وبإسم تلك المهمة هدم كل ما يرفع فيه إسم الحزب وشأنه حتى إذا تلفتت عقولهم بحثا عن اسباب مقنعة لما حاق بهم ظنوا أن الأمر بسبب وساع المساحة وثقل الحمولة الايدولوجية ليسارعوا الى وضع ما لم يتمكن من ظهرهم عنه ، ولو أنهم تدبروا أمرهم لوجودوا أن ما صنعوهوا بايديهم من أجواء سادت بسبب تلك المهمة التي سادت طويلا لتوصوا الى انها سبب مباشر لما يعيشه الحزب من خراب سياسي وفكري ، الحزب الذي ضاق ليختزل في مجموعة صغيرة أو كمال الأستاذ محمد إبراهيم نقد : ” حزبنا صغير قدرنا كدا” والقول يضمر إرادة تحجيم ما كان عند الناس كبيرا حتى لتغضبهم مقالة “الحزب الشيوعي أكبر حزب في أفريقيا” لتصبح عند السكرتير العام دعاية “لصقوها فينا ساكت” ولئن كان بعض من أخرج من حزبه شيوعيا لم يزل ، فإن فريق من الحزبيين يتحدثون عن أن الحزب يضم من لا علاقة له بالشيوعية على نحو ما فعلت الأستاذة إحسان فقيري التي وجهت انتقادات شرسة لاعضاء بحزبها واعتبرت انهم ليسوا بشيوعيين لانهم يتلقون اموالا من دول ومنظمات رأسمالية واوضحت ان بعض الذين دخلوا الحزب الشيوعي افتقدوا لعملية طويلة من التربية الحزبية . أو كما قال خبر “التيار” وكما بدأ عجيبا أن تفتح ابواب الحزب فجأة للاعلان عن مناقشة عامة دون انتقال يمهد لمرحلة جديدة بدأ كذلك غريبا أن يشرع الحزب وقياداته المنتقلون من تلك المرحلة الى تناول خبر سقوط الاتحاد السوفييتي وأزمة الماركسية وتقديمها على أنها أزمة الحزب الشيوعي السوداني والمسارعة في رصد وتفسير كيف “حاصر الجمود العقائدي أفكار كارل ماركس” دون تلفت الى كيف التف ذلك الجمود بخاسرة الحزب لا يريد عنها فكاكا حتى أذا جاء مركز في الكون يعلن سقوط التجربة الاشتراكية وأزمة الماركسية صاروا كأنما وضعوا ايديهم على الجرح الذي انكى ظهر حزبهم
الحمولة الايدولوجية
ولقد رأينا كيف سار الشفيع خضر على ذات المنوال فيما سبق وكذلك عندما قال : كنا في حزب نظريته العامة هي الماركسية التي تتجلى حسب القسمات الخاصة بكل بلد ما نحن بصدده الان عكس هذا الطرح ،، طرحنا يتبنى تقليص مساحة الايديولوجيا في الحزب ، وزيادة البرنامج الواسع المستمد من الواقع ،، نحن نتحدث عن تعدد المصادر النظرية ، طرح حزبنا الجديد ليس حزبا ماركسيا ، اننا لن نوصد الابواب أمام النظريات الاخرى ” هذا ما كان من قول الشفيع خضر ، الذي تحدث فيه عن التقليص والزيادة في المساحات داخل الحزب ، مقتفيا أثر الخاتم دون أن يقدم تعريف لهذه الايديولجيا ومدى تناقضها مع المعرفة هذه الايديولوجيا التي انقضت ظهر الحزب أو ربما دون وعي أن ما حسبه من اثار تلك الايديولوجيا إنما بفعل ممارسة لاعلاقة بها بالماركسية فالرجل يقدم لنا خلطا كبيرا بين ماشهده الحزب في مرحلة الحفاظ على الجسد وبين الايديولوجيا الماركسية ويقدم الأخيرة كمسئولة من ما حاق بالحزب ، ولقد رأينا فيما سبق أن ما أنقض ظهر الحزب وكسر عظمه إنما كان ذلك الرجس من فعل الحفاظ على جسد الحزب والذي وإن لم يك يعبر عن مهمة عبثية كما يقول صدقي كبلو ولكنه انتج بهذه الاجواء القاتمة وتلك الممارسات داخل الحزب فظنها بعضهم من ثقل الايديولوجيا فطفقوا يبحثون عن تخفيف حمولتها بمقادير قدروها ، أو تقليص مساحتها بأمتار من بنات أفكارهم ويقول الشفيع : “في الحقيقة، فإن الآيديولوجيا، أية آيديولوجيا، قابلة للتحوّل إلى وعي جماعي، أو مجتمعي، إذا ما كانت وقائع الحال تساعدها على ذلك. لكن من الصعب أن تصمد الآيديولوجيا في اختبار التطبيق والممارسة عندما تحكم، أو تصل حملتها إلى السلطة، إذا لم تعد إكتشاف نفسها من داخل الممارسة، من داخل الواقع و متغيراته، لا من داخل الآيديولوجيا نفسها” ويبدو أن الشفيع قد قادته طريقته في تدبر الأشياء إلى خلط مفاهيمي كبير، فبات يطرح افكارا إطلاقية خاصة فيما يتعلق برؤيته للايديولوجيا وتحديده لها فيما يستشف من حديثه عنها غير أن الواضح أن الشفيع وبعض من قيادات الحزب كانوا يتعجلون دفع النظرية عن جسد الحزب حتى إن جاءت عبر فكر تلفيقي، وكذا يقول الشفيع التوجه العام في الحزب هو التخلي عن أجزاء كثيرة من الماركسية التي أثبتت التجربة بطلانها وعدم صحتها، والإبقاء فقط على ما صار جزءاً من العلم فيها وأثبتت التجربة صحته مثل المنهج الجدلي الماركسي في التحليل وسيكون الحزب مفتوحا على كل المدارس، والمناهج الفكرية، والإرث السوداني، والأفريقي، والعربي، والإسلامي، نأخذ منه ما يخدم قضية الثورة السودانية، ومن ضمن الإرث العالمي هناك الماركسية التي ستكون جزءاً من تكويننا النظري ولكن بالطريقة التي شرحتها سابقاً” تلك العجلة في التخلص من ماركسية الحزب الشيوعي جعلت الرجل يسير متخبطا في ميدان المعرفة ، في كيفية خلق سند نظري لقناعاته وربما الجأه ذلك إلى تلك التهويمات التي تطرح من قبله لإثبات فشل الفكر الماركسي وهي التهويمات الشبيهة بأفكار يطرحها بالمقابل السر بابو في دفاعه عن الماركسية بشكل قطعي مما يجعله محافظا حارسا لكلمات ماركس التامات .. وهذا ما سنأتي اليه تفصيلا
موت الايديولوجيا
يقول الاستاذ حسن موسى إن المناقشة الدائرة بشكل غير رسمي بين نفر من الشيوعيين عن فرص تحويل الحزب لما يسمى بـ ” الحزب الجماهيري” المفتوح للجميع، بدلا من وضعية ” الحزب الطليعي ” الذي يصطفي عضويته بعد فحص آيديولوجي و يلزمها بجملة من الإلتزامات السياسية و الأخلاقية، هذه المناقشة هي الجزء الظاهر من جبل جليد الصراع الطبقي داخل الحزب الشيوعي، بين الماركسيين و طليعة البورجوازية اليمينية التي تحلم بتدجين الحزب الشيوعي بتجريده من سلاح الفكر المادي النقدي. وأنصار هذا الإتجاه يبنون حجتهم على أساس أن الحزب يمكن أن يصبح قوة عددية مؤثرة إذا نجح في إستثمار نفوذه الرمزي بين الديموقراطيين المتعاطفين مع سياساته وجذبهم للإنخراط في صفوفه بعد رفع العوائق ” الآيديولوجية” التي قد تعترض إنخراطهم. وحساب “العوائق” واسع و متنوع لكنه يردنا في كل مرة إلى المطالبة بتخلي الحزب الشيوعي عن هويته الطبقية تحت شعار ” تخفيف الحمولة الآيديولوجية”. و هذه المطالبة تبدأ من مجرد “تغيير اسم الحزب ” بمحو صفة ” الشيوعي”، سيئة السمعة بين عيال المسلمين و بين هواة الليبرالية الجديدة الذين يكدّر عيشهم الحديث عن ” صراع الطبقات ” و عن ” الدولة العلمانية “، لتنتهي عند الأزمة ” تخفيف الحمولة الآيديولوجية” بالتخلص من “الدوغمائية الماركسية و “الطهرانية الثورية” وغير ذلك من أمراض اليسارية. و دعاة ” تخفيف الحمولة الآيديولوجية”، وأغلبهم من الشيوعيين السابقين، الذين يحلمون بحزب بدون آيديولوجيا على مزاعم بموت الأيديولوجيا أو على مزاعم بفسادها وعدم مناسبتها لواقع المجتمع السوداني ، وجدوا في أدب الخاتم عدلان ضالتهم و وافقهم الخاتم مثلما وافق شن طبقه. طبعا لا سبيل للإشاحة عن ملف الخاتم عدلان في خصوص ” .. أوان التغيير” في هذا المشهد التاريخي البالغ التعقيد. لكني سأكتفي منه بصفته الأستهلالية كونه ابتدر اللعب على المكشوف و نطق بالصوت العالي عن مطالب كان كثير من الرفاق يتهامسون بها خفية ، و حين أتأمل في ما يجري باسم ” الآيديولوجيا ” ببصيرة الديموقراطي ، و قيل ببصيرة “الشيوعي غير النظامي ” ، يدركني مزيج من الإشفاق و الحيرة و الحنق على الرفاق الذين صاروا يناضلون من أجل ” تخفيف الحمولة الآيديولوجية ” للحزب الشيوعي! حتى أضحت العبارة ، ” تخفيف الحمولة الآيديلوجية ” ، شعارا يلتئم عنده شمل نفر معتبر من اليساريين السابقين [والسابقين الوشيكين] الطامحين لتجريد حزب الشيوعيين السودانيين من أمضى أسلحته: سلاح الفكر المادي النقدي المستبصر في معطيات الواقع على هدي الميراث الماركسي. ” هؤلاء الناس” الذين زهدوا في ميراث ماركس و تركوا حزب الشيوعيين السودانيين، كانت أمامهم فرصة ابتدار حزب جديد بدون “حمولة آيديولوجية” ، وكفى الله المؤمنين القتال. لكنهم لم يفعلوا، بل أخذوا ـ كما يقول الصديق صدقي كبلوا، في “موسم الهجرة إلى اليمين”، يطالبون الشيوعيين السودانيين بطرح” الحمولة الآيديولوجية” بأسلوب يستغني بعصاب اليسارية المُزايِدة عن المحاججة العقلانية.و قد جسد الزميل السابق الخاتم عدلان أفضل نماذج “هؤلاء الناس” الذين يردفون الآيديولوجيا على بعير الماركسية فيلعنون الآيديولوجيا ويتأففون من أدب ماركس الذي يرونه تجسيدا شنيعا للآيديولوجيا، و حجتهم أن الآيديولوجيا ماتت [مع” نهاية التاريخ”] أو أنها صارت لا تناسب الواقع المعاصر، أو لأنها أصلاً منفـٍّرة عسير هضمها على جماهير الكادحين “..
تأثير
إن منتوج الإعلام الغربي والكتابات الغربية حول سقوط الماركسية وإعلان نهاية التاريخ يسيطران بشكل كبير على تفكير كثير من الرفاق من الذين تخلوا للحظة عن عقولهم مستلفين عقول اولائك المبشرين بأدب النهايات ، تمكنت منهم الحيرة حتى اسلمتهم الى التخلي عن تفكيرهم لمصلحة مركز في الكون مفوض بحق إعلان النهايات
وسنتابع هذا الخيط في الحلقة القادمة
الحلقة القادمة .. أزمة مستلفة

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الحزب الشيويع ، في رايي، يضيع فرصه تاريخية في لم كل افراد ومثقفي ومتعلمي الوسط الياسري السوداني ، وذلك بتمسكه بماضيه ، ان نغيير ايدوليجا الحزب واسمه وبرامجه وسيساته مع الاحتفاظ بغالبية اهدافه السامة النبيلة، جدير بدخول افراد كثر من الوسط والقاع والهامش السوداني .

  2. لا أعتقد المشكلة في الماركسية .. هذا إذا اعتبرنا أن الماركسية أساسها المادية الجدلية (الديالاكتيك المادي العلمي)، ولكن أعتقد أن الحزب الشيوعي السوداني ايتعد عن النظرية اصلا ولم يعد يوظف المنهج المادي الجدلي العلمي.

    بالرغم من أن الحزب يختلف عن الحزب البلشفي في كونه يطرح برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية والتي هي تمثل خط ماركس الأصلي وفقا للنظرية الا أنه عمليا يعاني من فوضى تنظيمية أي الهيكل التنظيمي للحزب لم يشهد تطورا ولم ينفتح على الكوادر القاعدية بالقدر المطلوب وظل منفصلا عنها لفترات طويلة.

    وهذا بالتأكيد إنعكس على نشاط الحزب وأضعفه كما أنه جعل كثير من قواعده تبتعد مضطرة لأنها لم تجد سبيلاً لمشاركة فاعلة.

    أعود مرة أخرى للنظرية (المنهج المادي الجدلي العلمي) هذا المنهج الماركسي أعتقد ما زال فاعلاً وسيظل فاعلاً فقط هنالك حاجة لتوظيفه كأداة تحليل لإستنباط رؤى تتناسب مع الواقع. كما أنه يجب إنتقاد اللينينية والستالينية بوضوح فليس هنالك أي داعي للقول بالماركسية اللينينية بل الماركسية فقط أي المنهج المادي الديالاكتيكي العلمي.

    أعرف أن كثير من الشيوعيين السودانيين لن تروقهم مداخلتي هذه

    مع تحياتي

    عاصم فقيري

  3. لا أعتقد المشكلة في الماركسية .. هذا إذا اعتبرنا أن الماركسية أساسها المادية الجدلية (الديالاكتيك المادي العلمي)، ولكن أعتقد أن الحزب الشيوعي السوداني ايتعد عن النظرية اصلا ولم يعد يوظف المنهج المادي الجدلي العلمي.

    بالرغم من أن الحزب يختلف عن الحزب البلشفي في كونه يطرح برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية والتي هي تمثل خط ماركس الأصلي وفقا للنظرية الا أنه عمليا يعاني من فوضى تنظيمية أي الهيكل التنظيمي للحزب لم يشهد تطورا ولم ينفتح على الكوادر القاعدية بالقدر المطلوب وظل منفصلا عنها لفترات طويلة.

    وهذا بالتأكيد إنعكس على نشاط الحزب وأضعفه كما أنه جعل كثير من قواعده تبتعد مضطرة لأنها لم تجد سبيلاً لمشاركة فاعلة.

    أعود مرة أخرى للنظرية (المنهج المادي الجدلي العلمي) هذا المنهج الماركسي أعتقد ما زال فاعلاً وسيظل فاعلاً فقط هنالك حاجة لتوظيفه كأداة تحليل لإستنباط رؤى تتناسب مع الواقع. كما أنه يجب إنتقاد اللينينية والستالينية بوضوح فليس هنالك أي داعي للقول بالماركسية اللينينية بل الماركسية فقط أي المنهج المادي الديالاكتيكي العلمي.

    أعرف أن كثير من الشيوعيين السودانيين لن تروقهم مداخلتي هذه

    مع تحياتي

    عاصم فقيري

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..