وداعا يا حبيبنا

افق بعيد

وداعا يا حبيبنا

فيصل محمد صالح
[email protected]

اللّيلة ما وشوش نسيم في الروض وما غرد مسا،
اللّيلة ما سافر عبير في الطيب يغازل نرجسة،
اللّيلة يا حبي الكبير في حرقة لافيني الأسى
يا لها من ليلة، ويا له من وجع، وكأن الخرطوم لم تشهد سوادا مثل هذا من قبل. لسنا حديثي العهد بالأسى والحزن والمواجع، وليست هي جديدة علينا، لكنه لم يكن حزنا كسابقاته، ولا الجرح والوجع ذاته. نام السودان كله مترملا، فقد مات محمد وردي، فنان عام عموم السودان، بحق وحقيقة.
للفنانين مكانة كبيرة في قلوبنا، لكن لم يكن محمد وردي مجرد فنان، بل هو رمز ومعنى وطني وإنساني كبير، ولو جاز تلخيص الوطن في شخوص لكن محمد عثمان حسن وردي من أحق الناس بتلخيص فيمة ورمزية ومعنى الوطن.
ظل وردي يمثل رمزا وقيمة شامخة على مدى ستة عقود، اختلف السودانيون أحزابا وشيعا وطوائفا واتجاهات وقبائل، لكنه كان من الرموز القليلة التي لم يختلف حولها الناس، وهوت إليه أفئدة الناس شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وهو شموخ لم يبلغ قدره السياسيون والحكام والزعماء.
كان محمد وردي قدرنا الذي أحببناه، تلمسنا آيات العشق الأولى على نغمات أغانيه، وخرجت الأحاسيس العذراء من بين نثيث عطر موسيقاه لتدخل مباشرة في قلوبنا، أحببنا وخاصمنا وتلوعنا وسهرنا الليالي على صدى “المستحيل” و”لو بهمسة” وكتبنا لحبيباتنا في الرسائل “توعدنا وتبخل بالصورة” والتمسنا لانفسنا الأعذار حين الخيبات الكبرى في كلمات “أنا استاهل الوضعتك في مكانا ما مكانك” “وحلفتك يا قلبي”، ونمنا قريري العين سعيدين بهذا الانتقام الوهمي، وكأننا استعدنا بعض كرامتنا المهدرة.
كبرنا وكبرت أحزاننا ونضجنا على صوته الفخيم، تعقدت حياتنا وأحلامنا وأمانينا وصورة الدنيا في أعيننا، وناسبتها “الود” و”بناديها” و”جميلة ومستحيلة” و”قلت أرحل”. التقت الحبيبة بالوطن والثورة حين تفجر وعينا على وقع “لو لحظة من وسن” و”يا شعبا لهبك ثوريتك” و”ونغني لك يا وطني كما غنى الخليل”.
ظل وردي رفيقنا الدائم في أفراحنا وأحزاننا، في لحظات النصر والفخار يغني لنا كما لم يغني أحد من قبل “ما لان فرسان لنا..بل فر جمع الطاغية، ويتغزل في الوطن كما الحبيبة “هام ذاك النهر يستلهم حسنا، فإذا عبر بلادي ماتمنى، طرب النيل لديها فتثنى”، وكان رفيقنا في لحظات العجز والانكسار والهزيمة، يرفع معنوياتنا ويذكرنا بالماضي الذي كان “أروي يا تاريخ أمجاد لنا، عبد اللطيف وصحبه”…ويزرع الامل بالفرح القادم “حنبنيه البنحلم بيه يوماتي”.
مثل وردي لا ينعى عند رحيله بشريط أسفل الشاشة في برنامج ملئ بالثرثرة والكلام غير المفيد، لمثل وردي يقطع الإرسال ويعلن الحداد وتنكس الأعلام وتتوشح المدن بالسواد. لمثل وردي تنوح النائحات وتثكل الثاكلات وتعدد المعددات “حليلو المافي زيو مثيل، حليلو الخيرو زي النيل، منو الغنالنا في أفراحنا في أتراحنا …بلاهو منو البقالنا دليل… منو الشق العتامير ليل ” .
وداعا يا حبيبنا…

تعليق واحد

  1. الأستاذ الفاضل فيصل نسأل الله أن يتغمده و أن يُلهمنا الصبر ، الرجل بلا زيف لا خيل لديه و لا ركاب دخل القلوب و الأفئدة جيلاً بعد جيل و سيظل ، أكثر ما يعجبني انه لم ينام في حضن السلطة الحاني ذاق ويلات لأجل هذا الشعب الذي مُحيت ذاكرته و تبقى بعض البؤساء ممن يريدون جزاءاً لفعل لم يستحقون شرف القيام برعايته في مرضه و سمعنا بمآسي بيع بيته و نرى بعض المنافين يتسابقون الصفوف ليظهروا لهذا الشعب تبجيلهم للرجل !!!
    ما معنى أن تأتي لتدفن ميت و قد دفنته حياً في اقبية سلخاناتك و لازال نفر يقبع هناك !! لقد تدافع القوم لينالوا رضى الشعب السوداني الذي لم يختلف على وردي بل حبوه حباً لم و لن يحصل عليه اي بائس إنتهازي يستغل الموارد و النفوذ ليخلق له شخصية و لكنه الفرق الكبير ، رحم الله وردي و أحيى الله بموته ذاكرة هذا الشعب حتى نرى مكان السجن مستشفى و مكان المنفى كلية !!

  2. كنت أعلم أنك ستكتب فيه مثلما لن يكتب أحد. فمن غيرك ـ أيها الملئ بالحب والنقاء والوطن ـ بقادر على التعبير عن فقدنا الجلل. ما كان وردي مجرد مطرب شجي الصوت أو مؤلف ألحان عبقري، إنه مؤسسة ثقافية نهضوية رائدة لعبت خلال ستين عاماً دوراً مؤثراً في بناء الشخصية السودانية الحديثة . التف حول وردي السودان كله على تعدد ألسنته ووتنوع سحناته وتباين قبائله واتباعد مساحاته، ورقصت القلوب معه، وحوله توحد الوجدان. إن وردي في ذاته وطن وهو أمة وإنتماء
    لك التحية يا فيصل وفي انتظار المزيد

  3. حزنانين وزعلانين حزن علي وردي وزعل من نفسي , دسيت دمعي , بكيت وحدي ,وبكيت تاني من عجزي , برطمت واتكلمت من =رأسي= , دندنت غناءك انسد حلقي من وجعي ,كتبت رثاك , شطبتو رثاءك ,غلبني رثاءك يا وردي
    حكيت لصديق ,يمكن افش المغص والضيق رد وقال =مصطفي سيد احمد = وزاد الضيق .
    شرحتو غناءك ,لقيتو معاي من صغري , يوم فرحي ويوم نصري ,وفي كسرتي وحزني ,منو ال غيرك طبز عين جلادنا وبكلمات محجوب شريف سجن جلادنا وبصوت غناءه اخد تارنا واشعل الفكر وعيآ وتصميم,;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;( ;(

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..