قضى مقترح تنظيم الأسواق على نواضر أحلامهم الحرفيون بحلة كوكو.. مطاريد بأمر التفكير الحكومي المترف

الميكانيكي عدنان: سدّدنا كل الرسوم ومازلنا في انتظار الأراضي
رئيس اتحاد الحرفيين: تغيير الوزير أسهم في التأخير
شرق النيل: صديق رمضان
حينما كنت أجلس مع أحد الحرفيين بحلة كوكو تحت ظل شجرة يتخذها مكاناً لعمله، وتحت ذات ظله كشك صغير يضع فيه أدواته، أطل الميكانيكي بذات المنطقة مصطفى محمد بشير، وهو في العقد الخامس من عمره، وبعد ان عرف هويتي الصحفية تغيرت ملامحه تماماً وسيطر عليه الغضب حتى أشفقت عليه وهو يتحدث بحسرة وأسى عن واقعهم، وشعرت بصدق حديثه لأن الحزن بلغ مداه في دواخله عندما قال: “حرام عليهم عمرنا الباقي فيهو شنو عشان نعيش مجهجهين كده”، فهو يعتقد أن الحرفيين يتعرضون لظلم كبير بداعي عدم وجود مناطق صناعية مخصصة لهم، ومثله من الذين التقيتهم بحلة كوكو يتساءلون عن مصير الأموال التي دفعوها من أجل تمليكهم أراضٍ في منطقة صناعية مقترحة بالوادي الأخضر، حيث بدأت الهواجس والظنون تنتاب بعضاً منهم.
أولاد شوارع
لم أشأ أن أقطع حديث الميكانيكي مصطفى محمد بشير وتركته يخرج الهواء ساخن من صدره الذي بدا لي أنه ظل يعتمل لوقت ليس بالقصير في دواخله، لذا كان في قمة الغضب والاستياء وهو يتحدث إلينا، واعتبر الحرفيين في حلة كوكو مثلهم وأولاد الشوارع ليس على صعيد السلوك بل يشتركون معهم في التشرد و”الجهجه”، ويلفت إلى أنهم يعلمون طوال ساعات اليوم تحت أشعة الشمس بداعي عدم امتلاكهم ورشاً وقال: كنت بالقرب من مزرعة الجامعة في كشك صغير وانتقلت بالقرب من موقف الهلالية بوسط سوق حلة كوكو وموقعي الآن أمام مبنى تحت التشييد وشارف على الانتهاء، ودائما يتملكني شعور أن مالكه ينظر إلينا بغضب وأنه سيأتي يوم ويطالبنا بالابتعاد وحدوث هذا يعني تشردنا أو ربما تركنا لهذه المهنة، ويلفت محمود إلى أن هذا الواقع الذي يصفه بالأليم دفعهم إلى التفاعل مع فكرة تمليكهم أراضي في منقطة صناعية مقترحة بالوادي الأخضر، إلا أنه يكشف عن عدم استلامهم مواقع عملهم حتى الآن رغم التزامهم بكافة الرسوم التي بلغت أثنين ألف وسبعمائة جنيه، ودمغ كل الأجسام النقابية التي تمثل الحرفيين بعدم الاهتمام بمشاكلهم وعجزهم عن انتزاع حقوقهم.
حبال بلا بقر
عدد مقدر من الحرفيين بحلة كوكو الذين تحثدوا لنا عبروا عن بالغ استيائهم من التأخير الذي شاب ملف تسليمهم قطع الأراضي التي وُعدوا بها، ويؤكدون تكملتهم كافة الإجراءات وتسديد كل حرفي تقدم لهذه الخطة مبلغ أثنين ألف وسبعمائة جنيه، وذلك قبل عام، وهذا التأخير جعل الظنون تذهب ببعضهم بعيدًا ويبدون تخوفهم من ضياع أموالهم وعدم إعادتها لهم في حالة فشل المشروع، وهنا يشير الحرفي بسوق حلة كوكو عدنان الشفيع إلى أنه ظل يعمل منذ العام 1976 في مهنة الميكانيكا غير أنه لا يمتلك مقرا ثابتاً وظل يعمل في الشارع وأن هذا الواقع يمثل لهم هاجساً كبيراً وعدم استقرار بل ألقى بظلاله السالبة على دخولهم.
ويلفت إلى أنه وعند طرح فكرة تمليك الحرفيين ورشاً بالوادي الأخضر لم يفكر كثيراً وتقدم مثل غيره من الحرفيين وسدد المبالغ المطلوبة منه كاملة، وقال إن المبلغ الأول كان 1500 جنيه، تم تسديدها لوزارة التخطيط والمبلغ الثاني يبلغ 1200 جنيه تم تسليمه الى فرعية الحرفيية بشرق النيل، وقال إنهم وبعد التأخير الذي أحاط بهذا الملف ظلوا يستفسرون عن مصيرهم ومتى سيتم تسليمهم المواقع ليشيدوا عليها الورش.
معاناة بلا حدود
قبل أن نتوجه إلى مقر فرعية شعبة الحرفيين بشرق النيل سجلنا زيارة إلى المنطقة الصناعية بحلة كوكو أو دعونا نطلق عليها هذا الاسم مجازاً لأن واقعها يقول بخلاف ذلك، فهي أقرب إلى السوق لأنها غير متخصصة ولا توجد في مكان واحد داخل سوق حلة كوكو بمحلية شرق النيل، ففي الجزء الجنوبي من مزرعة جامعة السودان يوجد عدد كبير من الأكشاك التي اتخذها عدد من الحرفيين خاصة الميكانيكية مستقراً ومكاناً لعملهم، رغم ضيقها وعدم ملاءمتها وعدم قانونية وضعها، وداخل سوق حلة كوكو تتوزع ورش النجارة التي تضم مثلها وورش الحدادة أمهر الحرفيين بالعاصمة، كما أكد لنا أكثر من تاجر، ومعظم الورش إن لم يكن جلها دكاكين مستأجرة بمبالغ تفوق للواحدة خمسة آلاف جنيه في الشهر وتقع في مساحات ضيقة حيث يعمل الحرفيون في المواقع التي توجد أمامها لضيق المساحات، أما في الميدان الذي توجد عليه مواصلات الهلالية ومدني، فالورش أيضًا تعاني من ضيق المساحات الداخلية ويعمل الحرفيون تحت أشعة الشمس، وجزم لنا نجار بأنهم في حال حصولهم على ورش مؤسسة بشكل جدي وفقاً لمساحات واسعة فإنهم يملكون القدرة على منافسة الأثاثات المستوردة، وبدا ساخطاً من منظر المنطقة الصناعية التي قال إنها في الخريف تتحول إلى برك ومستنقعات، واتفقنا معه في حديثه هذا لأننا وجدنا صعوبة بالغة في التجوّل بين الورش لضيق عرض الطرق بالإضافة إلى افتقارها إلى الأسفلت والانترلوك، ويقول محمد الذي التقيته أمام إحدى الورش إنهم ورغم البيئة المتردية فإنهم يجدون أنفسهم مجبرين على دفع الرسوم الكثيرة التي تتحصلها المحلية وجهات حكومية أخرى بالإضافة إلى تسديد قيمة الإيجار الغالية، وذلك لأن عدم فعلهم ذلك يعني توقف أعمالهم، ويلفت إلى أن القرار الذي اتخذته حكومة الولاية والقاضي بإغلاق الورش داخل الأحياء أسهم في ارتفاع قيمة الإيجارات بسوق حلة كوكو وشرد الكثير من الحرفيين.
في الانتظار
بعد ذلك توجهنا ناحية مكتب شعبة الحرفيين بحلة كوكو لاستجلاء الحقائق حول المنطقة الصناعية المقترحة وبحثنا عن إجابات عن مصير الأموال التي دفعها ما يربو على الثلاثمائة حرفيٍّ بشرق النيل، الإجابات على الاستفسارات التي طرحناها جاءت أولاً على لسان الأمين العام للشعبة الفرعية السماني حسن الذي كشف في حديثه لـ(الصيحة) أن فكرة ورش الحرفيين طرحتها ولاية الخرطوم لتنظيم هذا القطاع الكبير والمؤثر في المحليات السبع، وقال إنهم ولإدراكهم أهمية مثل هذه المشاريع التي تسهم في تطوير القطاع الحرفي عملوا على تكملة كافة الإجراءات المتعلقة بالتقديم للحصول على قطع أراضٍ بغرض إنشاء ورش، مبيناً أنهم في شرق النيل وبعد إكمالهم كافة الإجراءات فإن لجان الأراضي بوزارة التخطيط والبنية التحتية نشرت كشوفات المستحقين بشرق النيل ونظرت كذلك في أمر الذين تقدموا باستئنافات، موضحًا أن الجميع بعد ذلك ظل في انتظار سحب القرعة على الأراضي وأن هذا لم يحدث حتى الآن، وأكد أنه أمر خارج نطاق سلطاتهم وتتحمله وزارة التخطيط، ويرى أن السؤال حول عدم توزيع الأراضي حتى الآن يدور في أذهان كل الحرفيين الذين أكملوا إجراءاتهم ويتمنوا أن يجدوا له إجابات من الوزارة .
ليس في يدنا شيء
من ناحيته، فإن رئيس الشعبة الفرعية للحرفيين بشرق النيل نورين عبد الكريم فقد كشف عن أن الفكرة طرحتها ولاية الخرطوم كانت بمثابة طوق النجاة للحرفيين من واقع معاناتهم الكبيرة خاصة في شرق النيل من عدم وجود منطقة صناعية مخصصة لهم لمزاولة نشاطهم، وقال في حديث لـ(الصيحة) إن الحرفيين بحلة كوكو استجابوا سريعاً للمبادرة وأكملوا كافة إجراءاتهم وظلوا في انتظار إجراءات سحب القرعة منذ العام الماضي، لافتاً إلى أنهم في الشعبة الفرعية حرصوا على التواصل مع وزارة التخطيط والجهات ذات الصلة نقابياً وحكومياً لمعرفة تاريخ إجراءات سحب القرعة إلا أنهم لم يجدوا إجابة واضحة حتى الآن وأن هذا الأمر كان مثار اهتمام وتخوفات الحرفيين بالمحلية من فشل المشروع، معتبرًا قرار إيقاف الورش داخل الأحياء ورغم أنه ألقى بظلال سالبة على عدد مقدر من الحرفيين إلا أنهم بحسب نورين أسهم إيجاباً في بروز فكرة المناطق الصناعية، وقال إن الذين تم إيقاف نشاطهم بالأحياء أكملوا كافة إجراءاتهم على أمل الحصول على ورش بالوادي الأخضر، مؤكدًا على وجود بطء في إجراءات إكمال هذا المشروع الذي يعتبره استراتيجيا وهاماً، وأرجع تعجل عدد من الحرفيين إكمال المشروع إلى أنهم باتوا بدون عمل وتضررت مصالحهم عقب إغلاق ورشهم بالأحياء وأنهم توقفوا عن العمل ولا يعرفون ما هو مصيرهم في ظل الضبابية التي تكتنف المشروع برمته، كاشفاً عن عدد الذين أكملوا إجراءاتهم بحسب كشوفات وزارة التخطيط يبلغ 223 حرفياً بالإضافة إلى أكثر من سبعين تقدموا باستئنافات، ونفى معرفتهم أين تكمن علة تأخير مشروع المناطق الصناعية.
وفيما يتعلق بالرسوم التي تم تحصيلها من الحرفيين الذين تقدموا للحصول على ورش بالمنطقة الصناعية أشار إلى أنهم في الهيئة الفرعية يعملون على إنزال موجهات الهيئة النقابية بولاية الخرطوم التي قال إنها هي من حددت أن تكون رسوم خدمات القرعة ألفاً ومائتي جنيه، ونفى مسؤوليتهم عن المبلغ الذي قال إنه ذهب إلى عدد من الجهات النقابية من وحدات وفرعيات وهيئة واتحاد ولائي، ولفت إلى أن شعبتهم نجحت في تحقيق عدد من الإنجازات للحرفيين بشرق النيل منها الاشتراك في التأمين الصحي وإبرام شراكة مع بنك الأسرة للتمويل بفائدة لا تتجاوز نسبة 12% وتمليك معدات وآليات من قبل إحدى الشركات، مجددًا تأكيده على أنهم مثل غيرهم في انتظار إعلان موعد القرعة للمنطقة الصناعية بالوادي الأخضر.
الوزارة وتحريك الملف
بعد أن استمعنا إلى إفادات الرئيس والأمين العام لفرعية الحرفيين بشرق النيل وتأكيدهما على أنهما مثلهم والآخرين في انتظار سحب القرعة وجزمهما بعدم معرفة أسباب تأخير تحول المنطقة الصناعية إلى الواقع، طرح ذات السؤال على رئيس الهيئة النقابية للحرفيين بولاية الخرطوم محمود عبد الرحيم، الذي أكد على أن الفرعيات بالمحليات ومنها شرق النيل أكملت كافة الإجراءات المتعلقة بالمناطق الصناعية، ويعترف بحدوث تأخير شاب الملف، وأرجع هذا الأمر إلى حدوث تغيير في وزارة التخطيط العمراني والبنية التحتية بالولاية بذهاب الوزير الذي كان يتولى الملف وتعيين بديل له، مؤكدًا على أن تصديق مناطق صناعية للحرفيين في مراحله النهائية، وأن الوزير الجديد تعرف على تفاصيل الفكرة والخطوات التي تم قطعها في هذا الإطار، ويتوقع تكوينه لجنة للانتهاء من هذا الملف خلال المرحلة المقبلة، ويرى أن هدفهم من المناطق الصناعية استقرار الحرفيين بالولاية الذين أكد على قدرتهم الكاملة حال توفرت لهم أسباب الاستقرار والنجاح أن يقدموا منتجاً يفوق المستورد على الأصعدة كافة، ويؤكد على أن هذا هو هدفهم الأول، وأنهم أيضاً يعملون على تأهيل وتدريب الحرفيين على أحدث التقنيات خاصة الحاسوب وذلك لمواكبة التطور التكنلوجي.
الصيحة.