السودان… جنوب آخر لهوية ناقصة..الاتهامات تجري هذه الأيام بين الطيب مصطفى وبعض قيادات نظام الإنقاذ.

محمد جميل أحمد

أثناء ترتيبات انفصال الجنوب، وفي صخب الاحتفالات التي صاحبت ذلك الحدث الذي افتتح أحوال العام 2011 في المنطقة العربية، كان ثمة من يهمس بأن ما حدث ليس كافيا في ذاته لحل مشكلات الشمال، وأن الأوهام التي أشاعها الانعزالي الطيب مصطفى (صاحب صحيفة الانتباهة) لن تصمد طويلا.

فما أشاعه (خال الرئيس البشير) من أن الشمال سينتهي من صداع الجنوب بمجرد انفصاله، عبر جدل رث ذي طبيعة عنصرية ، كان في واقع الأمر تعميما كاذبا وخداعا استند إلى مزاج شعبوي مفخخ بإعلام النظام الإنقاذي ودعاته الدينيين من أمثال (الكاروري) خطيب مسجد الشهيد الذي تبث خطبته كل جمعة عبر الفضائية السودانية منذ سنوات.

من همسوا بأن الحدث في ذاته ليس كافيا كانوا يدركون أن أسباب انفصال الجنوب لا تعود إلى تلك الأسباب الجوهرانية ؛ ففي السودان ثمة من يملك هوية زنجية صريحة، ومن ينتمي إلى المسيحية، في منطقة جنوب كردفان التابعة للشمال السياسي ؛ مثل بعض قبائل النوبة، ما يعني أن جنوبا آخر سيكون في الطريق بديلا للجنوب الذي انفصل، وللأسباب ذاتها التي تتصل بالمواطنة والحقوق.

وهكذا كان واضحا أن المأزق الأكبر إنما هو في الشمال وليس في الجنوب. ذلك أن الآيدلوجيا الإسلاموية للإنقاذ، فضلا عن طبيعيتها الإنسدادية النابذة لمفهوم المواطنة، ظلت باستمرار تستثمر تسويقا آخر في الخوف على اللغة العربية، صرفا للأنظار عن فشلها الذريع في تحقيق الوحدة. وذلك في مواجهة دعائية لمشروع د. جون قرنق للتدريس باللغات السودانية الراطنة وفق منهجية تضمن الخلاص من الفاقد التربوي والتعليمي في المناطق الراطنة، وهي مناطق تتوزع على جهات السودان الأربع، وتعيد بناء الكيانية الوطنية وفق أسس جديدة. لم تكن الخرطوم التي انشغلت بمثل هذا الخواف ــ بدلا من تفعيل اتفاقية نيفاشا بشجاعة ــ تستطيع الكف عن ضخ مثل هذه الدعاية الشعبوية عبر منبر الكراهية الذي يقوده الطيب مصطفى (خال الرئيس البشير) في إشارة إلى إستراتيجية واضحة مفادها : أن حيازة “الشريعة الإسلامية” وتطبيقها في مواجهة المسيحيين والعلمانيين يقتضي الدفاع عن اللغة العربية في وجه مشروع جون قرنق للغات الراطنة. هذه الدعاية عن أوهام الخوف على اللغة العربية خلقت من جهة أخرى أدلوجة شعبوية موازية في عموم معارضي نظام الإنقاذ من الشماليين لا سيما المعارضين الذين ينشطون في المنابر العامة مثل منبر (سودانيز أون لاين) على الانترنت، مما خلق عداء شعبويا للمكون العربي في الهوية السودانية. بيد أن ثمة مفاجأة كانت في طريق أولئك المعارضين الشعبويين ؛ حين صرح الدكتور منصور خالد في حوار صحافي، عندما سُئل عن طبيعة اللغة التي سيتحدث بها مواطنو دولة جنوب السودان بعد الانفصال، فأجاب : أن تلك اللغة ستكون اللغة العربية أو ما يعرف في السودان بـ(عربي جوبا) فكان لتصريحه هذا وقع الصدمة في نفوسهم.

وهنا تحديدا يمكننا أن نتأمل مأزق فوضى بناء الأمة في السودان. ذلك أن التناقضات التي تكشف عن نفسها في مثل هذه المواقف تحيل على ضرب من حالة انعدام الوزن في تمثـُّل السودانيين لأنفسهم وهويتهم، بصورة تخلق تشويشا كبيرا ينسحب على عناصر مؤسسة لتلك الهوية ؛ مثل اللغة العربية التي توطنت في السودان عبر صيرورة تاريخية لا علاقة لها بصناعة الآيدلوجيا التي يضخها نظام الإنقاذ في دفاعه المزعوم عن تلك اللغة.

وفي الاستجابة الشعبوية من قبل المعارضين لدعاية النظام بدعاية استنكارية من جنسها ما يكشف أيضا عن السطح الذي يمكن أن تصل إليه تلك التناقضات. ما قاله منصور خالد عن لغة الجنوبيين في دولتهم بتلك الطريقة التي كشفت عن تناقضات المأزق السوداني ، قال مثله أيضا الراحل جون قرنق عندما صرح : بأنه يؤمن أن الإسلام دين سوداني ومكون أصيل من مكونات الهوية السودانية، فكان لحديثه ذاك وقع المفاجأة على من (شيطنوه) من محازبي نظام الإنقاذ ممن أوحي إليهم أن دخول الحركة الشعبية في الحياة السياسية بالخرطوم، بعد نيفاشا، سيعني تهديدا للإسلام في السودان؟!

هكذا في غياب مثل هذه الحقائق الصلبة المتصلة بالهوية السودانية، شمالا وجنوبا، والتي صرح بها رموز كبار في الشمال والجنوب، ظل نظام الإنقاذ يستثمر الكراهية بآيدلوجيا شعبوية رثة عن الإسلام واللغة العربية، فوجد من يتصادى معه من موقع الجهل والخفة من معارضي الشمال.

وكم كان جون قرنق ساخرا ومحقا، حين سأله مذيع الـ ((bbc إبان الحرب المستعرة بالجنوب في تسعينات القرن الماضي : أن الحكومة السودانية تحشد شيوخ الدين الراكبين على صهوات الخيول لتأكيد حربها الإسلامية في مواجهة الحركة الشعبية ” المسيحية” فكان رده الساخر : أن أهم رموز الطائفتين الدينيتين في السودان (يقصد محمد عثمان الميرغني والصادق المهدي) يصطفان معه ضمن التجمع الوطني في تلك الحرب ! فكيف يمكنها أن تدعي تمثيل الإسلام ؟ واليوم حين تنازع حركات الهامش ذات الطبيعة الإثنية والمناطقية الحكومة المركزية على حيازة مفهوم السياسة والمعارضة معا، وتجعل الأحزاب السياسية معزولة وضعيفة، سيبدو لنا مدى الدمار الذي مارسه نظام الإنقاذ حين فرّغ الهوية الوطنية من معناها وأبدلها بهوية (المشروع الحضاري) ؛ هذا المشروع هو بذاته ما منع وسيمنع حدوث الربيع السوداني، وهو بذاته ما يفسر لنا الاتهامات التي تجري هذه الأيام في صحف الخرطوم بين الطيب مصطفى وبعض قيادات نظام الإنقاذ، بعد انفصال الجنوب، فضلا عن تجدد الحرب المستعرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق من أجل جنوب آخر.

[email][email protected][/email] ايلاف

تعليق واحد

  1. السودان القابل لان بعيش في المستقبل هو السودان الذي يقبل ويتسع للسودانيين على اختلاف هوياتهم اديانهم وثفافاتهم(السودان وطن يتسع لجميع ابناءه على اختلاف اديانهم وثقافاتهم والوانهم )

  2. انظر للصوره وانت تعرف غباء البشير حين وصف مالك عقار ب الثور وهذه مقتضفات كتبت علي عجل اعيدها هنا

    حكام الجنوب قد اثبتوا انهم مفاوضين من طراز رفيع
    1- اجبروا حكام الخرطوم علي التفاوض
    2-لقنوا الجيش السوداني درسأ
    3-كشفوا ضعف الجبهة الداخليه ومدي كره الشعب الشمالي للمتأسلمين
    4- اجبر حكام الخرطوم علي التعامل مع مواطني الجنوب بأدب وقد رأينا وسمعنا قلة الحياء وعدم الاحترام من صعاليك المتأسلمين و=اخوات مصيبه =
    5- كشفوا ضعف سياسات الخرطوم وخطل دبلوماسيتها
    بربك ما هو المنصب الذي يشغله الطيب مصطفي وخطباء المساجد الذين يصدرون الاوامر للمفاوضين وللجيش ولماذا يتحدث الطيب من علي الاجهزة الرسميه هل السودان مملكه ل أل البشير وما هذه المنظمات الخيريه لزوجات الرئيس من سند وام المؤمنين وهل هناك امهات للمؤمنين سوي زوجات الرسول (ص) ولما تصرف الميزانيات لهم من مال الدوله = لما لا تمول من تبرعاتهم واموالهم اليست هي جمعيات اهليه ام تتبع لوزارة من الوزارات وان كانت كذلك لما لا تخضع لوزارة الماليه ولماذا لها مراجع تجتمع معه زوجة الرئيس وما هي مؤهلاتها المحاسبيه
    لقد فاض الكيل بشعب السودان وشرفاء بلادي وهم يرون بلادهم تذل وتهان وتمزق وتقسم بواسطة التنظيم الاسلامي العالمي والذي اثبت بالعمل ان شعب السودان وبلاده في حساباتهم لا يستحق شرف الانسانيه ولقد كان الفرع السوداني من التنظيم العالمي خائن لشعبه وعليه ان يقوم بمحاسبة داخليه
    السلام ل ود هجو وود الهادي المهدي وان شاء الله قريبآ تعظيم سلام ل تورنا عقار
    تورنا مكين قرنو سنين حفر لو دفين ضبح سكين هجليج تشوين
    عقلية التكويش لا تفيد , للمواطنين قضايا عادله ولا تحتمل المساومه او المماطله .
    ان مالك عقار والي منتخب وللحلو اتباعه ولعرمان مؤيدوه = فلا تبخسوا الناس اشياءهم , واخيرآ اقول لمالك عقار الذي وصفه البشير ب التور فشكره من حيث لا يدري = للثور قيمة كبيره في المجتمعات السودانيه

    مهداه لشعوب بلادي وللحلو وعرمان وعقار
    في عهدك الظلوم يا بشير لم يعد لنا وطن به نستجير
    عهد العهر عهد اشباه الرجال مخصي الضمائر والمشاعر والعقول
    يحكمنا العيي ولا نثور يحكمنا السفيه ولا نثور تحكمنا انت يا عمر ولا نثور
    تبآ لنا تبآ لنا ان رضينا بحكمك يا مشير
    يرقص الجوع المذل يرقص الجهل المذل والخرطوم يلفها جورك يا مشير
    ومضي الجنوب
    مضي الجنوب ماهمك منه سوي ذهب يسيل يرفد خزائنك بالدراهم تبرآ وبترول
    ما همك الغابه احترقت ما همك بشر وجيران وامل وحلم في الضمائر والصدور
    حمل المشير عصاته وما ارتحل جاثم علي صدر البلاد يذيقها ذل وجور
    حمل المشير عصاته وما دري ان الحر حر بعقله ورغائب السلطان لهم قبور
    حمل المشير عصاته ولاسد الغاب ترتجف الثعالب وتزدان بهم الدهور
    لكم التجلات التحيات سود اسود
    لكم التحيات التجلات سود اسود

    نقول للبشير الهزيمه محمداك
    اب احمد
    احمد غائب شايب عايب سوي كتائب قادلو ثعالب كلو مثالب برم لو شوارب سوي مصائب للحق مجانب
    عرفتو منو
    هاك اشاره ودليل
    خطب لو كعوب ماها لعوب سمحه طيوب وزبرو خبوب كلو عيوب نفاها وقال اكيد ملعوب
    عرفتو منو
    تورنا مكين قرنو سنين حفر لو دفين ضبح سكين هجليج تشوين

  3. مدام القرون هذه علي رؤوسكم عمركم ما تتركوا الحروب والقرون هذه ربنا خلقها في الحيوان لا الانسان ما تفهمون الله يفتح بصيرتكم

  4. انا متأكد ان العرب فى دولهم يسالون انفسهم ( لغتنا و نحن ذاتنا تركناها ، ما هو سر تعلق و دفاع الزنوج عنها فى السودان). ان هذا المثلث لن تنقضى عجائبة!!!

  5. (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون )

  6. مقال متناسق بأسلوب أشبه بكتابات الكبار منصور خالد، عبد الله علي إبراهيم وحيدر إبراهيم. الأخ محمد جميل واصل تشخيص الأزمة السودانية من خلال منهج التحليل الثقافي.

  7. رد علي تقيل وريان يا شباب لو وضعنا لكم القرون ما اظن تقبلوا ولو خمس دقائق لذالك ما تقبلوها لغيركم ويا ريان انا ما متخلف الحمد لله متعلم اكثر منك اسكت بس من خلال تعليقك انا حمكت عليك بالنسبه للجلد نحن ما عندنا وما نحبه ربنا يهدي الجميع لاتباع الحق

  8. الناس سواسيه فى وطنهم . لا فضل لعربى على اعجمى الا بالتقوى .هذا هو الاسلام الاصلى . ومقياس التقوى ليس جهازا الكترونيا يملكه امير المؤمنين وهيئة علماء المسلمين ليدخلوا من يشاؤون فى رحمتهم. ستسقط سلطة الاخوان المسلمين والكهنه تجار الدين عنوة واقتدارا بايدى المهمشين والمضطهدين ..

  9. المصيبة الكبرى أن الإنقاذيين يدركون تماماًأن الراحل قرنق لم يكن ضد العروبة أو الإسلامو يدركون تماماً أن الجنوب سينفصل بل أن كان هذا هدفهم الأساسي بل أن خال الرئيس و في رد على الأستاذ وراق أكد بأنه يدري أن هو و إسرائيل يسعون لتحقيق نفس الهدف تقسيم السودان و راجعوا جريدة الصحافة
    أما السيد محمد و الذي يتفاخر بعلمه نقول له ما جدوى علم لم يمنعك من الإساءة للآخرين و السخرية من ثقافتهم و ما هو الجهاز او التجربة أو نوع القياس الذي أثبت لك أنك أكثر علماً من
    رtageelيان و

  10. الدكتور الراحل ,,جون قرن ,,اقوى واذكى شخصيه سياسيه سودانيه بعد,,, محمد احمد المحجوب,,, رحمها الله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..