نحو فقه جديد للحركة الاسلامية السودانية

(1) بعد رحيل الشيخ الترابي أشفق المشفقون علي مستقبل الحركة الاسلامية السودانية فغيابه عندهم ليس غياب مفكرها الأوحد وزعيمها التاريخي فحسب بل غياب الاداري والتنفيذي الأول والذي تجتمع عنده كل خيوطها وتدبيرها وخططها للحاضر والمستقبل ، وبرحيل الشيخ الترابي شمت الشامتون بحسبان ان رحيله يعني نهاية الحركة الاسلامية التي اقلقت مضاجع خصومها منذ ستينات القرن الماضي ، و رحيله عندهم يعني أنها فقدت بوصلتها وسحرها الخاص وطمأنينتها الداخلية و قدرتها علي استشراف المستقبل ، ورغم تباين المشاعر بين المشفقين والشامتين لكن كليهما ينتظران جثة الحركة الاسلامية علي اطراف النهر .

(2) اذا ارادت الحركة الاسلامية ان تُطمئن القلوب المشفقة الخائفة وتقتل فرحة القلوب الشامتة في مهدها ينبغي عليها ان تجدد منهجها وتصوراتها للمستقبل وذلك ليس صعباً فالحركة تتكئ علي ملامح للمستقبل رسمها شيخها الراحل و قد كان يقول في مجالسه الخاصة ولعله ايضاً كتبها في كتاباته انه يعمل علي برنامج وخطط تحفظ للحركة فعاليتها وسطوعها في الحياة العامة لثلاثة عقود قادمات .

(3) أول القضايا التي تحتاج الي فقه جديد ، وحدة الحركة الاسلامية ولعلها تمثل المدخل الاستراتيجي للحفاظ علي فعاليتها وتماسكها وقدرتها علي التفاعل الايجابي مع معطيات ومتغيرات المشهد العام ، ومقدرتها علي صد الترصد والتآمر الذي ما انفك يلازم مسيرتها منذ تأسيسها قبل اكثر من خمسين عاماً ، ولعل هذا المدخل ظل حاضراً في تفكير الشيخ الترابي يلازمه في سجنه وفي حريته وتبدي ظاهراً وبيناً في تسامحه وتساميه علي كل الابتلاءات التي حدثت له في عشرية الانقاذ الثانية ، ولعل المشاهد والمواقف الاخيرة في حياته تمثل عمق وفائه وتعهده وإيمانه بهذا المدخل الاستراتيجي لإعادة المسار المنفلت الي طريق الاستقامة .

(4) ما يزيد اطمئنان النفوس المشفقة ان خلف الشيخ الترابي من تلاميذه علي ذات المنهج ، فتصريحات الدكتور علي الحاج تقطع الطريق علي دعاة الثأر وإثارة المواجد القديمة واعادة تدوير الازمات ، ولعل عباراته الذكية دائماً ما تثير الجدل ، يطرحها علي قالب من البساطة والشعبية ، فما زالت الألسن رغم مضي السنوات الطويلة تلوك عبارته الشهيرة (خلوها مستورة ) و قبل ايام تحدث في برنامج تلفزيوني عن وحدة الاسلاميين وأطلق عبارة من ذات الطراز فقال الطيور علي اشكالها تقع ، وهذه العبارة تلخص باختصار ملامح المرحلة المقبلة وان كانت علي استحياء ، صحيح انه لم يمارس ذات الجراءة والشجاعة التي تمتع بها الشيخ الترابي والذي كان يمضي بكل ثقة ويقين الي غاياته بلا تردد ، ولكن لعل طبيعة المرحلة تقتضي هذا الارسال الطويل والإرسال الطويل في عالم كرة القدم يدل علي مهارات اقل ذكاء ويقين يلازمه الشك ، والحديث عن وحدة الاسلاميين يجب وضعه في سياقه الموضوعي بعيداً عن الحماس الأحمق كما يقول جورج اوريل ، وبعيداً عن توهمات البعض الذين يظنون ان وحدة الحركة الاسلامية مؤذية للوطن ، ولكن الصحيح ان وحدة الحركة احدي مظاهر تعافي الوطن .

(5) ثاني القضايا التي تحتاج الي فقه جديد ، القوالب والأشكال التنظيمية التي استندت اليها الحركة الاسلامية في نهضتها وريادتها وتفوقها علي خصومها والتي كانت تمثل يومها النموذج الاكثر مثالية ولكن اليوم مع تطورات الحياة وضيقها وسعتها وتمددها وزخمها اعتقد ان الحركة الاسلامية تحتاج الي فقه جديد في اشكالها وقوالبها التنظيمية ، و الفقه الجديد يجب عليه ان يوازن بين لملمة الشتات المنتشر في اصقاع الدنيا المنفتح علي العالم وربطه بمنظومة العمل الجماعي ، وبين الحاضر في الوطن المنفعل بقضايا الحركة والأكثر التصاقاً بواقعها المحلي ، كذلك يجب البحث عن اجابات لأسئلة جدلية ما زالت تلازم الحركة ، هل هي حزب سياسي تتضخم عنده قضايا السياسة ومطالب السلطان ، ام هي تنظيم يسعى الي احداث تغير اجتماعي وثقافي ، وكيف يمكن الموازنة والموائمة بين الحزب والتنظيم في ظل دولة يحكمها ويسود فيها القانون ، وكذلك يتسع المجال عن سؤال اخر هل تظل الحركة محض جماعة صفوية تحبس طاقاتها و وظائفها في ادعاء الهداية وتمارس الاستعلاء والوصاية علي الناس ، ام هي جماعة تسع كل الناس لا سيما وان الخطاب الاسلامي اصبح ليس حكراً علي صفوة الاسلاميين وهذه لعلها من عبقريات الحركة وتأثيرها فالنخبة والعامة اليوم اكثر تديناً والتزاماً بقيم الدين من اعضاء ملتزمين في صف الحركة الاسلامية .

(6) ثالث القضايا التي تحتاج الي فقه جديد ، افكار الحركة وأدبياتها فالحركة الاسلامية في ستينات وسبعينات القرن الماضي دفع مفكرها الشيخ الترابي بآراء وأفكار عالجت قضايا المجتمع حينها وطرحت فكراً مستنيراً حول قضايا المرأة والفن والعلاقة مع الاخر والديمقراطية والحريات ، ولعل تجديدات وأفكار الحركة حينها كانت اكثر مثالية في قراءة الواقع ، ولكن واقع اليوم تجاوز هذه الافكار القديمة رغم حيويتها ، ولعل مشكلات العصر تطورت وقضايا المجتمع اصبحت اكثر تعقيداً و هذا الواقع الجديد يفرض علي الحركة الاسلامية ان تخاطب هذه القضايا ويتطلب مخاض فكري ومعرفي جديد ، ولكن يظل السؤال حائراً كيف السبيل الي ذلك وكيف تنتج الحركة تصورات وأفكار جديدة والحركة تعاني من تضخم في وظائف الادارة والتنظيم والسياسة وجيوش من الموظفين يصدق فيهم قول شارل بودلير الموظفون جديرون بالاحترام لكنهم لن يكونوا في يوم من الايام رائعين .

(7) رابع القضايا التي تحتاج الي فقه جديد ، عالمية الحركة فقد تميزت الحركة الاسلامية بأنها كانت فصلاً نموذجياً للحركات الاسلامية وأنها كانت هادية وملهمة في نسقها التنظيمي واطروحاتها الفكرية و بلا شك ان ذلك بفضل قائدها التاريخي الشيخ الترابي ، صحيح ان هذا الالهام انحسر بعد تجربتها في الحكم والسلطان ولكنها لم تغيب عن مركز الصدارة المتأخر حتي وهي في اضعف حالاتها فكانت تجربتها عظة ، وكذلك يظل هنالك سؤال بلا اجابة كيف يمكن لها الصعود من جديد واستعادة الالهام القديم والعالمية التي اكتسبتها في سنوات ماضيات ويتفرع عن ذلك سؤال هل تملك الحركة الاسلامية السودانية اليوم مقومات الصعود الحضاري وهل يمكن ان تنتج افكاراً و رؤى وتصورات تعالج قضايا العالم الاسلامي المعقدة ، ام انه من الافضل لها ان تنكفئ علي ذاتها وتظل في بياتها الشتوي تعالج عوارها الذي افقدها الريادة والصدارة وعموماً اذا ارادت الحركة السودانية دوراً يتجاوز سور الجغرافيا ويستعيد عبق التاريخ فيجب عليها ان تتخلص من احمالها التي علي ظهرها كما يقول تولستوي انك لا تستطيع ان تفعل شيئاً جيداً بأيديك وأنت تحمل علي ظهرك احمالاً ثقيلة .

(8) خامس القضايا التي تحتاج الي فقه جديد ، اهتمام الحركة بالقضايا الانسانية ، فالحركة الاسلامية اهتمت بالدستور والسياقات القانونية وجعلت منها محوراً لاهتماماتها ورؤية لها في حل قضايا السودان والناس ولعل انتماء الشيخ الترابي الي المجال القانوني طبع مسيرتها بهذا الطابع القانوني ، وضعفت عندها الجوانب الفلسفية الاخري المتصلة بالشعور الانساني و المتعلقة بمعالجة قضايا الفقر والإشكالات والظواهر الاقتصادية والاجتماعية ولعل هذه من الحقائق التي لا تستحق المشنقة كما يقول البير كامو بل تستحق التأمل والسعي الي جعلها جزء من منظومة التفكير عند الحركة الاسلامية في المستقبل .

علي عثمان علي سليمان
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لن تصنع من الفسيخ شربات يا علي عثمان علي سليمان و لن ينسى العالم جرائم الإسلامويين بشقيهم و لن ينجح الفكر البائس أبدا فقد انتج أفضل ما عنده خلال 27 عاما فكانت الحروب و الإبادات لمليونين في الجنوب و نصف مليون في دارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق و بيوت الأشباح و شهداء أمري و كجبار و بورسودان و صبية العيلفون و انتفاضة 2013 و بالأمس شهداء الحركة الطلابية ، لن ينسى شعبنا جرائم الإسلاميين أبدا … أما النهب و الفساد فحدث و لا حرج تشهد به القصور و الكروش و الفقر الذي حاق بشعبنا … الفكر الظلامي البائس لن ينتج إلا الخراب و الخراب فقط … قال الفكر الإسلامي قال … قوم لف .

  2. لست ادري عن اي اسلام يتحدث هذا الكاتب؟ ما تسمي بالحركه الاسلاميه في السودان ليست لها ايه علاقه بالاسلام.. هذه الحركه لا تؤمن بحق الاخرين في اي شء حتي حق الحياه حرمت من ملايين من الشعب السوداني.. يا اخي قبل ما تكتب عنها انظر الي ما اوصلتنا اليه هذه المجموعه بالله تأمل على الاوضاع في السودا: كلها حروب و قتل و دمار و فساد و جوع و عطش و معسكرات و نزوح و اغتصاب بالله عليك اي هذه الموبقات تشبه الاسلام؟ عنصريه و ظلم و تفرقه و زرع الفتن … انهم يقتلون شعبهم رجال و نساء و اطفال و عجزه بالرصاص و بالحرق بالنار و بالجوع بالله عليك اي فصل من فصول الاسلام يبيح هذه الاشياء؟؟ كيف تفكرون؟ اين تربيتم؟ من انتم؟ من اين اتيتم؟ اعلم اجابه واحده فقط … هؤلاء ليسوا سودانيون و لا يشبهونهم.. حسبنا الله و نعم الوكيل!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..