مقالات وآراء سياسية

السودان الجديد.. (الديجيتال)!ا

حديث المدينة

السودان الجديد.. (الديجيتال)!!

عثمان ميرغني

في يوم مزدحم بالعمل أمس.. شاركت في حدثين مهمين يعكسان صورة من المستقبل القريب المنظور لهذه البلاد.. الأول كان ورشة عمل أقامها المركز القومي للمعلومات.. في مقره بأطول برج (حتى إشعار آخر) برج الاتصالات الواقع على أجمل منحى في خاصرة النيل الأزرق بالخرطوم.. والثاني بفندق السلام روتانا الذي أصبح منصة تدشين وإطلاق المنتجات والمشاريع الجديدة.. تدشين بنك التنمية التعاوني الإسلامي لحزمة من خدماته المصرفية الجديدة التي تتم عن طريق الموبايل أو الإنترنت.. الرابط بين الحدثين.. وهما ورشة المركز القومي للمعلومات التي كانت عن السياسات والمعايير والمواصفات القياسية للبرمجيات في السودان.. وإطلاق بنك التنمية لمنظومته الإلكترونية. إنهما يعكسان النقطة الفاصلة في (السودان الجديد).. السودان الرقمي.. واحدة من أكبر محبطات القادم في بلادنا.. (فوبيا التنكلوجيا).. الإحساس المُر عند كثير من متخذي القرار أن (القلم أصدق أنباء من الكمبيوتر).. وأن حضارة الافتراضي محض خيال يصلح للتشدق به في المؤتمرات والمناسبات السعيدة مع تجنب الاعتماد أو العويل عليه.. (أبعد من الشر وغنيلو).. ولهذا كانت المؤسسات العامة ـ وربما الخاصة أيضًا ـ تحتشد بأحدث أجهزة الكمبيوتر لكن لاستخدام السكرتيرات لطباعة الخطابات.. وتزيجة الوقت بـ(سولتير).. السودان ـ الآن ـ دولة متقدمة ـ جداً ـ في قطاع الاتصالات.. الذي يوفر بنية تحتية مناسبة لثورة في الخدمات الإكترونية التي تجعل كل أجهزة الدولة قادرة على التعامل السريع مع الجمهور ودون الحاجة للانتقال إليها بالجسم.. إسراء بالروح لا بالجسد.. وفي تقديري أن الشهور القليلة القادمة ستشهد ثورة رقمية كبرى في السودان بعد أن بدأت فوبيا التنكلوجيا تتوارى خلف التطبيقات الحديثة التي بدأت تنتشر في المؤسسات العامة والخاصة.. وبصراحة.. حتى الأبراج الفخمة التي بدأت تطل بأعناقها في الخرطوم.. خاصة تلك التي في مقرن النيلين ( برج بترودار ـ وبرج شركة النيل الكبرى) ومعهما طبعًا برج الاتصالات.. مثل هذه البيئة الجدية تساهم في إحداث نقلة (الخيال).. الموظف المحبوس بين أطلال مباني بالية. كما هو الحال في معظم مكاتب االدولة.. لا يمكن أن ينجب خياله أكثر مما قاله الشاعر العربي (أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قراع الخطوب).. فأمر الخليفة أن تقام له دار جميلة على شاطئ دجلة وبعد عام أبدع قصيدته التي صارت من عيون الشعر العربي (عـيون الـمها بين الرصافة والجسر.. جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري). والموظف الذي يعمل في بيئة عصرية متقدمة ينفتح خياله وإبداعه على أقصى فضاء متاح.. تمامًا مثل اللافتة الرائعة التي قرأتها على بوابة إحدى المدن الصناعية في كوريا الجنوبية مكتوب عليها: (Limited resources.. Unlimited creativity ) وترجمتها ( موارد محدودة.. إبداع غير محدود).. وفعلاً كرويا بلد شحيح الإمكانات والموارد.. وكنا أفضل منها حاليًا حتى منتصف الستينيات.. لكنها اليوم طارت (بالإبداع) إلى سماء شاهقة.. ليس أقل من أن سياراتها تملأ شوارع الخرطوم..

التيار

تعليق واحد

  1. والله لم أرى وصفا دقيقا كما وصفك للسودان الذي فعلا يعج باحدث ما توصلت له التكنولوجيا ولكن الناج صفر كبير. وسوف أعطيك مثال بالمجان وهو بنك السودان.
    لم أرى أفشل منه بنك على وجه البسيطة في كل شيء تخيل بنك مركزي يصبح مكشوفا تماما وليس لديه الحد الأدنى من الاحتياطي بالنقد الأجنبي بمجرد إنخفاض سعر البترول ناهيك عندما ينفصل الجنوب وينقطع هذا الشريان. أنظر للأردن بلد ليس لديه أي موارد ولكن فليسأل محافظ بنكنا المركزي لكم لديه من الاحتياطيات بالعلمة الصعبة؟؟؟؟

  2. ذكرني مقالك بمكاتب ديوان شئون الخدمة التي تقبع في عمارة قديمة غاية في الاتساخ في السوق العربي و لا يوجد بها اي جهاز كمبيوتر حتي للطباعة و يضطر المتعامل للنزول من الدور الرابع لطباعة خطاب رسمي صادر من الديوان بمحل طباعة خاص في السوق العربي ثم يرفعه مرة اخري للتوقيع و الختم!

  3. ليس شرطا أن يعيد التاريخ نفسه و نترسم خطي كوريا, و لكن لنسأل : لماذا تقدمت سوريا و تخلف السودان؟ رغم أنها كانت في حالة أسوأ من بلادنا, و كانت حالتها ميئوس منها Basket case?

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..