مقالات سياسية

نساء كادوقلي… يصرخن من الجوع فيعتقلهن العسكر!

✍ حسن عبد الرضي الشيخ

في مشهد يُدمي القلوب، ويكشف عن وجه قبيح للسلطة حين تتوحش، اعتقلت قوات الجيش في مدينة كادوقلي، حاضرة ولاية جنوب كردفان، عددًا من النساء، فقط لأنهن قلن الحقيقة: إن الجوع قد حصد أرواح أطفالهن، وإن المدينة باتت تختنق بين فكّي المجاعة والقهر.

لم يحملن سلاحًا، لم يحرضن على العنف، لم يطلبن شيئًا مستحيلاً؛ فقط أردن أن يعشن، أن يُطعمن أبناءهن، أن يُطالبن بكسرة خبز وجرعة ماء. لكن بدلًا من أن يقاسمهن الجيش الوطني – إن كان وطنيًا حقًا – اللقمة والدمعة، قابلهن بالقمع والقيود، واعتقل صوتهن قبل أن يعتقل أجسادهن.

نساء كادوقلي لم يخرجن إلا بعد أن بلغ بهن الحزن مبلغه، وعضّهن الجوع، ولم يجدن سوى الشارع وسيلةً أخيرةً للنجاة. فهل أصبح الصمت هو الثمن الجديد للعيش؟ وهل تُصبح شكوى الأم من جوع ابنها جريمةً يُعاقب عليها القانون العسكري؟

اعتقال النساء… هو اعتقال لصوت كادوقلي الجائع، لكل أم صرخت من ألم القهر، ولكل شعبٍ صابرٍ نطق أخيرًا بما لا يُقال.

الأحداث في كادوقلي خرجت عن السيطرة، وبدأت بانفجار مروّع في سوق المدينة، حين أطلق جندي من الفرقة (١٤) الرصاص في الهواء قائلًا للمواطنين: “شيلوا حاجاتكم رجالة!”، وهنا بدأت الشرارة. المواطنين، مدفوعين بالجوع والقهر، أخذوا بعض المواد الغذائية، قبل أن تتدخّل الشرطة العسكرية وقوات مليشيا “المطوة” المكلّفة بحراسة السوق، وتبدأ حملة قمعٍ عشوائي.

لكن القصة لم تنتهِ هنا، بل تحولت كادوقلي إلى ساحة صراع بين قوتين: قوة الجيش التي تحتكر السلع وتُجَوّع الناس، وقوة أخرى من داخل المؤسسة نفسها، جنودٌ رفضوا السكوت على الجوع، وقرروا كسر السوق بالقوة. تم نهب بعض المخازن، وفُتحت بعض المتاجر بالقوة، وسط حالة من الغليان الشعبي، ووسط توتر بين الجنود أنفسهم.

قُتل الطفل مصعب عبدالحليم لادو برصاصةٍ طائشة، وأُصيب تسعة آخرون بينهم نساء وأطفال، نُقلوا إلى مستشفى كادوقلي. ومع كل هذا، لم تظهر أي جهة حكومية لتتحمّل مسؤوليتها، بل تم حظر الإنترنت و”ستارلينك”، ومنع التصوير، وصودرت الهواتف، في محاولة لتعتيم الجريمة.

هل هذه هي الوطنية؟!

الحكومة التي تعتقل نساءً يتضوّرن جوعًا؟!
الجيش الذي يحتكر الذرة والقمح، ثم يُطلق الرصاص على الجياع؟!
الجيش الذي يصادر الصراخ، ويمنع التوثيق، ويعلن الحرب على الفقراء؟!

نقولها بوضوح:

ما حدث في كادوقلي ليس حادثًا عابرًا، بل جريمةٌ متكاملة ضد نساء مظلومات، وضد مدينةٍ اختنقت بالجوع، وأطفالٍ ماتوا وهم ينتظرون قطعة خبز.

إننا نُدين هذه الانتهاكات البشعة، ونُحمّل السلطة العسكرية المسؤولية الكاملة عن كل روحٍ أُزهقت، وكل امرأةٍ أُهينت، وكل جائعٍ اعتُقل لأنّه جائع.

كادوقلي ليست وحدها، ونساء الجبال لن يُهزمن، فهنّ صوت هذا الوطن حين يصمت الجميع.

وإن كان في هذا البلد ما تبقّى من ضمير، فليُحاكم من جاع شعبه، لا من صرخ من الجوع.
وليعلم الطغاة أن الصوت أقوى من الرصاصة، وأن كادوقلي – رغم الجوع والظلام – ستُضيء هذه البلاد بنساءٍ قلن: لا للجوع… لا للخنوع.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..