مقالات سياسية

قراءة في كتاب (المهدية والحبشة) –(1)‏

د. محمد عبد الله الحسين

مدخل‎:‎

هذه قراءة عامة لكتاب “المهدية والحبشة”، تم نشر الكتاب قبل حوالي ثلاثة عقود مضت، إلا أنه لا ‏يزال مصدر مهم للمعلومات حول تاريخ ذلك النزاع القديم المتجدد.  يتناول الكتاب بالعرض ‏والتحليل فترة النزاع المسلح بين السودان والحبشة، والذي جرت في أواخر التاسع عشر. وهو كتاب ‏مهم من حيث تناوله للجو السياسي العام أثناء الحرب بجانب تناوله للجانب العسكري وللتاريخ ‏الاجتماعي لمنطقة النزاع. اعتمد الكتاب في تحليله على المصادر الأولية المتمثلة في الرسائل ‏المتبادلة بين الخليفة والمسئولين والقادة المحليين. ‏

تتضمن هذه القراءة تقدمة تعريفية موجزة عن الكتاب وملخصاً لأهم محتوياته، وتعليقا ختاميا حول ‏أهم ما يستخلص من الكتاب. ‏

معلومات عن الكتاب‎:‎

‏*عنوان الكتاب :(المهدية والحبشة: دراسة في السياسة الداخلية الخارجية لدولة المهدية-1881-‏‏1898).‏

‏* المؤلف: د. محمد سعيد القدال.‏

‏*دار النشر: مطبعة دار الجيل، بيروت: الطبعة الثانية، 1412 ه/1992م.‏

محتويات الكتاب:‏

‏-المقدمة

‏-الفصل الأول: المهدي وانتصارات الثورة 1881-1885‏

‏-الفصل الثاني: الفترة الأولى من حكم الخليفة: يونيو 1885-يناير 1888‏

‏-الفصل الثالث: حمدان أبوعنجة والحبشة 1887 -1889‏

‏-الفصل الرابع: القضارف-القلابات بين الزاكي طمل وأحمد علي

‏-الفصل الخامس: أحمد فضيل ونهاية دولة المهدية 1894-1899.‏

‏-المصادر.‏

ملخص لأهم ما ورد في الكتاب:‏

الموضوع الرئيسي للكتاب هو موضوع الحرب والتوترات الحدودية التي وقعت بين السودان ‏والحبشة خلال الفترة بين(19881-1898)، وذلك قُبَيل ‏بضعَ سنواتٍ من سقوط دولة المهدية‎. ‎‏ ‏يتناول الكتاب بشكل رئيسي الأوضاع العسكرية والسياسية والإدارية مقرونة بالعوامل الداخلية التي ‏كان لها تأثيرها على ذلك النزاع باعتبار أن السياسة الخارجية لأي دولة هي انعكاس للأوضاع ‏الداخلية. في المقابل تعتبر فكرة الجهاد ونشر الدعوة هي الأساس العام التي اعتمدت عليها المهدية ‏كاستراتيجية عامة للدولة.‏

كان العامل الحاسم في إشعال فتيلة الحرب من جانب الحكومة السودانية هو سماح الحبشة للجيش ‏المصري التركي المنهزم للانسحاب عن طريق الحبشة لاستحالة انسحابه من خلال السودان. ‏بالتالي اعتبر الخليفة هذه الخطوة من الحبشة بمثابة انتقال إلى خانة العدو للسودان حالَّة بذلك محل ‏الجيش التركي المصري.‏

بالإضافة لما سبق كانت الحرب فرصة للخليفة للخروج من أزماته الداخلية الجزيرة في ظل شبح ‏المجاعة التي كانت تعاني منها البلاد، ‏ وكذلك رغبته في شغل الجيوش بالحروب للحصول على ‏الغنائم كمصدر لإعاشة الجيش في ظل تلك الظروف الاقتصادية السيئة التي كانت سائدة وقتئذ. ‏

من ناحية أخرى يقدم الكتاب بجانب تفاصيل الوقائع والتطورات لعسكرية جانب مهم، وهو جانب ‏التاريخ الاجتماعي للمنطقة. حيث يقدم الكتاب بروفايل متكامل للمنطقة يشمل الديموغرافيا بما فيها ‏التعدد الاثني والقبلي والتفاعل والتداخل الاجتماعي والاقتصادي والتجاري بين السكان المحليين ‏وبين السكان عبر حدود البلدين. وكان من الطبيعي أن تؤدي هذا التداخلات والتشابكات بين ‏المكونات السكانية المختلفة إلى تعقيدات أثرت على مجريات الحرب. كان من بين تلك التعقيدات ‏بالإضافة إلى تضارب المصالح التجارية بين بعض المكونات كانت هناك تقاطعات الانتماءات ‏المذهبية والدينية العابرة للحدود. كان من أبرز تلك التقاطعات انحياز بعض المكونات ‏القبلية/الإثنية في كل البلدين لدعم الجيش في البلد الآخر. على سبيل المثال من أبرز الأمثلة على ‏تلك التقاطعات أو التشابكات انخراط ودعم بعض المكونات القبلية في كلا البلدين في الحرب مع ‏الدولة المعادية. مكان من أبرز الأمثلة على ذلك انخراط (الجبرتة) المسلمون وهم مواطنون أثيوبيون ‏في الحرب مع الأنصار وضد جيشهم. وفي الناحية المقابلة نجد كذلك انخراط بعض القبائل ‏السودانية مثل (الضبانية) و(الشكرية) و(التكارير) في الحرب مع الحبشة ضد جيش الأنصار. وفي ‏هذه النقطة لابد من الإشارة إلى الدور المؤثر الذي لعبه التكارير الذين هم أصلا لا ينتمون للمنطقة ‏بشكل جوهري. فقد لعب التكارير الدور الرئيسي في النشاط التجاري بين البلدين، كما لعبوا أدواراً ‏محورية في الحرب مع الحبشة ضد السودان.‏

أبرز الكتاب بعض العوامل كان لها تأثير سلبي على الظروف المصاحبة للحرب وعلى سير ‏العمليات العسكرية، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:‏

‏1-استشراء الروح القبلية والنزعة العشائرية لدى الحكم على كل المستويات. وبالتالي كان ‏الاعتماد دائما على تفضيل أهل الثقة على أهل الكفاءة. فيما يتعلق بهذا الجانب لم يخرج ‏اختيار القادة والمسئولين المحليين في المنطقة الشرقية (منطقة النزاع المسلح) عن هذا الخط. ‏وقد كانت نتيجة ذلك حدوث المنازعات بين عمال الخليفة في المنطقة، واستشراء الفساد ‏بينهم، والاهتمام بالمكاسب الشخصية والحصول على الغنائم مما أثر على الأداء خلال ‏فترات الحرب.   ‏

‏2-هناك جانب آخر كان له تأثير كبير وهو عدم الثقة والعداء المتبادل بين الحكومة وبعض ‏القبائل المحلية ‏لدرجة انضمام بعض قادة تلك القبائل للحرب مع العدو ضد الدولة.‏

‏3-أدى جلب الخليفة لاستدعاء أفراد قبيلته والعشائر الموالية له من غرب السودان، وتركهم ‏الزراعة إلى حدوث مجاعة في البلاد، والتي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد في البلاد بشكل ‏عام وعلى استقرار الجبهة الداخلية، وعلى الأداء الحربي.‏

‏4-أدى حدوث سلسلة من الإخفاقات في اتخاذ القرارات الإدارية والعسكرية والذي ترافق معها ‏وقوع الغزو الإيطالي في شرق السودان إلى ضعف وانسحاب الجيش. وفي تلك الأثناء بدأ ‏الخليفة لسحب الجيش من الحدود الشرقية لمواجهة بالغزو الإنجليزي الذي بدأ بالدخول في ‏شمال البلاد والذي كان منت نتيجته سقوط حكم المهدية.‏

 

استخلاص وتعليق:‏

كمدخل للتعليق على الكتاب لابد من الإشارة إلى أن مراجعة كتب التاريخ أو إعادة قراءاتها تعني ‏فتح المجال وتوسعة مجال الرؤية لمزيد من الفهم والتأويل.  ويساعد ذلك بشكل مباشر أو غير ‏مباشر على ملء الفجوات التي ربما يكون قد أغفلها السرد التاريخي. ويكون ذلك مهما ومطلوبا ‏بالنسبة للأحداث التاريخية ذات التأثيرات الكبرى في تاريخ الأمم (نصرا أو هزيمة) فإنها تظل ماثلة ‏في الذاكرة الجمعية للأمة، وبظلالها على الحاضر مهما تطاول الأمد. وبالتالي يظل التاريخ نصا ‏سرديا مفتوحا، وقابلا لإعادة التفسير والتأويل بشكل مستمر. ومن هنا نشير لأهمية قراءة وإعادة ‏قراءة تاريخ المنطقة السياسي والاقتصادي والاجتماعي.  وفي نفس السياق يعنبر لفتاً للنظر الكتاب ‏لأهمية هذه الجوانب في إطار العلاقات مع الجبشة. حيث أنه رغم تقلبات الدهر، وتقلبات السياسة ‏والظروف فالدولتان ترتبطان عبر التاريخ بالكثير من ‏الأواصر، والتي ‏ليست وقفا على علاقات ‏الجوار الجغرافي والجيرة فقط. بل تمتد لتشمل وشائج التصاهر والدم والنسب والتداخلات ‏الاجتماعية و ‏التجارية والاقتصادية. كذلك فإن الأحداث ‏والتوترات الحدودية بين البلدين التي ‏يسردها الكتاب تستبطن صورة لسمة قديمة ضمن ‏سلسلة من ‏الصراعات تتكرر في كثير من فترات ‏التاريخ القديم والحديث رغم تقلبات الدهر، والسياسة والظروف ت فالدولتان ترتبطان عبر التاريخ ‏بالكثير من ‏الأواصر، والتي ليست وقفا على علاقات الجوار الجغرافي والجيرة فقط. بل تمتد لتشمل ‏وشائج التصاهر والدم والنسب والتفاعل والتداخل الاجتماعي وتبادل المصالح ‏التجارية والاقتصادية. ‏بل تمتد لتشمل علما أن الأحداث والتوترات الحدودية بين البلدين التي يسردها الكتاب تستبطن ‏صورة لسمة قديمة ضمن ‏سلسلة من الصراعات تتكرر في كثير من فترات التاريخ القديم والحديث ‏. ‏وللصدف الغريبة أن يتكرر عند كتابة هذا المقال ولكأنه يؤكد مقولة ” التاريخ يعيد نفسه”.‏

‏‏ من الجوانب الإيجابية لهذا الكتاب هو أنه على المصادر الأولية المتمثلة في الرسائل الرسمية ‏المتبادلة بين رأس الدولة في ‏ذلك الوقت ومساعديه، الشيء الذي أعطى للتحليل بعدا واقعياً وقيمة ‏توثيقية مهمة.‏

كذلك قدم الكتاب وصفا كافيا ‏للعلاقات بين الاجتماعية بين القبائل المحلية المختلفة، وأوضح ‏علاقاتها المضطربة مع السلطة الحاكمة ‏والتي ألقت بظلالها الكثيفة على سير المعارك. علماً أن ‏هذا الجانب بالإضافة لبعض العوامل الأخرى كان لها تأثيرا كبيرا تجاوز موضوع ‏الحرب إلى الحكم، ‏وسيادة وأمن السودان نفسه.‏

‏ من ناحية أخرى هناك جانب آخر مهم وهو أن الكتاب تضمن بعض المقتطفات من الرسائل ‏الرسمية المتبادلة بين الخليفة وعماله. حيث تكشف تلك الرسائل عن جوانب من جوانب السالبة ‏تتعلق ببنية المجتمع ودرجة تماسكه في ذلك الوقت. فقد اشتملت تلك الاقتباسات صورة نابضة ‏وواقعية لبعض الجوانب السالبة التي يرجع بعضها لأسلوب الحكم نفسه واعتماده على الفرز القبلي ‏والجهوي. وفي نفس السياق تشمل تلك تشير تلك الاقتباسات من خلال الأوصاف والنعوت إلى ‏صورة من التصورات والانطباعات السالبة والتحيزات القبلية/ الإثنية المجحفة التي تتبدى من رأس ‏الدولة والمسئولين.‏

فلا مشاحة إذن والحال كان كما وصف الكتاب وأشرنا إليه، فإن ذلك وما تشير إليه الانحيازات ‏القبلية والعشائرية تشي بضعف الوعي بالهوية الوطنية، وغياب رؤية قومية تتجاوز الانحيازات ‏القبلية والعشائرية الهوية الوطنية الجامعة على مستوى الحكم على الأقل، والتي لم تسلم منها حتى ‏القرارات الخطيرة التي تمس أمن وسيادة البلاد وكان لها بالتالي نتائجها الوخيمة. ‏

سأتناول هذه الجزئية الأخيرة وموضوع الهوية القومية في الجزء الثاني من الموضوع‎. ‎

 

[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..