قراءة مختلفة لبيان قائد الجنجويد

عماد خليفة، كاليفورنيا
حْظي البيان الصحفي لقائد ثاني الانقلاب وقائد الجنجويد حميدتي الذي نْشر قبل يومين بتحليلات وقراءات كثيرة ومختلفة من المراقبين والمحللين والمهتمين بالشأن السوداني.
الملاحظة السريعة الأولى التي يخرج بها القارئ من هذا البيان هي الغموض والضبابية و(مسك العصا من النصف) في الكثير من فقراته، والثانية أن البيان جاء مكتوبا وأكثر انتظاما وتماسكا من خطاباته وبياناته وتصريحاته الكثيرة السابقة والمثيرة للجدل في معظم الأحيان حتى قبل اعتلائه المشهد السياسي السوداني.
صيغة ولغة البيان يدلان على تعرض الرجل لضغوط شديدة، وأنه بات خائفا يخشى مصيره المجهول ومستقبله المظلم حال سقوط هذا الانقلاب الذي بات وشيكاً. كذلك يخشى حميدتي مصير ثرواته الهائلة ومجده الزائف وإمبراطوريته التي بناها بنهب خيرات وثروات الشعب السوداني.
فشبح العقوبات التي وعدت بها الإدارة الأمريكية والدول الغربية على قادة الانقلاب تطارده في حله وترحاله. لأنه حال إصدارها سيترتب عليها تجميد كل الأموال والممتلكات الخاصة بالدعم السريع وقادته. وبالتالي سقوط هذه الإمبراطورية والسطوة التي يمثل المال أحد ركائزها الأساسية.
ثانيا يخشى قائد الجنجويد من أن التغيير القادم سيبعده وقائده البرهان عن المشهد، وهذا يقود إلى فك الارتباط بين قواته ومؤسسة الرئاسة التي ظلت ترعى قوات الدعم السريع منذ بواكير تكوينها الأولي وتقوم بحمايتها، دعمها، وتغذيتها بصورة مباشرة أشبه بالمشيمة التي تغذي الجنين داخل الرحم، فحدوث أي انفصال بينهما يؤدي حتما إلى وفاة الجنين، لا سيما وقد بذل الرجل جهدا خارقا لجعلها كارتيلاً خاصاً بآل دقلو يستطيعوا من خلاله السيطرة على ثروات الكثير من دول إفريقيا جنوب الصحراء المنهكة بالصراعات القبلية والعرقية.
حاول حميدتي في خطابه التذاكي ومحاولة إيجاد مدخلا للإعتذار لأهالي دارفور، وذلك بالتنصل عن أي مسؤولية عما لحق بها من خراب ودمار. إذ أبدى الرجل دهشته البريئة من حجم الدمار والخراب الذي ألحقته الحروب بدارفور، وكأنه يراه لأول مرة! من الذي ساهم في هذا الدمار والخراب وفي خلق هذه المآسي إبتداءً؟ أليست هي قوات الجنجويد وبقيادته هو شخصيا؟
يْقرأ هذا الاعتذار المْبطن مع نية الرجل في جعل دارفور ملجأً آمناً له ولقواته إذا ضاقت بهم العاصمة. وقد مهد لذلك بإعتكافه وإقامته بمدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور منذ يونيو الماضي، والتي صرح بأنها قد تطول حتى يعم الأمن والسلام والاستقرار كل ربوع دارفور.
قوات الدعم السريع وبطبيعة تكوينها القبلي تم تأسيسها لأسباب معلومة، وهي المساعدة في قمع الحركات المسلحة في دارفور، أُطلق لها العنان تماما في التجنيد والقتل والحرق والاغتصاب دون رقيب أو حسيب حتى فاقت سطوتها وقوتها سطوة وقوة القوات المسلحة في الإقليم المضطرب. حاول المخلوع البشير في أواخر سنين نظامه المقبور ضبط تفلتات هذه القوات بتقنين وجودها وتكييف وضعها الدستوري والقانوني عن طريق برلمانه المزيف الذي (نجر) قانونا خاصا يْلحق تبعيتها للقوات المسلحة. إلا أنها في الحقيقة لا علاقة لها بالقوات المسلحة وكل الشواهد والأحداث تُثبت ذلك، وقد ورد في البيان وبدون وعي من كاتبه. بأنه (أي حميدتي) سيعمل مع الجيش السوداني لإصلاح المنظومة الأمنية، مما يؤكد ان قواته تعمل لوحدها دون تنسيق او ترتيب مع الجيش السوداني وكأنها قوات دولة صديقة.
طبيعة هذه القوات (المليشاوية) تجعل من الصعوبة بمكان ضبطها او تقييد حركتها ولجمها بقانون. فإذا ما تم فك علاقتها وإرتباطها بمؤسسة الرئاسة، ستتبخر قوتها وهيبتها في الهواء، وبالتالي لا تستطيع مواجهة أي قوات نظامية أو حتى غير نظامية أخرى، لأنها تفتقر للعقيدة القتالية لأن معظم منسوبيها يعملون من أجل المال فقط، لذا سيتخلون عنها مباشرة عقب نفاد الأموال أو الشعور بعدم الأمان بفقدان الحماية الرئاسية الخاصة، والتي سيترتب عليها بالضرورة الخضوع للمساءلة القانونية والمحاكمة عن الجرائم التي إرتكبها هؤلاء الجنود في دارفور وفي عدد من الولايات الأخرى.
حوى البيان في مجمله تنازلات أكبر من التي قدمها قائد الانقلاب في خطاب الرابع من يوليو، إذ كان أوضح فيما يلي خروج المؤسسة العسكرية عن العمل السياسي، وكذلك في تحديد القوى السياسية المنوط بها الجلوس للحوار وتشكيل هياكل السلطة الانتقالية التي حددها البيان وسماها بالقوى الثورية والوطنية. خلى بيان حميدتي من أي إشارة لمجلس الآمن والدفاع الذي ورد في خطاب البرهان وثار حوله لغطاً كبيراً، ويمكن تفسير ذلك بأن حميدتي تعمد إغفاله حتى يتفادى سهام النقد التي وْجهت له من كل القوى السياسية، ويظهر الرجل بأنه يتماشى مع مطالب القوى السياسية الرافضة للانقلاب.
ذكر قائد الجنجويد ولأول مرة في هذا البيان وبصورة مباشرة عن ضرورة تكوين جيش قومي واحد. السؤال الذي لم يجب عليه البيان، هو هل قوات الجنجويد ستْدمج هي الأخرى لتكون جزءً من هذا الجيش الوطني، أم ستظل كما هي خاصة بآل دقل، لا مجال لدمجها مع القوات المسلحة (السودانية) لانها قوات كبيرة العدد بها كل الوحدات، وأْنشأت بقانون خاص عن طريق مجلس تشريعي منتخب كما درج دقلو على ترديد ذلك دائما؟
أخيراٌ يبقى خيار الدمج والتسريح هو الخيار الأمثل والآمن لهذه القوات، إذ أن كل الخيارات الأخرى بما فيها الدخول في صراع مسلح ستكون وبالاً عليها وسيكون حميدتي هو الخاسر الأكبر.
لماذا دمج ل هؤلاء المجرمين كذلك اغلبيتهم ما سودانيين
تحليل يلامس التوقعات .
هل يقصد بالقوى الثورية استقطاب لجان المقاومة لشق الصف ام كانتهازية سياسية اذا لم نحسن الظن به .
واضح تخوفه من المستقبل لكنه سيكون وطنيا اذا اعترف بخطأ تقديرات الانقلاب.
الخطابة لا تعنى شيئا سوي المزيد من ذر الرماد مالم تتبعها خطوات عملية وان اشتملت طلب مصالحات تتضمن جبر الاشرار .
اعذروني أن قلت ان مايخطط لكم أكبر من أن تستوعبه عقولكم.