القمح… صديق أم عدو؟

تعتبر كتب كثيرة تُعنى بالغذاء، مثل Wheat Belly وThe Paleo Diet، القمح طعاماً غير صحي لأنه يساهم في مشاكل عدة، من بينها السمنة، اضطرابات المناعة الذاتية، حتى التوحد. وتدّعي نظم الغذاء هذه أنك تخسر الوزن و{تُشفى} من علل كثيرة، مثل الداء السكري والطفح الجلدي، إن أقلعت عن تناول القمح.
تترافق أنماط الغذاء الخالية من القمح مع الموجة الأخيرة من المأكولات الخالية من الغلوتين، موجة تدفع بعدد كبير من الناس الأصحاء إلى تفادي تناول الغلوتين لأنهم يظنون أن هذا أفضل لصحتهم (الغلوتين مركب في القمح وغيره من حبوب مماثلة، مثل القمح الطوراني، الحنطة، الشعير، والشيلم، يؤذي مَن يعانون الداء البطني أو ما يُعرف بحساسية القمح). ولكن هل من أدلة علمية تدعم فكرة أن القمح طعام ?سيئ} عليك تفاديه؟
تعتقد جولي ميلر جونز، دكتورة وباحثة متميزة وبروفسورة فخرية في جامعة سانت كاثرين في منطقة سانت بول في مينيسوتا، أن القمح أصبح اليوم كبش المحرقة الغذائي. وتوضح هذه الخبيرة في مجال علوم الحبوب: «ما من دليل على أن القمح مضر، شرط أن تتناول الكميات المناسبة وتجعل نصف حصص الحبوب التي تأكلها من الحبوب الكاملة».
تضيف جونز: «تعتمد كل حضارة نوعاً رئيساً من الحبوب أو الجذور النشوية، وفي حضارتنا نعتمد على القمح. نزرع القمح ونتناوله منذ قرون. ولعل الوجه السيئ الوحيد في القمح أننا خلال السنوات الخمسين الماضية من التهامنا القمح أمضينا الكثير من الوقت في الجلوس، بدل زراعته بأنفسنا. هكذا نوجه أصابع الاتهام في الاتجاه الخطأ».
زراعته
يسود المفهوم أن الإنسان تلاعب جينيّاً بالقمح إلى حد ما عاد معه طعاماً مناسباً لنا. لكن جونز تذكر أن النباتات الشائعة التي نأكلها يوميّاً، مثل الخس والطماطم والذرة، عُدّلت هي أيضاً مرات عدة على مرّ السنين من خلال أساليب التهجين التقليدية التي يعتمدها المزارعون للحصول على أفضل مزايا المحاصيل.
تخبر جونز: «كان جداك يحفظون البذور الأكبر والأجود ليزرعاها في الموسم التالي». كذلك تنفي خرافة أن القمح المعدّل جينيّاً أدى إلى ارتفاع «بروتينات فريدة» تشكّل خطراً على الصحة، وتؤكد أن ما من أصناف من القمح المعدل جينيّاً في الأسواق، وأن ما من «بروتينات فريدة» في القمح نتيجة تهجين النبات. حتى إن ما من دليل علمي يربط أصناف القمح العصرية اليوم بمخاطر صحية.
القمح والوزن
لعل مصدر القلق الأكبر المرتبط بالقمح زيادة الوزن. يشير مؤيدو الامتناع عن تناول القمح إلى أن تفادي تناوله يساعدك في خسارة الوزن: إذا تخلصت من القمح، تتبع نظاماً غذائيّاً يحتوي على قليل من النشويات.
تقول جونز: «أظهرت الدراسات أن أنماط الغذاء التي لا تحتوي على كثير من النشويات تؤدي إلى خسارة سريعة في الوزن خلال الأشهر الستة الأولى. ولكن بعد سنتين إلى ثلاث، يكون وزن مَن يتبعون هذه الحمية قد فاق ما كانوا عليه في البداية، ما يشير إلى أن اتباع أنماط الغذاء هذه أمر صعب». عندما تحدّ نظامك الغذائي باستبعاد مجموعة أطعمة أساسية، مثل القمح أو مشتقات الحليب، تخفض السعرات الحرارية وتخسر الوزن. لذلك لا عجب في أن مَن يتبعون نمط غذاء خالياً من القمح يذكرون من دون أي أدلة علمية محددة أنهم خسروا الوزن بسبب امتناعهم عن هذا النوع من الحبوب.
لكن عدداً من الدراسات كشف أن مَن يتناولون كمية أكبر من الحبوب الكاملة، بما فيها القمح الكامل، يحافظون على وزن صحي أكثر. على سبيل المثال، ربطت دراسة أُجريت في جامعة تافت، وشملت أكثر من 400 شخص بالغ، تناول الحبوب الكاملة والألياف بتدني مؤشر كتلة الجسم (BMI) وانخفاض كمية الدهون الإجمالية في الجسم وفي منطقة البطن (مجلة Nutrition، 2009).
ولكن إذا تناولت الكثير من الحصص التي تحتوي على القمح أو المنتجات العالية السعرات الحرارية التي تجمع بين القمح والدهون والسكر (مثل الدونات والكعك بالشوكولا)، فمن الطبيعي أن تكسب الوزن.
القمح والأمراض
تدعي أنماط الغذاء الخالية من القمح أن الإنسان تمتع بصحة جيدة قبل تعلمه زراعة القمح، وأن القمح مسؤول عن كثير من المشاكل الصحية، من داء السكري إلى أمراض القلب. لكن جونز توضح: «لم تظهر غالبية الأمراض المزمنة في الأزمنة الغابرة لأن متوسط عمر الإنسان لم يتعدَ الثلاثين أو الأربعين. على العكس، يمكننا القول إن أنماط الغذاء التي تحتوي على الحبوب منحت الإنسان حياة أطول. ففي مطلع القرن الماضي، كان متوسط عمر الإنسان 50 أو 60 عاماً، وكان يتناول الكثير من القمح. فاستمر متوسط عمرنا يزداد. ويعود ذلك إلى عوامل عدة، من بينها نمط غذائنا».
علاوة على ذلك، تشير دراسات كثيرة إلى أن لاستهلاك الحبوب الكاملة الكثير من الفوائد الصحية، مثل خفض الوفيات والحد من خطر الإصابة بالنوع الثاني من داء السكري، الأمراض القلبية التاجية، ارتفاع ضغط الدم، وبعض أنواع السرطان. وبما أن القمح يشكّل نحو 94% من استهلاكنا للحبوب، يمكنك أن تربط المزايا الصحية بتناول القمح الكامل، وفق جونز.
يكفي أن تتأمل «حمية داش» (النظم الغذائية لوقف ارتفاع ضغط الدم)، التي تتمتع بفوائد صحية مثبتة وموثقة، من بينها خسارة الوزن، التخلص من ارتفاع ضغط الدم، والحد من خطر الإصابة بنوبة قلبية، سكتة دماغية، داء السكري، قصور القلب، وبعض أنواع السرطان. وتُعتبر هذه الحمية نظاماً غذائيّاً متوازناً يشمل ست إلى ثماني حصص حبوب في اليوم، معظمها من الحبوب الكاملة.
تنصح جونز: «إن لم تكن تعاني حساسية تجاه أحد أصناف الطعام، فابتعد عن أي حمية تستثني مجموعة كاملة من الطعام أو فئة غذائية محددة أو تعِد بنتائج لا تُصدّق. تحتاج إلى التنويع. تناول كل أنواع الفاكهة والخضار والحبوب».
يكمن سر تناول الحبوب بطريقة صحية في التركيز على الأطعمة غير المعالجة أو المعالجة بالقدر الأدنى, مثل المعكرونة المعدة من القمح الكامل أو خبز الحبوب الكاملة، أو القمح المطهو، مثل القمح غير المقشور والقمح الطوراني والحنطة. قلل من تناول الحلويات المعدّة بالحبوب، مثل الكعك والبسكويت. وتذكّر دوماً أن تولي الحصص اهتماماً كبيراً. فقد يضع بعض المطاعم ست إلى ثماني حصص من المعكرونة في طبقك، ولا شك في أن هذا كثير.
الجريدة