الركيزة الأساسية تتعرض لأكبر انتكاسة.. بصورة دراماتيكية انخفضت أسعار العمالة الزراعية لما دون الثلاثين جنيها

القضارف ? حسن محمد علي
ربما لن يجدي أي مقياس لقدم مهنة العمالة الزراعية، أكثر من السنوات الخمسين التي قضاها العامل “تايوتا” في مهنة تتكبد الآن مشقة المسير، وبالمرة إذا ما أردنا أن نشرح أوضاع العمال الزراعيين فعلينا أيضا أن نورد واقع الموسم الزراعي الحالي، فأصحاب الدخول المحدودة الذين يقدرون بحوالي (700) ألف عامل في أكبر الولايات الزراعية وهي ولاية القضارف، تتحسن أوضاعهم وتسوء بصوة مطردة مع حركة الموسم الزراعي ونجاحه وفشله.
ولـ”تايوتا” رأي قاطع في أحوال هذا الموسم لقاعدته العريضة التي يديرها من ظهر حجر ضخم في سوق “جنقرة” الشعبي الذي يتخذه العمال بوابة رزق ومحور غرب القضارف مباشرة.
ويرتبط المزارعون مع العمالة الزراعية في علاقة وطيدة منذ بدء سني الزراعية الآلية بالذات، وشغل المساحة المطرية الواسعة، لذلك فإن نائب رئيس اتحاد مزراعي الزراعة الآلية بالقضارف عمر فاضل يعتبرهم الركيزة الأساسية للزراعة، لكنه يؤكد أن العمالة الزراعية هذا العام تعرضت لأكبر انتكاسة طوال السنوات الماضية، ورغم أن فاضل مزارع كغيره من المزارعين الذين استطلعتهم (اليوم التالي) وأكدوا على الضعف الحاد لأحوال العمال، إلا أنه أبدى أسفه لتدني أجور العمالة، وعدم توفرهم على عمل لجهة الفشل شبه المؤكد للموسم الزراعي.
وفي وسط سوق القضارف حيث يتجمع عشرات العمال للبحث عن عمل اتفق معظم من استطلعتهم على ضآلة الفرص لهذا العام. ويتزامن هذا الوقت بالتحديد مع انتعاش العمالة في عمليات الكديب (نظافة المحاصيل)، إلا أنهم للأسف يمكثون طوال النهار، حسب حديثهم، ثم يعودون إلى بيوتهم بأمل الحصول على من يبتعثهم إلى مشاريعه الزراعية في اليوم التالي، ولو بأجر ضعيف.
انخفاض حاد
وبصورة دراماتيكية انخفضت أسعار العمالة الزراعية اليومية، لما دون الثلاثين جنيها حسب حسن (تايوتا) بعد أن بدأت في بداية الموسم بحوالي مائة جنيه لليومية، ويعزو تايوتا الانخفاض إلى شح الأمطار وضعف الإنبات وانصراف المزارعين من نظافة محصول لم يحظ بري مناسب يمكنه من الإنتاج.
ويعاود فاضل ليؤكد أن انحسار العمالة بهذا الشكل المؤثر سببه التوسع في استخدام المبيدات من جانب المزارعين، فضلا عن ارتفاع أسعار الأغذية للعمال أنفسهم، حيث يقدر سعر جوال البصل بحوالي “700” جنيه بينما يبلغ سعر قنطار السمك “الكجيك” بألف جنيه وجركانة الزيت بحوالي “300” جنيه، فيما يشير لانحسار المياه في “حفاير” المشاريع الزراعية وهو ما يحتاجه العامل في الأكل والشرب.
ويقطع عمر فاضل بأن موجة عطالة بدأت تطل في أوساط العمال بسبب الموسم الزراعي ويرى أنها ذات تكلفة عالية اقتصادية وأمنية أيضا.
أفراحهم وأهازيجهم
ولا يبدو في الأفق أن العمال الزراعيين هذا العام سوف يبهجون سكان الريف بأصواتهم العالية، وترانيمهم وأهزوجاتهم وسط الأراضي الزراعية العالية، ولن تتمكن الفضاءات الشاسعة من أن تنقل صدى تلك الأصوات من عمق “تايات” العمال، وهم يقدمون عطاءهم بهمة ونشاط.
ورصدت (اليوم التالي) المئات منهم في سوق “جنقرة” الذي يسعهم ببعض أندية المشاهدة في رواكيب من القش والحطب، واستراحة ليس لهم فيها نصيب بخلاف سرير حديد، جلهم في كامل الإحباط، ويشعل منظرهم البائس ـ بخلاف السنوات الماضية ـ رعبا في من يحلمون بواقع أفضل لواحدة من أهم المهن.
ولارتباطهم العميق بالزراعة، فإنهم ـ حسب عبد المجيد التوم وهو من المزارعين في القضارف ـ يلجأون للكنابي حتى وأن لم تتوفر لهم فرصة العمل، وهو يؤكد أنهم على الأقل يحصلون على وجباتهم الغذائية مجانا.
“وحدة الكنابي”
وبصورة مفاجئة يكشف عمر فاضل عن عودة طوعية لمئات من العمال الجنوبيين للمشاريع الزراعية لمهنتهم التي فارقوها منذ انفصال دولتهم قبل أربعة أعوام، وبصورة تدل على متانة علاقة العمال مع المزارعين فقد قصدوا المشاريع الزراعية حسب فاضل، مستغلين قرار رئيس الجمهورية الذي يسمح لهم بالبقاء كمواطنين وليسوا لاجئين، ويثني على قدرة العامل “الجنوب سوداني” ومعرفته المتراكمة بالعملية الزراعية ومراحلها المختلفة، ويرى أن المزارعين أعلنوا فرحتهم بعودة العامل الجنوبي وانخراطهم بأسرهم، كعادة ملازمة للعمال الجنوبيين في تحضير ونظافة الأرض، وبدأوا عمليات قطع السمسم؛ خاصة في منطقة “أب رخم”، التي وصلوها سيرا على الأقدام عن طريق مدينة كوستي.
في حكم المؤكد
صحيح أن أهداف التنمية تبحث في دخول الأفراد والعمل على زيادتها بما يتواءم مع حياة هانئة ومرفهة، لكن ذلك لا ينطبق إطلاقا على العمال الزراعيين، فلقد انخفضت أسعار عمالتهم وأجورهم اليومية بصورة خرافية، وبات في حكم المؤكد أن لا يستطيعوا العيش في ظل مهنتهم الماثلة بسبب عدم توفر العمل وضعفه الشديد في الموسم الزراعي الذي تتناسب فيه العمالة بصورة مضطردة مع نجاحه وفشله، وبما أنه من المتوقع أن لا يحقق الموسم نجاحا يمكن العمالة الزراعية من دخولها السنوية، فإن على الدولة أن تفكر سريعا في هذا القطاع المهم.
وبحسب عمر فاضل فإن فشل ألف فدان في القضارف تقابله عطالة حوالي “500” عامل، ويترتب على ذلك تباعاً أثر في “أسرة وبيت ومصاريف”.. لننتظر ونرى ردة فعل السلطات
اليوم التالي
قلبي معاكم عمال القضارف…وفي المواسم الناجحة الزراعية يزيد الطلب وترتفع أسعارهم وقد لايجدهم أحد