وثيقة الدوحة : لا سلام منك، ولا سلام عليك ..اا

وثيقة الدوحة: لا سلام منك، ولا سلام عليك

رباح الصادق

أول ما نبدأ به الدخول على وثيقة الدوحة التي لن يأتي منها السلام، إنها وثيقة سرية، شكا من سريتها أهل دارفور أنفسهم، وبلغت تراجيديا الموقف أن لجنة كونها المؤتمر الوطني معنية بالترويج للاتفاقية كان أول مطالبها فيما روى الراوي: الحصول على وثيقة الدوحة! وحينما فتح الله على الناطق الرسمي باسم وفد الحكومة (د. عمر آدم رحمة) نفى وجود بنود سرية فيها، ولكنه لم يقل لماذا لم تنشر في الجريدة الرسمية، ولا في موقع (سونا) ولا أي موقع رسمي، بل طفق محدثون حكوميون يقولون بتزوير بعض بنود الاتفاقية في بعض النسخ بالمواقع الإسفيرية، وقيل إن هناك ست نسخ مختلفة منها، فلماذا لا تمزق جهيزة النسخ المزورة كلها وتخرج الوثيقة للعلن وكادت تكمل الشهر منذ توقيعها في 14 يوليو الماضي؟
هنالك مآخذ ذكرناها على الاتفاقية في مقالنا بعنوان (أم جيشٍ أمْ أمُّ دولة) أنه ليس فقط ثنائيا بل ولا هو مفتوح للآخرين، أغلقته شنشنة الدكتور غازي صلاح الدين أن الوثيقة نهائية كأنها في لوح محفوظ! وأنها جاءت بعد تجربة مرة في أبوجا وكرر كثيرا من خطواتها ليلدغ من ذات الجحر للمرة الثانية بل للألف فكم ملدوغ من موقعي اتفاقيات المحاصصة مع المؤتمر الوطني؟
الدكتور السيسي وقّع على الاتفاق مغمض العينين ولم يعتبر ليس فقط بما جرى لمناوي، بل لأحاديثه التي (شالها الهوا) فرضخ لرؤى المؤتمر الوطني، وذاق مر ذلك الرضوخ قبل أن يجف مداد الوثيقة. الكاتب الإسفيري الأستاذ الهادي إدريس اعتبر في مقاله بعنوان (من أين خرجت وثيقة الدوحة لسلام دارفور؟) أن الدوحة (اتفاقية ذات) للمؤتمر الوطني، لم تزد على التأمين على رؤاه.
وذكر مثالا لذلك موقف الاتفاقية من تمثيل دارفور في رئاسة الجمهورية. قال يحيى إن دكتور التجاني السيسي قدم للوسطاء في وثيقة سرية مقترحا لصياغة الفقرة الخاصة بـ(تعيين نائب الرئيس من الدارفوريين) لتقرأ: (ترشح حركة التحرير والعدالة من يتولى نائب الرئيس ويكون فى ذات الوقت رئيسا للسلطة الانتقالية)، وكان رد د. أمين حسن عمر كبير مفاوضى المؤتمر الوطنى، فى وثيقة سرية سلمت للوساطة بتاريخ 4/1/2011م برفض مبدأ تخصيص منصب نائب الرئيس لأي إقليم، (لكن رئيس الجمهورية يمكن أن يعين نواباً له بعد خلو منصب النائب الأول بعد التاسع من يوليو ولا مانع أن يكون من الدارفوريين). وأنه يجب الفصل بين منصب نائب الرئيس ورئيس السلطة الانتقالية. وفي النهاية جاءت وثيقة الدوحة تحمل رؤية المؤتمر الوطني، ثم قالوا إن نائب الرئيس الدارفوري سوف يكون مؤتمراً وطنياً!!
إذا جاء المؤتمر الوطني بأحمد أو حاج أحمد من صفوفه فهل سيغني ذلك أهل دارفور شيئا؟
المؤتمر الوطني (ملة واحدة) وهذا المقترح أشبه بأن يقال للإخوة الجنوبيين في نيفاشا أن يكون لديكم منصب النائب الأول تشغله الأستاذة اقنس لوكودو رئيسة قطاع الجنوب بالمؤتمر الوطني!! هل ترى كانوا سيقبلون؟ أو يقال للسيد مني أركوي مناوي إن منصب كبير مساعدي الرئيس سيكون للدارفوريين من المؤتمر الوطني!! إن اتفاق الدوحة يقع على مدى فراسخ مليونية خلف نيفاشا وأبوجا اللذين كان فيهما ما فيهما من (دقسات)، فكيف تكون الاتفاقية التي جاءت بعد تجربتهما تلك أكثر غفلة؟
ومن أهم ملامح الغفلة الغلو في الإقليمية لدرجة غير ممكنة مع أن قضايا الوطن وكما هو معروف لكل ذي بصيرة، قومية في أساسها، سببها الإقصاء والتهميش والعناد والانفراد وسوء إدارة التنوع وسوء إدارة الشأن العام من فساد وسوء تخصيص الموارد والتركيز على البنى السلطوية في مقابل الخدمات الضرورية للمواطنين، باختصار البلاد تعاني من داء الشمولية العضال وكافة أعراضه المؤلمة. لكن الوثيقة تركز على دارفور كأنها إقليم معزول للدرجة التي تخصص فيها حتى بعض حقوق الإنسان لأهل دارفور، وفي هذا ردة عظيمة عن اتفاقية نيفاشا التي كان بعض انتقادنا لها أنها مع نصها على الشمول وعلى تحقيق العدالة في كافة أنحاء البلاد ونصها على حقوق الإنسان السوداني بصورة عامة وجيدة اختصت في التفاصيل بتحديد حقوق أهل الجنوب فقط. أما وثيقة الدوحة فتقول في المادة (1-5): يكفل أمن وسلامة الجميع في دارفور على أساس من سيادة القانون والمساواة وعدم التمييز. وتَحترم الأطراف الحق في الحياة والأمن الشخصي وكرامة الفرد وسلامته، ويُكفل عدم حرمان أحد من حياته تعسفياً وعدم تعرضه للتعذيب أو سوء المعاملة. وفي المادة (1-8): تمتنع جميع الأطراف عن تهديد المواطنين بسبب آرائهم، أو منعهم من ممارسة حقهم المتساوي في حرية التعبير, وتكوين الجمعيات والتنقل والتجمع السلمي في دارفور.
إن هذه الحقوق كالحق في الحياة والكرامة وعدم القتل التعسفي وعدم التعذيب وحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتنقل والتجمع السلمي ما كان ينبغي تحديدها بجملة (في دارفور) فهي حقوق أساسية مفقودة لكل السودانيين، بل إن ما يطال الناشطين الدارفوريين أنفسهم خارج أسوار دارفور وفي الخرطوم معروف. وأمامكم الصحفيون في الحبس جعفر السبكي وإخوانه، والناشطون أمثال الدكتور بشرى قمر حسين رحمه، وغيرهم.
إن هذان النصان أثارا عجبنا جداً، فلا مخول لتخصيص هذه الحقوق لدارفور إلا بعد التعميم على كل السودان ومن ثم التأكيد على إجراءات دقيقة في دارفور باعتبارها عانت تحت ظل حالة الطوارئ المفروضة هناك بسبب الحرب من انتهاكات زائدة. بيد أن الوثيقة لم تتعرض لإنهاء حالة الطوارئ كما كان في نيفاشا من قبل، ولن تستطيع طالما لم تضع الحرب أوزارها، ولن تضعها وما زال في الميدان حركات لم توقع، سوف تعمل بيديها ورجليها لتأكيد أنها الأقوى وأن الإقليم لن يشهد سلاما إذا لم يُستمع لصوتها.
وتقف تلك النصوص في مشهد عبثي أمام ما يحدث في جنوب كردفان، وفرار مئات الآلاف في ثلاثة أشهر، وتأكيد السيد الوالي أحمد هارون أنهم سوف يستخدمون كل الوسائل بما فيها القصف لتطهير الإقليم من (الخونة والمتمردين) فهذا التطهير القاصف بطبعه لا يفرق بين المدني والعسكري، ويشكل انتهاكا أقصى للحق في الحياة!
فهل سيكون سلامٌ بأن يكفل الحق في الحياة لأهل دارفور فقط؟ هذا لو صح التنفيذ!
وجملة قولنا: ليس يأتي من وثيقة الدوحة سلام. ونحن لا نقرؤها السلام!
وليبق ما بيننا

الرأي العام

تعليق واحد

  1. لابد من سيناريو واخراج لتلك المفاوضات التى احتضنتها الدوحة .

    والا الكل متضرر من فشل تلك المفاوضات بما فيها الدوحه !

    اهل الدوحة يسعون الى جائزة دولية للسلام , ودور اقليمى فاعل يليق

    بالتحالف مع الولايات المتحدة .!

    الحكومة السودانية ترغب فى خلق قيادات جديدة فى دارفور غير فاعلة على

    الارض , وتسعى الى تسويقها الى المجتمع الدولى من خلال التوقيع معهم على

    تلك الوثيقة للسلام !!

    الحركات الموقعة تعلم علم اليقين بضعفها, و بانها تلعب دور الكومبارس , ولامانع

    لديها بذلك الدور , طال ما هو مدفوع الثمن من قبل الوساطة القطرية والحكومة

    السودانية !!!

  2. بسم الله الرحمن الرحيم

    الاخت رباح الصادق بعد السلام عليك ورحمته وبركاته
    لى تعليق وملاحظة على عمودك ،أتمنى من الله أن يوفقنى فى سرد الحقائق
    فى اليومين القادمين إن شاء الله.
    أخيك/ د. أنس الحاج
    صندوق النقد الدولى – الخرطوم

  3. لك التحية الاستاذة رباح على طرق هذا الباب

    وباختصار شديييييد فاقد الشي لا يعطيه …..

    وبصراحة مشكلة دارفوار هى ككل مشاكل اقاليم السودان الفرق انهم فى دارفور حملو السلاح الحل يكمن فى اتجاه الدولة لتجاه الريف وذلك بالتنمية والتعليم والصحة وتوفير البئة الجاذبة لاهلنا فى الريف ولكن المؤتمر الوطنى لا ندرى ماذا يريد والانسان البسيط يدرك ان هذه الافعال ستؤدى لتقسيم السودان بكل بساطة فهل من المعقولا ان لا يدرك ساستنا هذا ؟
    وسؤال هل الدوحة مؤهلة لتكون وسيطا لحل مشاكل السودان ؟

    الحل يكمن فينا ياريت اهل السياسة يعون ذلك

  4. ان وثىقة الدوحة تعتبر خطوة فى اتجاه السلام..ىمكن تطوىرها بعمل مشترك تقوم به الاطراف المعنىة والمهتمة بالسلام.اولا فلىدرك الدكتور سىسى وزملائه ان الطرف الاخر ىتربص بهم وىمكر علىهم فلىكن لهم مكرهم المستمد من مكر الله وهو خىر الماكرىن.,وان ىعملوا عقولهم وىفتحوا قلوبهم لكافة اهل السودان اجمعىن.وان ىدركوا انهم لىسوا اكثر الماما اوحرصا على القضىة من الاخرىن وان ىجعلوا من انفسهم جسرا للتواصل وتعزىز الثقة بىن الحركات المسلحة و\لحكومةلمواصلة الحوار واكمال مشوارالسلام المنظور..ثانىا على الحركات المسلحة ان تتجنب التخوىن واستصغار الاخرىن وان تستنثمر كل فرصة لاكمال نقص الوثىقة.ثالثا ىجب على الحكومة واهل السودان الاعتراف للمقاتلىن بحقهم لتوفىق اوضاعهم العسكرىة وفقا لترتىبات امنىة عادلة ومرضىة تخرس صوت البندقىة نهائىا.

  5. الامر كله بيد الله ,ارجو ان تكون كل حركة سياسية خاصة لخدمة العباد القصد منه وجه الله الاعظم ,لاننا مهما طال بنا الزمن في هذه الحياة فاننا يوما الي الله راجعون وسوف نرجع اليه فرادى, فيومئذ نحاسب حسابا شديدا (ولا حزب سلم ولا رجل نطق) فمن يقرأ هذا القران يجد ان الحياة تؤخذ اجمالا لا يوجد جزء يسمي سياسة واخري يسمي عبادة فانما امر كله دين يقتضي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله الكريم وفعل الخيرات والعطف علي الفقراء والضعفاء ومخاطبة القضايا التي تؤجل بحل اشكالات الناس والعمل علي تامين ارواحههم وممتلكاتهم بقصد رجاء حسن ثواب الله في الدنيا والاخرة ..ومشكلة دارفور مسئولية امام الله فمن سعي الي حلها رجاء ثواب الله فيؤتيه الله خيرا كثيرا ومن سعي الي ملي جيبه بدنانير دون ان يلتفت الي اي معان كريمة فان عاقبته وجزاءه بيد الله سوف يلاقيه فيحاسبه حسابا عسيرا ..فكل منا حر فيما يقول وفيما يذهب اليه والعاقبة للمتقين .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..