ازمة جنوب كردفان والتدخل الاجنبي

بارود صندل رجب

اندلعت الأزمة في جنوب كردفان كأثر لانفصال الجنوب وكان يمكن تجنب الأزمة أو احتواؤها في مهدها دون إراقة الدماء لو أن الحكومة راشدة ومدركة لتداعيات الانفصال لاسيما أن إتفاقية نيفاشا وضعت الأطر اللازمة لتسوية مسألة حاملي السلاح من قوات الحركة الشعبية المنتمين للشمال ولكن الحكومة وكعادتها تصرفت بغباء بل باستفزاز شديد مع قوات الحركة الشعبية في جنوب كردفان بإقدامها وشروعها في نزع سلاحها دون تسوية سياسية بالاستناد إلي اتفاقية نيفاشا ، هذا الأمر عجل باندلاع القتال في جنوب كردفان بالصورة التي نراها الان وبدلا من البحث عن الحلول السياسية سارعت الحكومة باستخدام القوة المفرطة لحسم الأمر ولم تتعظ الحكومة من تجربتها مع الحركة الشعبية في الجنوب ولامع حاملي السلاح في دارفور ، ولم تقدر الحكومة الظروف المحيطة بالبلاد بعد الانفصال والوضع الاقتصادي المتأزم ومحاولات الخارج محاصرة النظام بعد تحقق انفصال الجنوب ، هذه الحكومة وبالرغم من تجربتها الطويلة في الحكم تفتقر إلي قرون استشعار فالتحليل الموضوعي يشير إلي رغبة القوي الكبرى في أثارة المشاكل في دولة الشمال فبدلا من سد هذا الباب بإجراءات سياسية مدروسة وباحتواء التوترات الداخلية بالمعالجات الموضوعية بدلا من ذلك تركب الحكومة رأسها وتسير مكبا علي وجهها حتى تدخل البلاد في أزمات وتدخلات دولية سالبة ففي الوقت التي تطالب فيه الحكومة برحيل القوات الدولية من السودان بعد انفصال الجنوب ها هي توافق علي دخول القوات الأثيوبية في منطقة أبيي تحت مظلة الأمم المتحدة والآن يتحدث وزير الخارجية عن عدم الممانعة في التدخل الدولي في جنوب كردفان ….
يأتي هذا القول بعد أسبوعين من توقيع الاتفاق الإطاري بين الحكومة والحركة الشعبية في الشمال هذا الاتفاق أفضل من التدخل الدولي المباشر فضلا عن أنه سوف يضع حداً للأقتتال في جنوب كردفان ومع ذلك رفضت الحكومة الاتفاقية بدون مبرر معقول وهي الآن تبحث عن التدخل الأجنبي ، يتساءل الناس عن كيفية إدارة البلاد وأين مركز القرار لا أحد يملك جوابا ولكن الظاهر أن البلاد تدار بأمزجة الرجال من حيث الغضب والكبر ، والآن وبعد أن جرت مياه كثيرة تحت جسر الأزمة جاءت أشارات ايجابية من الطرف الأخر (عبد العزيز الحلو) بالجنوح نحو التفاوض وبدلاً من أن ترد الحكومة التحية بأحسن منها ذهبت تضرب أخماساً في أسداس وتقدم رجلا وتؤخر أخري فهي فاقدة للرؤية والنظرة الإستراتيجية للأمور وتتحرك وتبني مواقفها حسب الوقائع اليومية فأن شعرت بأن ميزان الحرب لصالحها تشددت وتراخت أن كانت غير ذلك وكما وصفها أحد قادتها بأن الحكومة تعمل بعمل اليوم باليوم ولا تنظر إلي أبعد من ذلك.فماذا كان رد الحكومة لرغبة الحلو في التفاوض ، قطبي المهدي رئيس القطاع السياسي للحزب وهو من الرافضين لاتفاق أديس أبابا رحب باعلان الحلو عن رغبته في التفاوض وربط ذلك بالنوايا الأكيدة مضيفاً أن التفاوض يحتاج إلي رغبة أكيدة في النوايا وبالتالي فإذا رغب في التفاوض هو يعلم تماماً ما تريده الحكومة في أطار ذلك , وزاد مؤكدا نحن جاهزون , الحديث عن الرغبات والنوايا حديث مبهم لا يخدم أي قضية وهو مجرد تلاعب بالألفاظ لاسيما أن الطرف الآخر سبق أن جلس مع الحكومة في أديس أبابا ووقع معها اتفاقية أطارية أشتملت علي ترتيبات سياسية وأمنية وأن الحكومة هي التي تراجعت و رفضت الاتفاقية والآن مازال الطرف الآخر يمد حبال الوصل للتفاوض ولكن الحكومة تسعي إلي قطعها فما المطلوب من الطرف الآخر حتى تجنح الحكومة إلي التفاوض!!

وهل المطلوب هي شروط مسبقة أم استسلام أما ماذا ؟ أما السيد أحمد هارون سبب المشكلة وأس البلاء بعد أنتخابه المزعوم واليا لجنوب كردفان فقد أفصح عن الشروط المطلوبة لجلوس الحكومة للتفاوض مع الحلو ، حيث كشف الوالي !! عن جملة من الترتيبات مع الحركة الشعبية بهدف التوصل إلي وقف أطلاق النار ورهن ذلك بالاتفاق علي وضعية للجيش الشعبي والنظر في مستقبله وهذا الكلام طيب رغم ما به من تبسيط للمسألة ولكن الكلام الذي أعقب هذا مباشرة فيه استجهال واستخفاف للناس إذ يقول الوالي أنه يجري مباحثات مع من أسماهم بمحبي السلام داخل الحركة الشعبية ، من هم هؤلاء السادة المحترمين!!وأضاف الوالي قائلا أن دفع الحركة الشعبية لطاولة التفاوض لن يتم الا عبر أجهاض أهدافهم العسكرية ، بمعني أن يضعوا السلاح أرضا ويقبلوا رافعين الرايات البيضاء طالبين العفو من أحمد هارون !! ألم يتعظ أحمد هارون من السوابق في هذا المضمار …. كيف يتسني للحركة الشعبية أن تضع السلاح وهي التي لم تضع السلاح في الجنوب إلاّ بعد التوصل إلي أتفاق سلام …. وهذا الذي يقوله أحمد هارون يذكرني بموقف وأنا شاهد عليه في عام 2004م تم استدعائنا من قبل مدير جهاز الأمن الداخلي يومها ( صلاح قوش) ونحن مجموعة من ساكني الخرطوم من قبيلة واحدة وطلب منا بصورة جادة أن نذهب إلي حاملي السلاح في دارفور ونقنعهم بأن ينزلوا من الجبل ويسلموا سلاحهم للحكومة ومن ثم تنظر الحكومة في مطالبهم لا حقاً ، هذا الكلام أثار دهشة الحضور كيف للحكومة أن تطلب من مواطنين عزل بأقناع حاملي السلاح بوضع سلاحهم ثم النظر في مطالبهم , في الوقت التي عجزت الحكومة نفسها بكل ما تملك من قوة وسلاح في اخضاعهم وأنزالهم من الجبل ونحن لا ندرى في أى جبل كانوا !! هذه العقلية مازالت تعشعش في هذه البلاد ، وسوف تورد ما تبقي من السودان الهلاك ، الوضع الصحيح أن تبدأ التفاوض حول كل القضايا محل الخلاف وتبعا لذلك يكون هنالك وقف لاطلاق النار ….. لحين الوصول إلي اتفاق سلام شامل ألم تعلن الحكومة تكرارا ومرارا بأنها لا تفاوض الا من يحمل السلاح فالذى يحمل السلاح لا يضعه الا بعد الحل السياسي , بغير هذا فان العنتريات التي ما قتلت ذبابة سوف تدخل البلاد في أزمات متلاحقة نتيجتها الحتمية التدخل الأجنبي كما حصل في أبيي ودارفور ، هل من عاقل في الحكومة يقول لهم دعوا الهرطقة السياسية وأقبلوا علي الحلول الموضوعية لكل قضايا البلاد بعقل وقلب مفتوحين قبل فوات الأوان . مهما كابر نافع علي نافع فأن جنوب كردفان والنيل الأزرق سوف تتحولان إلي جنوب جديد ويرتد الوهم والاستجهال له ويومها لا ينفع لحس الكوع؟

بارود صندل رجب
[email protected]

تعليق واحد

  1. ناس الحركة الشعبية كانوا مبيتين النية للهجوم و الاستيلاء على ولاية جنوب كردفان بمجرد اعلان نتيجة الانتخابات اذا لم تكن فى صالحهم " النجمة أو الهجمة" و هم بالفعل شنوا هجومهم و شرعوا فى الاستيلاء على الولاية و كانوا يظنون أنهم من خلال هجوم سريع و مباغت يمكن أن ينجحوا فى مسعاهم و بعد ذلك لو حصلت مفاوضات مع الحكومة يكون موقفهم التفاوضى أقوى. و عليه يجب عليهم أن يلوموا أنفسهم فقط على تهورهم و تهور زعيمهم الحلو و لا يحاولوا اقحام شعب جنوب كرفان فى الموضوع. شعب جنوب كردفان لا يريد الا الاستقرار و العيش بسلام أما طموحات بعض الساسة من أبناء الولاية فلا ينبغى أن يدفع ثمنها شعب الولاية و على هؤلاء الساسة أن كانوا يريدون المناصب و غيرها من المكاسب لأنفسهم عليهم التفاوض مع الحكومة أو محاربتها و لكن بعيدا عن شعب الولاية الذى لا ينبغى أن يتحمل ثمن طموحاتهم الشخصية. أما الشعارات الوطنية البراقة التى يرفعها هؤلاء الساسة المحاربون للحكومة فليس هناك من يصدقها الآن و لم تعد تنطلى على عامة الناس.

  2. يا سيد محمد خليل

    انا بتكلم مك انا فى ارض المعركة ولمن نحن طلبنا بالتفاض ما عشان نحنا منهزمين ولاكن دا واحد من خيارتنا لتغير النظام المستبد مع بقية القوة السياسية ولفضح الحكومة مع المجتمع الدولى لانك ما بتفهم سياسية لى علمك سقف المفوضات تغير النظام او حق تقرير المصير

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..