ثمانينية الأستاذ الدكتور الشيخ محجوب جعفر (1935-2015م)..

إنَّ قيمة عمر الإنسان لا تُثمَّن بعدد الأيام التي قضاها على أديم هذه الأرض، مغترباً عن وطنه أو مقيماً فيه، ولكنها تُحسب بمعيار العطاء الإنساني الذي قدَّمه للبشرية جمعاء، ولذلك قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: “لا تَزُولُ قَدَمَا الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسْدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ بِهِ.”
الأستاذ الشيخ:
لاعجب أنَّ الرحلة التي قضيتها بين تاريخ ميلادك الفريد في قرية نوري بالولاية الشمالية في 2 مارس 1935م وعيد ميلادك الثمانيني بمدينة أمدرمان تشكل لوحةً رائعةً في فضاءات العطاء الإنساني التي مازها الرسول صلى الله عليه وسلم. فبعد سنوات طفولتك الباكرة في قرية البركل، بدأت سنوات كسبك الأكاديمي المتراكمة، التي كانت تسير في متوالية هندسية، جمعت بين المعرفة، والجغرافيا، والإنسان الذي شكل مفردات الحياة في بيئات مختلفة. وعند هذا المنعطف، تشخص في مخيلتك التاريخية مدرسة كريمة الأولية، ومدرسة شندي الوسطى الريفية، ووادي سيدنا الثانوية، وجامعة الخرطوم، ثم كلية طب المناطق الحارة والصحة بلندن. ثقَّفت هذه الرحلة المتدثرة بكسب العفاف الأكاديمي آفاق تعاملك الإنساني الراقي مع الآخرين، فجعلت عطاءك المعرفي منداحاً للناس أجمعين؛ حيث برز اسمك في النصف الثاني من عقد الستينيات في القرن الماضي عندما كلفت منظمة الصحة العالمية ووزارة التنمية البريطانية لما وراء البحار جامعة الخرطوم ووزارة الصحة السودانية بأن تتبنى مشروعاً بحثياً يُسهم في اكتشاف وسيلة علاج غير الجراحة لمرض النبت الفطري (المايستوما) الذي يصيب أطراف الإنسان، وينتشر في السودان، والهند، وبعض دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا. وبناءً على ذلك التكليف تسامت أبحاثك العلمية إلى أن تبلورت خواتيمها في إيجاد علاج عن طريق الحقن والحبوب للنوع البكتيري من هذا المرض، ونشرتَ تلك النتائج في مجلة منظمة الصحة العالمية بجنيف عام 1976م، وفي عام 1984م نشرتَ نتائج أبحاثك العلمية الأخرى عن علاج النوع الفطري من مرض المايستوما، وبذلك أصحبت صاحب الامتياز في علاج النبت الفطري (المايستوما) عن طريق العقاقير دون الجراحة. كرَّمتك كلية طب المناطق الحارة والصحة بلندن بجائرة (أديمولا) للعام 1987م، ومنحتك منظمة الصحة العالمية جائزة شوشة لإقليم شرق المتوسط للعام 1989م، تقديراً لأبحاثك العلمية عن مرض النبت الفطري، وفطريات الجيوب الأنفية. ولعمري هذا الامتياز يُصنف أعمالك الأكاديمية الرائدة في قائمة الانجازات العالمية، ويضعها ضمن مكونات الكسب الصالح والعلم النافع الذي أوصى به سيد المرسلين؛ والذي يجب أن يفخر به أهل السودان والعاملين في الحقلين الأكاديمي والصحي.
وعند هذا المنعطف الرسالي تكمن قيمة الاحتفال بعيد ميلادك الثمانيني الذي يجسد ذروة سنام عطائك الأكاديمي والإنساني؛ ليتميز الاحتفاء بك عن احتفالات الآخرين الشكلية، القاصرة على إطفاء الشموع، وتبادل بطاقات التهاني، وترديد أنشودات الفرح المستجلبة. حقاً بفضل هذا العطاء السامق جعلت التكريم يخرج من نطاق أسرتك الصغيرة إلى رحاب المستفيدين الذين تبنوه بأريحية؛ لأنهم يشعرون بأن لك في أعناقهم يد سلفت ودين مستحق. وما أجمل الوفاء والعرفان عندما يكون المدينين نخبة من طلبة العلم والعلماء، ومن جامعة الخرطوم التي عشت بين ظهرانيها زماناً يشار إليه بالبنان، طالب علم مُجدٍ في قاعات درسها، وعضو هيئة تدريسٍ بارزٍ يلقي الدرس على طلبتها، ثم أستاذ رفيع المستوى يعلم العلم من أجل العلم، من غير منٍ ولا أذى. هنا تكمن قيمة المضيئين كالنجوم والرائعين كالأحجار الكريمة- كما يصفهم أستاذنا الراحل الطيب صالح، طيب الله ثراه- الذين لانصنعهم، ولكن تصنعهم أفعالهم الكريمة وإنجازاتهم المتميزة؛ لأنهم نفرٌ عمَّروا الأرض أينما قطنوا، يُذكر المجدُ حيثما ذُكروا، وهو يعتزُ حين يقترن.
العِلمُ- أستاذي الفاضل- يجلب المال الذي يشكل جزءاً من زينة الحياة الدنيا، واحتياجاتها المادية؛ لكن العفة في الكسب، والقناعة في الإنفاق هما بوصلة الحياة الإنسانية الكريمة، فكل الذين عرفوك، يشهدوا لك بفضل الطُهر والنبل والعفة والنقاء، ويثمنوا مواقفك في كثير من القضايا التي تقتضي ثبات المبدأ ومخافة الله سبحانه وتعالى. فمغادرتك لجامعة الملك سعود بالرياض في وقت كان يعز فيه اكتناز الذهب والفضة تشهد على ذلك، ولسان حالك بأن “الفُلُوس ليست كل شيء في هذه الحياة الدنيا”، يؤكد تلك الفضيلة التي ذهبنا إليها. وتصب عودتك إلى السودان، الذي يحتاج إلى خبراتك المتنوعة، في وعاء أدبيات فضائل حب الأوطان: “وللأوطان في دمِ كل حرٍ *** يد سلفت ودين مستحق”. وبخلاف فترات اغترابك -التي اقتضتها ظروف مواقفك السياسية من الأنظمة الحاكمة في السودان- في السعودية (1977-1984م)، ومصر (1990-1999م)، والأردن (1999-2002م)، قد وهبت معظم وقتك إلى جامعة الخرطوم، وجامعة الأحفاد للبنات، ووزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، وجامعة العلوم الطبية والتقانة، ومجلس التخصصات الطبية، واللجنة الفنية للبحوث بوزارة الصحة الاتحادية، ولجان البحوث بوزارة التعليم العالي، ولجان تخصص علم الأمراض بالمجلس الطبي السوداني. ولا يزال عطاؤك مستمراً في الفضاء الأكاديمي، وفضاءات أخرى لا يسمح المجال بذكرها.
وبحمد الله الآن ينعقد الاحتفال بعيد ميلادك الثمانيني داخل رحاب البلد التي أحببتها، وقدمت لها الكثير، ووسط أبنائك وطلبتك الذين أحبوك، وزملائك وأصدقائك الذين يود كل واحدٍ منهم أن يهدي لك شارة من شارات الوفاء والعرفان، تليق بمقامك السامي وقدرك الرفيع عندهم. فمثل هذه المشاعر الصادقة تعطي الاحتفاء بعيد ميلادك الاستثنائي في قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم طعماً، ولوناً، ورائحةً. متعك الله بالصحة والعافية، وجعل أيامك ربيعاً مزهراً، فلا يعرف الفضل إلا أهله، ولا يقدر العلماء إلا الراسخون في العلم، فالتهنئة للقائمين بأمر هذا الاحتفال من جامعة الخرطوم وغيرها من المؤسسات التعليمية والصحية.
++++
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لكما التحية وللدكتور الصديق الشيخ محجوب العافية والصحة ومديد العمر في صالح الاعمال ولا ننسي جهودة في العمل الاستثماري الجاد للسودان عندما كان بمدينة الرياض حيث قام مع نفر من السودانيين بانشاء شركة زراعية استثمارية بخبرات استرالية وساهمنا فيها مع عدد كبير من الاخوة الافاضل الا ان النجاح لم يحالفها كما كل الاشياء الاستثمارية الجيدة في السودان الذي يزخر يالمياه الوفيرة والاراضي الخصبة والانسان العادي الجيد وبلواه في الادارة الحكومية الفاسدة التي تنقض الغزل الجيد ولا ننسي مساهمة الشيخ ( بصحيح) اسم علي مسمي وهو وزير للتعليم العالي في حكومة الصادق الاخيرة ومثل د. الشيخ محجوب حري بنا ان تحتفي ونحتفل بسيرتهم الذاخرة بالاعمال الجليلة لطرح قدوة اسلامية حقيقية تمشي في هذا العصر الذي تشح فيه القدوة الحسنة ويكثر فيه البغاث. لكما التحية الكاتب والمحتفي به.

  2. لكما التحية وللدكتور الصديق الشيخ محجوب العافية والصحة ومديد العمر في صالح الاعمال ولا ننسي جهودة في العمل الاستثماري الجاد للسودان عندما كان بمدينة الرياض حيث قام مع نفر من السودانيين بانشاء شركة زراعية استثمارية بخبرات استرالية وساهمنا فيها مع عدد كبير من الاخوة الافاضل الا ان النجاح لم يحالفها كما كل الاشياء الاستثمارية الجيدة في السودان الذي يزخر يالمياه الوفيرة والاراضي الخصبة والانسان العادي الجيد وبلواه في الادارة الحكومية الفاسدة التي تنقض الغزل الجيد ولا ننسي مساهمة الشيخ ( بصحيح) اسم علي مسمي وهو وزير للتعليم العالي في حكومة الصادق الاخيرة ومثل د. الشيخ محجوب حري بنا ان تحتفي ونحتفل بسيرتهم الذاخرة بالاعمال الجليلة لطرح قدوة اسلامية حقيقية تمشي في هذا العصر الذي تشح فيه القدوة الحسنة ويكثر فيه البغاث. لكما التحية الكاتب والمحتفي به.

  3. الاستاذ الدكتور احمد ابوشوك

    لك التحية وتقدبرى العظيم لما كتبت
    البروفسير الشيخ محجوب شخصية فريدة تجمع مابين التميز العلمى الاخلافى وتواضع العلماءر زرت البروفسير وهو فى منظمة الصحة العالمية لشرق البحر المتوسط باسكندرية مرافقا اخى المهندس البحرى سعدالدين وزميله على محجوب شقيق البروفسير الشيخ

    وجدت نفسى امام شخص فى قمة العلم والتواضع والاخاء تشعر انك امام اب واخ وزميل وصديق وعالم لا تملك الا انت تنحنى له

    متعه الله بالصحة والعافية وحفظه الله زخرا للسودان فهو رجل مثالى كنور على قمة جبل اينما حل اضاء الطريق للاخرين

    له التحية ونقول له انت يابروف بالعافيى التخصك فى المصارين وتبقالك هدم ومركوب ونعلين

    عاطر تحياتى لكل الاسرة جمعاء فى هذه المناسبة المتفرده

  4. البروفسير احمد ابوشوك

    التقدير والتحية لك ولما كتبت

    البروفسير الشيخ محجوب رجل قلما تجد من امثاله اذ يملك الرجل صفة الاب والاخ والصديق والاستاذ ويمثل كل قيم الرجل السودانى الاصيل فهو رجل على قمة اينما حل اضاء للاخرين

    عرفت البروفسير من خلال مرافقتى لشقبقى المهندس البحرى سعد الدين كرار وصديقه الرجل الظريف القامه على محجوب جعفر شقيق البروفسير ابام اسكندرية وكان البروف على قمة منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط ومفرها جوار محطة الرمل

    ادهشنى بعلمه وادراكه الواسع لكل شؤون الحياة والعلوم ونمسكه ببساطة الرجل السودانى الاصيل وحكى لنا الكثير من الطرائف وعن مراحل تعليمه والبلد وهو فوق ذلك رجل يحدثك بابهار وصوت خافت يتدفق علما وتواضعا وادبا ولايتحدث عن نفسه ابدا وهو رجل التدين له نتهج وسلوك ولم يزده المنصب الا جمال خلق وتواضع .اذكر مدة ماننى حدثت والدى عن تسامحه وتواضعه وجميل صفاته وغزارة علمه فحدثنى والدى بان والد البروفسير عمدةمروى وقطب يشار له بالبنان لحزب الامه وصهر ال المهدى وتلك صفات كله ان لم يكن الانسان نقى فى نفسه لتكبر ولكن هيهات فذلك سليل تربية التواضع واحترام الانسان السودانى واذكر ما اضافه الخال العزيز محمد مكى كننى عنه وكيف انه رفع راية جامعة الخرطوم عاليا. نسال الله ان يمد عمره ويلبسه الصحة والعافية دوما ليشفى سقم بنى بلده ولا نقول انت يايروف يالعافية التخصك فى المصارين وتبفالك هدم ومركوب ونعلين

  5. تكريم مستحق … لملك المايستوماالبروفسير الشيخ محجوب جعفر

    شكرا لبروفسير ابو شوك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..