السحر فيك يا .. ام نخيل وفيك من اسبابه

الذاكرة تستعيد بقايا ذكريات صباح يوم دراسي من أيام العام 1986في جامعة الخرطوم (كلية الآداب ) . أجمل المحاضرات هي تلك التي تبدأ في السابعة صباحا حيث للصباح إشراقه وبهاءه وإلهامه , السكون صباحا يجعل الجامعة مثل ارض الجن في الأساطير .
قبل السابعة صباحا تفتح كل الأبواب ( الأسوار , الكافيتريات ,المكاتب والمكتبات , المعامل والقاعات ..الخ ) .
بدا الصبية والصبايا يتوافدون في همة ونشاط وفرح , فرحون بتلقي العلم وبلقاء بعضهم . الأولاد يتضاحكون في وقار والبنات يتهامسن في خفر وحياء ويتجاذبن أطراف الحديث تكملة لسمر الليلة الماضية وما كان فيها من جنس الحديث الخاص بين الفتيات .
روائح الكتب تنبعث من المكتبات وهي تشبه رائحة الخبز البلدي للجائع . الميادين تستقبل مياه النوافير في لهفة مثل لهفتنا للتعلم . العمال يعملون في همة ونشاط ونحن لانعرف من هم؟ وابن يسكنون ؟ وكيف وصلوا لمكان العمل ؟ وهل لهم أطفال ؟ قطعا كانوا سعداء بالعمل في الجامعة ( هدوء المكان ونظافته وتفرده ) ويحصلون من عملهم على ما يستر الحال ويكفي الضروريات .
تنبعث روائح أخرى حلوة من الإزهار والميادين بعد ريها , وتنبعث في المكان رائحة عطور بعضها باريسي وبعضها عطور بلدية ( دهن الكركار ) والذي تدهن نه الفتيات رؤوسهن .
أمام المكتبة العامة ترى الإبداع الإلهي في خلق الجمال البشري , صبايا يذكرنك بأسطورة حوريات البحر وخاصة أن النيل الأزرق على بعد أمتار , وربما تخالهن من بنات الجن خرجن من سكون وظلمة الليلة الماضية بعد أن أطفئت الأنوار وغادر بنو البشر .
عند النشاط وشعبة الجغرافيا هناك عربة (لاندروفر ) رابضة تحت شجرة عجوز منذ عشرات السنين . عربة سحرية , لم نر يوما أن احتاجت للوقود او ( للميكانيكي لإصلاحها ) …. فقط تعمل دون توقف حيث تستخدم في الرحلات العلمية في كل أصقاع السودان . ليس ببعيد عن العربة السحرية هناك مكتب لعالم سحري هو الآخر , انه البروفسور مهدي أمين التوم . لايعرف (الغياب ….التأخير… .الغضب والملل والضجر ) . هذا العالم مكلف بتأسيس وتوطين نظام الوحدات الدراسية والذي بدا تطبيقة كنظام للامتحانات في العام 1982م , يؤدي هذا العمل الشاق مع الالتزام التام بكل محاضراته في علم المناخ .
البروف يعمل والعربة تعمل وكل شيء يعمل ولايعرف التوقف والكسل والتمرد والتسيب , انه نظام متكامل من مدير الجامعة والى عمال تنظيف الحمامات , إنها المؤسسية وقوانين الخدمة والإدارة . كان كل شيء في الجامعة صارما ( القبول .الامتحانات . موعد الوجبات . الكتب المحجوزة . الأناقة .الجمال .الذوق .الأدب ).
كنا صبية وصبايا وفدوا من جميع جهات السودان , مختلفون في الأشكال والألوان واللغات والخلفية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . بعضنا عرف مياه الثلاجات وبعضنا شرب من الجدول الذي يروي البرسيم أو لوزة القطن , آخرون شربوا من البئر أو الاضاة بعد أن شربت أغنامهم . الجامعة ساوت بيننا في كل شيء ( الأكل ,مكان النوم,المصاريف التي تدفع لنا مقابل الترحيل لذوينا لها نظام عادل وعلى حسب المسافة ? مثل قانون المسافة والسرعة والزمن ) . الجامعة ساوت بيننا في كل شيء , حتى في ( الخلطات ) فهذه ابنة الثلاجة تستلطف وتصادق ابن البئر …. الم اقل لك إنها ذكريات من مكان فيه سحر …….. الخ

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. وما زال السحر مستمرا يا عثمان، نفس الروائح الجميلة تنبعث من هنا وهنالك، نفس الصبايا يمارسون حياتهم بالحرية المعهودة، وما زال بروفيسور مهدي يقدل فى طرقاتها عضوا بمجلس كلية علوم الجغرافيا، فالحياة والابداع صنوان يمارسان حتى الآن بجامعة الخرطوم رغم تبديل الافعي لجلدها، وقساوة الأيام على كافة جوانبها، لكن ما زال طالب جامعة الخرطوم يمارس تمرده على الافكار الساذجة التى تصدر من هنا وهناك، وما زال الابداع يسكن دواخلهم، ورغم كل تجبر الدولة وجبروتها، فانهم ما زالةوا يحلمون بالتغيير. الم أقل لكم أنها ستظل أم نخيل ويا ….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..