الا الخبز

نبض المجالس
سئل الشاعر الراحل ابو آمنة حامد ذات يوم قبل حوالي عقد ونيف من الزمان وهو الذي كان يعشق فضيلة التجوال في شوارع الخرطوم ويثري مجالسها بالسخرية والطرائف واللطائف من الحكاوي والقصص , سأله اصدقاؤه ومعجبو شعره .. (لماذا توقفت عن كتابة الروائع من الشعر والاغاني ..وانت صاحب الايقونة الشعرية (سال من شعرها الذهب ) ؟ ..ام ان المعين قد نضب ؟
فكان ابو آمنة حاضر الذهن سريع البديهة ..فجاء رده ساخرا .. .
حينما كتبت .. بنحب من بلدنا , كنا في متعة وعز نشرب اللبن ونأكل الخبز المعطون في العسل , أما الآن فأنا لا احب سوى (كيس العيش ) أي كيس الخبز وقتها كان الجنيه الواحد يأتيك بعشر من (الرغيفات) ..فذهبت تلك الامجاد والعز والهناء ..اما الجنيه الان لم يعد قادرا على توفير قطعة خبز واحدة ..وحت هذه القطعة الواحدة ربما لم تصمد في مقبل الايام وقد تتراجع قيمة هذا الجنيه الى اقل من نصف قطعة خبز ..طالما ان القلق لازال مستمرا ..لان الجنيه نفسه يتحرك بعجلة متسارعة نحو محطة (الخمسين جنيها) , فكل ما هو متوقع من انهيارات في القطاع الاقتصادي السوداني سيتحقق لا محال ..ولا غرابة في ذلك فكل معاول الانهيار والهدم لازالت تفتك بمكونات الدولة السودانية دون ان تجد من يشعل (قنديلا) في انفاقها (المظلمة) خصوصا ان الدولة تطوقها ازمات سياسية واجتماعية اخرى ..وحتى الخبز الذي يشكل الحد الادنى في مطلوبات البقاء على قيد الحياة فلم تفلح الحكومة في ان تلجم جنونه فقد سقطت كل عبقريات البحث عن خبز بلا عناء , ولكننا وبكل اسف اعدنا من جديد انتاج الفشل القديم الذي اغرى “الانقاذ” في فجر 30 يونيو من العام 1989 بالانقضاض على حكومة الصادق المهدي ..اما الان باتت ايادينا ممدودة تستجدي الاخرين في اعتراف صريح بان الدولة فشلت باقتدار في تامين العيش الكريم والميسور لرعاياها . “.
ولذا فان كل ما هو متاح من حقائق ومعلومات وإحباطات تؤكد بأن سلعة الخبز وبحسب مخاوف أصحاب المخابز ستكون مبعثاً جديداً لاثارة القلق داخل كل اسرة سودانية لأن موازنة 2018 لم تكن سوى “كابوسا” ينتج كل يوم قلقا وحزنا جديدا داخل كل اسرة سودانية ..حيث فشلت كل محاولات هذه الاسر في ان تتواءم مع ما يحيطها من ظروف وضغوط ومطلوبات لازمة الوفاء ومع كل هذه الظروف الاقتصادية ربما اصبحت كل اسرة تتعاطى حياتها (بالنفس الأخير) . .
ليس من الرشد والمنطق أن تنتهج الحكومة سياسة دفن الروؤس في الرمال بقدر ما أنها مطالبة وبشكل جاد وفاعل في اتجاه امتصاص حالة “الاحتقان” ونفاذ الصبر والتي باتت حالة مسيطرة على المزاج السوداني , فالخطر المحتمل على المواطن “مهدود الحيل” ليس هو فقط على صعيد الانهيار الاقتصادي وجنون الاسعار وإنما هناك آثار اخرى ربما أكثر كارثية ستضرب العمق النفسي والوجداني لكل مواطن سوداني يشعر بالانهيار والفشل أو ضيق ذات اليد في سبيل توفير قطعة خبز لأطفاله “الجوعى” .