اللامنتمي

بقلم: الدكتور نائِل اليعقوبابي
*(الكتب كالناس معادن: بعضها يشع كالألماس،
وبعضها يتألق كالذهب، وبعضها يلمع، ولكنه سرعان
ما يصدأ كالنحاس..).
– محمود الربيعي ?
مفكر مصري – عضو مجمع اللغة العربية
.. وقعت بين يدي قبل فترة ليست بعيدة مخطوطة لرواية لكاتب مغمور، وفي مقتبل العمر إذ لم يتجاوز سنه الثلاثة والعشرين عاماً، وبعد قراءتي لهذه المخطوطة أصبت بحالة من الدهشة والذهول لهذا العالم الذي استطاع بناءه في هذه الرواية المخطوطة، وجعلتني هذه القراءة أعيد النظر إلى أبناء هذا الجيل الذي نعتبره نحن ? عجائز هذا الزمن ? بأنه جيل مسطح ولا يهمه سوى المظاهر البراقة والملذات السريعة تيمناً بالوجبات السريعة التي يتناولها أبناء هذا الجيل وللحقيقة فإن هذا الشاب يقف على أرضية ثقافية تتجاوز أضعاف عمره.. حيث ترتكز الرواية على فلسفة كولن ولسن.. التي أحدثت هزة كبيرة في ستينيات القرن المنصرم والتي اعتبر فيها ولسن أن بطل العصر الماضي هو الإنسان اللامنتمي للمفاهيم والقيم الاجتماعية السائدة والتي يتجاوزها هذا البطل من خلال اكتسابه الوعي والثقافة التي تؤهله أن يصنع لنفسه قيمه ومبادئه المستقلة ويبني عالمه الخاص الذي يتماشى طرداً مع هذا الوعي الذي اكتسبه، وإذا كان كولن ولسن قد بنى فلسفته هذه ارتكازاً على رواية هنري باربوس (الجحيم) الذي يمارس بطلها حياته اليومية من خلال ثقب باب غرفته بالفندق الذي يقطنه مراقباً تحركات العالم الخارجي من خلاله.
هذا البطل اعتبره ولسن اللامنتمي النموذجي للقرن العشرين، الذي يطمح ويكابد لاختراق القوانين الوضعية والسائدة للحصول على لذته وهدفه فإن صاحبنا هذا الشاب صاحب المخطوطة اقترب كثيراً من عالم رواية (الجحيم) لكن بطله يختلف اختلافاً كلياً عن بطل باربوس لأن بطل هذه المخطوطة الرواية مسؤول في دولة افتراضية يقبع بين أربعة جدران وراء طاولة خشبية فارهة تتوسط مكتباً في منتهى الأناقة (الديكورية)، الفخمة له سكرتيرة أو مدير مكتب شرطه الأساسي أن يكون متجهماً يمتلك نزعة عدوانية تجاه الآخرين إلى حد (السادية) خاصة أؤلئك الضعفاء والمحتاجين لقرار هذا المسؤول الذي (بشخطت) توقيعه قد يغير مصير أسرة أو عائلة رأساً على عقب ويحيل حياتهم إلى سعادة وحبور..؟ ولعل عظمة هذا البناء الروائي تكمن في السيرة الذاتية التي يسردها في سياق عمله الروائي وأهم الشروط والمواصفات التي يتوجب أن تتوفر فيه ليصل إلى سدة المسؤولية التي وصل إليها والتي تتمحور: أن يكون دونياً ويمتلك مخزوناً كبيراً من الحقد على من يتجاوزه بالمواهب والإمكانات والقدرات العقلية والبدنية وألا يجيد أن النعم حين يتوجب قولها ولا (اللا) عندما يحين النطق بها وأن يكرس جهده وإمكاناته للعبث بمقدرات الجماهير الواسعة والمتعبة وأن تجتث من دواخل نفسه كل عواطف الحب والرحمة تجاه الآخرين، وأن يلهث لتحقيق أكبر رصيد مالي وبكل الطرق اللا مشروعة.
وباختصار شديد أن يكون مستلباً بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وبالمحصلة إنسان خارج محيطه بدءاً من أسرته وأبنائه وانتهاء بمجتمعه وما إن انتهيت من قراءة هذه الرواية المخطوطة حتى أحسست في قرارة نفسي بأني عشت مثل هذا العالم الروائي؟!.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. التحية لليعقوبابى .. كولن ولسون احد كتاب الفلسفة الوجودية التى تقرن الحياة بضرورات البقاء وما يزيد عن الضرورات فهو ضعف بشرى يؤدى حتما لفناء البشرية . اما كتابه المنتمى واللا منتمى ليس له علاقة بالمجتمع والفرد فالإنسان مثلا كان عمره طويلا حين كان يعتمد على ما يسد رمقه من الجمع والإلتقاط وكانت موارد غزائه شحيحة والاسد لو اعطى 3 كيلو لحمة فى اليوم لما احتاج لاصطياد الحيوانات الاخرى …

  2. عشته وتعيشه ونعيشه ومن كثرة تكراره نخاف من نعشه لو مر يحمله الهواء فنسقط جزع وخوفا …يوم ان سقطت كرامتنا بسقوط الساقطين عليها تراكما لا تراحما وتجشما لا تبسما وتبرما لا تحلما رغم كل هذا كما تري يتجشاون علينا صباح مساء لا حياء ولا حياة فيلم مدور مع رقاب دائرة منذ عقود بقينا علي المزاد ولا احد يشتري !!!شكرا لك ايها المبدع !!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..