أخبار السودان

متعاطو المخدرات.. حكايات مؤلمة من واقع أكثر إيلاماً

إدمان المخدرات يكتب النهاية المؤلمة للابن المُدلَّل

هذه (…) أبرز العلامات التي تظهر مباشرة على المتعاطي

تبيدي: الضغوط الاقتصادية والعطالة والصدمات أبرز مُسبّبات الإدمان

بلدو: الإدمان تعدَّى مرحلة الظاهرة وبات وبالاً على المجتمع

بروف اللبيب: هذا (…) ما يجعل المدمن يتخيل أشياء غير موجودة في الواقع

باحثة: تعاطي المخدرات وإدمانها عقبة كبرى أمام جهود التنمية

حكايات يرويها: معاوية السقا

عرف الإنسان الأول المواد والنباتات المخدرة عن طريق الصدفة، وقد وجد في الكهوف والمغارات القديمة بعض النقوش التي تدل على التدخين والتعاطي، وقد كان الدافع الأول لذلك هو التداوي من بعض الأمراض وعمل علاجات عشبية للأمراض وتسكين الآلام وتخفيف الحمى وبقية الأعراض.

وبعد ذلك تطور الأمر عبر السنين ليصل لمراحل التعاطي لأجل الكيف والمزاج والفرفشة والنعنشة والانبساط و الفرحة والبهجة والاستمتاع للشعور بتلك السعادة المزيفة. أنواع المخدرات

والمخدرات تنقسم إلى قسمين كبيرين هما المخدرات الطبيعية مثل البنقو والحشيش والقنب الهندي والشاشمندى والخشخاش والأفيون والنوع الآخر هو المخدرات التخليقية مثل الكوكايين والييثيدين والمرفين والاكتساسي.

وعن ازدياد عدد المتعاطين للمخدرات يقول المرشد النفسي محمد أحمد الخضر يعقوب تبيدي إن أهم أسباب التعاطي تندرج في الأسرة والاستعداد الوراثي للإدمان جنباً إلى جنب مع الضغوط الحياتية والمعيشية و الاقتصادية والفراغ والعطالة والصدمات والأمراض النفسية، أضف إلى ذلك الظروف الأسرية غير المواتية مثل العزابة والمطلقين والمنفصلين والأمراض العضوية المزمنة ورفقاء السوء والتأثير التلفزيوني والدرامي و العولمة الفضائية والتي تبدو فيها مظاهر الإدمان وبصور مختلفة .

تنامي تجارة السموم

ويضيف تبيدي أن تنامي تجارة السموم وتواجد نسبة عالية من المروجين والمتعاملين في المخدرات بصورة منظمة ومرتبة وبإمكانيات عالية، وغياب مراكزالفحص والإرشاد النفسي والتعاطي بغرض التجربة وإثبات الذات والانغماس في عالم الوهم الوردين فقدان الثقة بالنفس و بالآخرين، اضطرابات الشخصية المختلفة والسلوك المضاد للمجتمع وانعدام القيم والمثل الاجتماعية، كلها عوامل اجتمعت وأسهمت في انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات.

وكشف تبيدي عن غياب الإحصائيات الرسمية الصحية نسبة للوصمة الاجتماعية، وعدم الوصول لكل المدمنين وبالتالي تمثل الأرقام المنشورة بالطرق الرسمية رأس جبل الجليد فقط موضحاً أن الرجال أكثر إدماناً من النساء والصغار والشباب أكثر من الكهول وكبار السن.

قصة البداية والنهاية

الطريق إلى هذه العوالم المظلمة، يبدأ بتعاطي المدمن المواد المؤثرة سواء كانت تخليقية أو طبيعية بغرض الانتشاء ونسيان الهموم والشعور بالمتعة والخروج من الاكتئاب ومحاولة خلق عالم افتراضي ودوافع موازية لا تمُتُّ إلى الواقع بصلة، وبالتالي يصبح منفصلاً عن مجتمعه بعيداً عن قضاياه منكفئاً على نفسه منغلقاً على ذاته، منزوياً عن كل أنشطته، ومنطوياً عن دروب الحياة المختلفة، ويتحول العالم في هذه اللحظة إلى ?بخة ونفس ورشفة?، ويتحول إلى هذا الاتساع إلى ?خرم إبرة? بالنسبة للمدمن مما يؤثر على خلاياه العصبية والقلبية والكلوية وتجعله يصاب بالمضاعفات المختلفة من سوء التغذية والالتهاب والفشل الكلوي ونقص المناعة والسكتة القلبية والدماغية والسرطانات، وأيضًا الوفاة المبكرة وغيرها من المضاعفات الصحية والطبية، ويحترق كما السيجارة ويتبخر كما تتبخر السوائل المخدرة في الزجاجات ويصبح في خواتيم أمره هباء منثوراً.

طالب الطب

الشاب (أ. س) ينحدر من أسرة معروفة ومرموقة، كان من الطلبة المبرزين، وقد أحرز مرتبة مقدرة في امتحان الشهادة السودانية قادته للدخول إلى كلية الطب بجامعة مرموقة قضى فيها العام الأول قبل أن يدعوه بعض أصدقائه للذهاب والإقامة معهم في معسكر للمذاكرة في أحد أحياء الخرطوم الراقية، وهنالك تعرف على (البنقو) والحشيش والكحول التي رفضها في بادئ الأمر قبل أن يذعن في النهاية لقول رفيقه (والله ما بتعمل حاجة نحنا لينا زمن بنستخدمها)، وما هي إلا أيام وسجل طالبنا ذلك اسمه بأحرف من نور في عالم الإدمان وتغيب عن الجامعة الى أن تم فصله، وأخفى تلك الحقيقة عن أسرته وظل يواصل استلام مصاريفه من تسجيل ومراجع ويرسل رسائل التطمين لأسرته بأنه لا يزال في الدراسة وأنه متفوق فيها، وتأتيه هدايا النجاح من كل حدب وصوب وتغمره أمه بالدعوات الصالحات كما بدأ والده في تحضير ما يلزم لافتتاح عيادة خاصة به عقب تخرجه المزعوم، بينما هو خارج الشبكة ويقضي الأيام والليالي ما بين دخان البنقو وماء الكحول وأحضان الساقطات ويصاب بكل ما يمكن أن يصاب به مدمن، وقد ذهب إلى مركز علاج إدمان في مرحلة متأخرة حيث كان يعاني من تليف الكبد وسرطان المعدة المتقدم، وفي أيامه الأخيرة وهو يمسك بيد معالجه بيديه الناحلتين وعروقه البارزة ويرمقه بنظرة شاحبة يطل من خلفها شبح الموت ويقول بكلمات ضعيفة وصوت مبحوح ?يا دكتور خلاص أنا ضعت وتاني ما برجع أحكي للناس عني عشان الباقين ما يضيعوا”.

زهرة السوسن

عندما ولدت نيرمان كان الجميع يرى فيها ملكة متوجة لما بدا عليها من حسن واضح وذكاء متقد، وقد صدق الحدس إذ أن أيام دراستها وهي في المرحلة الثانوية وقبيل امتحان الشهادة كان كل من يراها يؤكد أنها جميلة فارعة القد حسناء عيناها كأنهما الحد وأوصافها لا تحصى على العد، وبدأت مأساة نارمان في شتاء قارس وهي تتلقى رسالة نصية من صديقتها العزيزة كانت فحواها الليلة يا ريمي عيد ميلاد جيجي لتقوم هذه الزهرة النضيرة بأخذ تمام زينتها وتتبختر كالعادة في طريقها للاحتفال مع صديقاتها خصوصاً وأن ذلك اليوم قد صادف نهاية امتحانات الشهادة التي أبلت فيها بلاء حسناً ومتوقع أن تحرز درجات عالية، ولكن كان للقدر رأي آخر إذ بمجرد جلوسها في صالون الحفلة أتتها إحدى الفتيات وهي تحمل كوباً من الشاي، حيث قامت بكل هدوء بمد كوب الشاي لها وهي تقول اشربي يا ريمي وريني كيف، وبمجرد أن ارتشفت أول رشفة من تلك الخرشة المذوبة في كوب الشاي تسمر جسمها وأصيب بالخدر ومضت بعدها زهرة السوسن في طريق الإدمان، وأدمنت بعد ذلك كل شيء من خرشة وشراب الكحة والكحول والشيشة، وكانت نهايتها كنهاية أي مدمن أصابتها الأمراض المنقولة ومن تصاريف القدر أنها أحرزت درجات عالية في امتحانات الشهادة السودانية ولكنها فارقت الحياة قبل أن تطأ قدماها عتبة الجامعة.

كيف تعرف المتعاطي

هناك عدة علامات تظهر على المتعاطي من خلالها يمكن التعرف عليه، بعض هذه العلامات تظهر مباشرة وبعضها يحدث بعد فترة من التعاطي، وفي هذا السياق يقول بروفسور معتصم اللبيب استشاري الأمراض النفسية إن كثرة الحركة والكلام وحك الأسنان ببعضها البعض والتدخين بشراهة، وجفاف الريق وتشقق الشفتين وكثرة إخراج اللسان لمسحها كلها أعراض تبدو على المدمن أو المتعاطي، وأيضا الأرق وكثرة السهر وعند انتهاء مفعول الجرعة ينام الشخص لفترات طويلة، هذا بجانب ارتفاع ضغط الدم وزيادة ضربات القلب وزيادة إفراز العرق نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجسم وكثرة حك الأنف لجفاف الغشاء المخاطي وظهور رائحة كريهة من الفم وكذلك شحوب الوجه وظهور سواد حول العينين وضعف الشهية للطعام وغثيان وتقيؤ، ولكن بعد انتهاء المفعول تزداد الشهية للطعام.

هلوسات سمعية

ويضيف بروف اللبيب أن المدمن قد يعاني من الهلوسات السمعية والبصرية وتضطرب حواسه فيتخيل أشياء لا وجود لها، كما يؤدي الاستعمال إلى حدوث حالة من التوهّم حيث يشعر المدمن أن حشرات تتحرك على جلده وهناك من تظهر عليه أعراض تشبه حالات مرض الفصام أو جنون العظمة، وكذلك الشعور بالاضطهاد والبكاء بدون سبب والشك في الآخر، فمثلاً بعض المتعاطين يشك في أصدقائه بأنهم مخبرون متعاونون مع مكافحة المخدرات، وهناك من يشك في زوجته أن لها علاقات مع غيره مما يسبب مشاكل عائلية واجتماعية للمتعاطي ومن أضرارها الإصابة بالضعف الجنسي بعد طول الاستعمال وتشوه الجنين أثناء نموه خلال الشهور الثلاثة الأولى من الحمل عندما تتناول الأمهات الحوامل الأمفيتامينات، ومع الإفراط في الاستخدام يحدث نقص في كريات الدم البيضاء مما يضعف المقاومة للأمراض، كذلك تحدث أنيميا كما يؤدي إدمان الأمفيتامينات إلى حدوث أمراض سوء التغذية.

أسباب اجتماعية

وبحسب الدكتور وليد أن ظاهرة تعاطي المخدرات كغيرها من الظواهر الاجتماعية لا يجوز فصلها عن مجمل الظروف المحيطة بها في داخل المجتمع أو خارجه، فهي لا تنفصل عن الظروف الاقتصادية والسياسية التي تسود المجتمع، الأمر الذي يحتم على من يتناول مثل هكذا ظواهر أن يتناولها بشيء من التحليل للخصائص الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش فيها متعاطي المخدرات، ومن ثم تحليل ودراسة الأسباب الاجتماعية العامة المؤدية إلى انتشار هذه الظاهرة بين صفوف من هم في سن الشباب ما بين 14 سنة وحتى الأربعين.

آفة خطيرة

وبحسب اختصاصية علم النفس سامية عبد الله أن المخدرات هي الآفة الخطيرة القاتلة التي بدأت تنتشر في الآونة الأخيرة في كافة المجتمعات بشكل لم يسبق له مثيل، حتى أصبحت خطراً يهددها وتنذر بالانهيار. وأضافت: ثبت من الأبحاث والدراسات العلمية ـ والحديث لسامية ـ أنها تشل إرادة الإنسان، وتذهب بعقله، وتدفعه في أخف الحالات إلى ارتكاب الموبقات، وتبعاً لانتشار هذه المخدرات ازداد حجم التعاطي، حتى أصبح تعاطي المخدرات وإدمانها وترويجها مصيبة كبرى ابتُليت بها مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة، وإن لم نتداركها ونقضي عليها ستكون بالتأكيد العامل المباشر والسريع لتدمير كياننا وتقويض بنيانه، لأنه لا أمل ولا رجاء ولا مستقبل لشباب يدمن هذه المخدرات.

وأبدت سامية تخوفها وذلك لأن الأفراد الذين يتعاطون المخدرات يتطور بهم الحال إلى الإدمان والمرض والجنون، ليعيشوا بقية أعمارهم في معزل عن الناس وعلى هامش الحياة لا دور لهم ولا أمل، وتشير إلى أن زيادة إقبال الشباب على تعاطي المواد المخدرة، وأنه لم يعد الأمر مقتصراً على مجرد حالات فردية يمكن التعامل معها، من خلال المنظور الفردي، سواء بالعلاج الطبي أو الجنائي، بل تحول الأمر إلى ظاهرة اجتماعية، بل مأساة خطيرة، وهنا لابد أن ننظر إليها من مستوى اجتماعي وقومي.

عقبة أمام التنمية

وترى الباحثة الاجتماعية نهال أن تعاطي المخدرات وإدمانها ـ خاصة بين الشباب ـ تعتبر العقبة الكبرى أمام جهود التنمية، بسبب ما يفرزه الإدمان من أمراض اجتماعية وانحرافات، وكذلك ما يحدثه من آثار اقتصادية وصحية وسياسية سيئة، تعتبر معوقات لعملية التنمية. وتضيف أن مشكلة إدمان المخدرات ليست مشكلة أمنية فحسب، بل هي مشكلة اجتماعية واقتصادية، وصحية ونفسية، ودينية وتربوية وثقافية، وبالتالي فهي تدخل في نطاق اهتمام معظم أجهزة الدولة ومؤسساتها، وبالتالي يجب أن يخطط لها مركزياً، وأن يتم علاجها في إطار خطة قومية شاملة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية.

أصل الحكاية

ويقول البروفسور علي بلدو استشاري الأمراض النفسية ومدير مركز الأمل لعلاج الإدمان إن الإدمان تعدى مرحلة الظاهرة ليصبح وباء استشرى في المجتمع بكل درجاته وطبقاته المختلفة، إذ ينتشر وسط الأغنياء والفقراء على حد سواء على خلاف ما يعتقد البعض أن الادمان وليد البؤس والشقاء والظروف غير المؤاتية وغيرها من المعتقدات، في ذات السياق يضيف مدير مركز الأمل لعلاج الإدمان بروفسور بلدو أن العوامل المختلفة المؤدية للتعاطي والإدمان من الاستعداد النفسي والعامل الوراثي وعوامل البيئة تمضي جنباً إلى جنب مع رفقاء السوء والتعليم السالب، إضافة إلى مشاكل الهجرة والنزوح والاغتراب والتفكك الأسري والخلافات الزوجية التي تلقي بالأبناء والبنات في جب النسيان وبراثن الإدمان.

مراحل متعددة

ويمضي الخبير النفسي المعروف بلدو في حديثه ويقول إن الظاهرة أو ما يطلق عليه الطيف الإدماني يأتي عبر مراحل متعددة تبدأ بالتعود ومن ثم التحمل والزيادة في الكمية والشعور بالأعراض الانسحابية النفسية الجسدية عند التوقف، وتصاحب ذلك تغيرات بالوجه تؤثر على كيمياء الدماغ وتوازن الأعضاء الداخلية للجسم ومضاعفات خطيرة تؤدي إلى الوفاة، وأيضاً المشاكل القانونية كالسجن والجلد والمشاكل الأسرية كالطلاق وغيرها، ويؤدي أيضاً إلى تدهور الأداء الأكاديمي واللجوء إلى استخدام مواد مخدرة أو ذات تأثير عقلي وبالتالي تكون أكثر سمية وتجعل الشخص يتهاوى بسرعة نحو النهاية المحزنة.

اختلاف العلامات

وعن علامات الإدمان يقول بروف بلدو: تختلف العلامات باختلاف المادة المستعملة ولكنها تندرج في تغير السلوك واختلاف شكل العينين وجريان الأنف والأعراض الجسدية وتغير المظهر والتدهور على المستوى الاجتماعي والأكاديمي والاقتصادي والشخصي والزواجي والعملي والعلمي.

كيفية العلاج

والعلاج يتم بعد الكشف العضوي والنفسي وعمل التحاليل للدم والبول والفحوصات الخاصة ومن ثم إدراج المدمن في البرنامج العلاجي في المركز وإزالة السمية من الجسد ثم تصحيح الآثار السالبة للإدمان مثل مشاكل القلب والكبد والرئة والرأس والكلية ومن ثم عمل العلاج التأهيلي المصاحب وإعادة الدمح وعمل البرامج اللازمة للتعافي والإرشاد الأسري والاجتماعي والمعرفي و السلوكي كما يمكن استخدام العلاج الجماعي والموسيقى وعمل الحملات الخاصة بالتوعية والإرشاد للوقاية من خطر الإدمان.

وهذه دعوة لكل الأسر التي يعاني أحد أفرادها من هذه المشكلة للإسراع به للعلاج من أجل سرعة التعافي مع العلم بأنه يتم التعامل مع كل الحالات بسرية وخصوصية مطلقة وبمهنية عالية واحترافية ممتازة جداً. وهناك أمثلة لمئات وآلاف المدمنين تم انتشالهم من مستنقع الإدمان والترحيب به في الحياة من جديد. ويوجد في السودان العديد من المستشفيات التي تعالج الإدمان مثل مستشفى التجاني الماحي مثلاً، وكذلك العديد من المراكز مثل مركز البروفسير عبد العال الإدريسي لعلاج الإدمان.
الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..