مقالات وآراء سياسية

لماذا عجزت النخب السودانية عن بلوغ العقلانية تحت ظل أعتى محنها؟..

طاهر عمر

الإجابة على هذا السؤال تدور حول أن النخب السودانية أسيرة ثقافة تقليدية لا تقوى على مجابهة الواقع المعقد بفكر جديد وبالتالي تمر على الشعب السوداني أعتى أنواع الإحن والمحن مثل حالة حرب البرهان وحميدتي الدائرة الآن و عقل النخب لا يغشاه التغيير بل يتشبث بفكر يصر على أن يكون خارج التاريخ بل يحاول أن يحكم على التاريخ بفلسفة تاريخ تقليدية.
وهم على هذه الحالة لم تضف الأحداث إليهم والى فكرهم معرفة تمكنهم من أن ظاهرة المجتمع تحتوى على كيفية تحاورها مع عملية التحول في المفاهيم وأن عالمنا المعاصر تمسك بتلابيبه سلسلة من المشاكل تمثل قلب التحولات المتجددة وتحتاج لفك شفرتها ومعرفة كنهها وكيف تسير في مسيرة تراجيدية ومأساوية منفتحة على اللا نهاية إلا أنها تحت سيطرة العقل البشري وفقا لمجد العقلانية وإبداع العقل البشري.
للأسف أن حركة المجتمع بطيئة مقارنة بوجود فلاسفة ومفكريين يتحدثون عن التغيير ويرونه برؤية العين ولكن حدوثة قد يحتاج لعقود نضرب مثلا أن فولتير فيلسوف الثورة الفرنسية كان يرى أن التغيير لا محالة قادم وكانت كل أفكاره تراه كأنه سيحدث غدا إلا أنه قد إستغرق زمن طويل ودوما تذكر قصة عودته من فترة لجؤه الى إنجلترى وقد عاش لاجئ فيها وعندما عاد كان يقول بأن التغيير قادم لا شك في ذلك بل يسمع وشوشة مواكبه وهي مسرعة نحو فرنسا وكان متفائل بأنه لا يحضره ولكن لم يشك في مجيئه بل شجع الفرنسيين الى الإستعداد لقدوم الثورة وكان يحدوه أمل وفرح بأن أفكاره وشجرتها سوف تجني ثمارها أجيال قادمة.
فولتير كان يعرف أن أفكاره لم تحدث في زمنه وتتحقق أماله بعصا سحرية ولكن هذا لم يمنعه من التفكير للمستقبل البعيد من أجل تقدم مجتمعه وتقدم فرنسا وهذا هو البعد الغائب عن طريقة تفكير النخب السودانية . الأغلبية يفكرون بأن التغيير سوف يحدث في زمنه بل يجب أن يجزى على فكره بأن يكون وزيرا أو زعيم أو صحافيا شهيرا دون أن يطلب العلم الكثيرا الذي يسمح له بتقديم فكر تجني ثماره الأجيال القادمة من رحم المستقبل البعيد بعد موته ورحيله الأبدي عن هذا العالم.
هذا ما يجعل فكر النخب السودانية فكر مثل الوجبات السريعة التي تؤدي للتضخم في ذاتهم وسرعان ما يتبخر فكرهم تحت حرارة الأحداث ومثلما حدث لقحت التي ترى دوما بنظر لا يتخطى موقع أقدامها ويغلب على بالهم التكالب على السلطة وها هي الحرب العبثية بين البرهان وحميدتي تبخر فكرهم وآمالهم لأنه فكر لم يؤسس على قواعد صلبة.
غفلة النخب السودانية غفلة موروثة وقد خلّفت حلقات مفرغة ومحكمة الإغلاق كسرها والشب عن طوقها يحتاج لتغير في طريقه التفكير السائد في حيز النخب السودانية وهو موروث منذ خيبة أتباع مؤتمر الخريجيين وقد عجزت الأجيال المتلاحقة أن تخرج من أسر ثقافته التقليدية والمضحك يريدون أن يقاربون بها ظواهر مجتمعات تقليدية تريد أن تلحق بركب انسانية قد فارقت طريقة تفكير المجتمعات التقليدية.
وهذه واحدة من الأسباب التي تنتج كوارث متسلسلة ومصائب متجددة في فترات زمنية قصيرة جدا توضح فشل النخب السودانية وهي عاجزة من أن تدرك أن عالمنا المعاصر يحتاج لفكر ليس موجود في خزائنهم وأن فكرهم السائد الآن كعملة أهل الكاف لا تشتري شئ من معرض فكر عقل الأنوار ومجتمعات الحداثة.
من هنا ستكون الفترات التي تفصل بين الأحداث والكوارث في ساحة الشعب السوداني لا تفصل بينها فترات زمنية طويلة بل ستكون سلسلة متلاحقة من الأحداث المؤلمة في قمة مأساتها وتراجيديتها تجر بعضها بعض بحريق سيقضي على المجتمع القديم وتقضي على فكر المثقف التقليدي وتقضي كذلك على فكر المؤرخ التقليدي.
وما حرب البرهان وحميدتي إلا بداية لكوارث ومحن وإحن لا يقطع تسلسلها وقصر زمن حدوثها غير طريقة تفكير النخب السودانية بفكر جديد يفتح باب اليقظة التي تفتح على مواجهة أنفسهم بأنهم لا علاقة لهم وفكرهم بعالمنا المعاصر وأننا نحتاج فكر عقل الأنوار.
حرب البرهان وحميدتي العبثية قد نبّهت النخب السودانية الفاشلة وأيقظتها من نومها العميق ولكنها للأسف قد إستيقظت من نومها على كوابيس الحرب وما يلحقها من تدمير لمجتمع تقليدي يلفظ أنفاسه الأخيرة وما أنفاسه الاخيرة خير النخب الفاشلة.
حال السودان الآن لا يختلف عن حال أوروبا وهي تستيقظ على كوابيسها في فترة نهاية ليبرالية تقليدية وميلاد ليبرالية حديثة والنتيجة قد كانت مآسي حربين عالمتين وبعدها آمنت أوروبا بالسلام والإزدهار المادي وهذا يفصلنا عنه ثمانية عقود وهي المسافة الفاصلة بين النخب التقليدية في السودان ونخب العالم الحديث أي أن نخب السودان تفكر بطريقة عقل ما قبل منتصف الأربعينيات من القرن المنصرم في المجتمعات الحديثة.
مثلما دفعت المجتمعات الأوروبية كثير من الدم والعرق والدموع بسبب كوابيسها وبعدها فارقت فكرها التقليدي وفلسفة التاريخ التقليدية كذلك اليوم يسير الشعب السوداني في طريق  ملئ بالكوارث كحاله اليوم في ظل حرب البرهان وحميدتي العبثية وكما قلنا ستعقبها كوارث متسلسلة في فترات زمنية متقاربة مثل الهزات الإرتدادية للهزة الكبيرة إلا أنها لا تعيد المجتمع السوداني الى الوراء كما يعرف بأن عقارب الساعة لا تعود للوراء.
سوف تنفتح شهية الكيزان للعودة للسلطة بسبب قصر نظرهم وأحلامهم الطفولية وهي قد ضلّت عن فهم الماضي وقد أساءت للمستقبل لكنهم لا يعرفون أن أقدامهم الآن في منتصف مزبلة التاريخ وأن المستقبل له بيوت لا يدخلها كوز لأن أبناء المستقبل في السودان هم أبناء الحياة وأبناء الحياة لهم صفاتهم ولا يدركها من على عقولهم أغفالها.
مسألة إنفتاح شهية الكيزان للسلطة تشابهها ظهور الفاشية والنازية في إصرارهما على ديمومة كوابيس أوروبا وهي تحاول مفارقة فكرها التقليدي فكانت النازية والفاشية فكرتين نتاج غفلة فكانتا عابرتين وكذلك الكيزان فهم أبناء غفلة النخب الفاشلة وما تاريخهم إلا لحظات عابرة في كتاب الزمن المتجدد.
للأسف قحت وهم زبدة النخب الفاشلة قد أصبحت مثل البقرة الرزية إلا أنها نطّاحة وهي بهذه الخيبة والعجز عاجزة عن أن تكون عقلانية وأخلاقية لأنها كانت معارضة للحركة الاسلامية التي قد كانت ثمرة مرة لفكر منذ بدايته خارج التاريخ . فكر قد أنتجه عقل الكوز قارئ التراث بذاكرة محروسة بالوصاية وممنوعة من التفكير.
في نفس الوقت كانت المعارضة التي تعارض الحركة الاسلامية تحمل نفس أعراض مرض الكيزان وهو مرض يقتل كل فكر متجاوز لعقل المجتمعات التقليدية لهذا ها هو السودان يصل الى نهايته المؤسفة وهذه النهاية بداية لكوارث وأحداث ومصائب وحروب تظنون أنها النهاية إلا أنها مبتداء الأوجاع كما يقول السيد المسيح.
من مقولات السيد المسيح أن البذرة عندما تدفن للزرع تموت ثم تنبعث في نبت جديد وهي مقولة توضح لنا أن بذرة المجتمع السوداني قد بذرتها يد الزمن الآن وهي في مرحلة موتها لكي تنبت من جديد لتعلن عن موت المجتمع السوداني التقليدي وستكون النبتة الجديدة مجتمع حديث مفارق وغير مصادق على عقل الكيزان ومعارضتهم التي تحمل نفس أعراض الكيزان وهم كذلك لأنهم أتباع الامام ومولانا.
هم كذلك غاصين في وحل الفكر الديني مثلهم مثل الكيزان أي أتباع أحزاب الطائفية . حرب البرهان وحميدتي العبثية وما يعقبها من كوارث متسلسلة تفصل بيها فترات زمنية قصيرة هي فترة الثلاثة أيام التي تموت فيها البذرة وتظهر من جديد كنبتة جديدة وتحتاج لعقل وفكر جديد لا علاقة له بفكر المجتمع التقليدي السوداني السائد الآن.
لا شك في أن كوارث السودان المتسلسلة يعقبها إنبعاث لمجتمع سوداني جديد منتصر للفرد والعقل والحرية فاهم لمعنى المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد وهذا يعيد لنا لحظة كيف إستيقظت النخب في أوروبا نتيجة لثمرة الثورة الصناعية بأن المجتمع قد غشته تغييرات هائلة وبالتالي انتبه لها الفلاسفة والمفكريين والمؤرخيين وعلماء الاجتماع.
وهذه التغيرات الهائلة في المفاهيم قد ظهرت في الأدب الأوروبي كمؤشر لعلاقة الأدب بتاريخ الفكر الاقتصادي مثل إبداع شارلز دينكز في قصة مدينتين ونجد نفس فكره قد كان الشغل الشاغل لفيلسوف ومفكر ومؤرخ فرنسي مهم جدا في إنتباهه للتغيير الذي قد غطى المجتمعات الاوروبية وقد أحتاج لتطوير فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد وأقصد توكفيل.
وهذا هو الذي ينتظر النخب السودانية في إدراك أن الكوارث المتلاحقة تحتاج لنفس طريقة تفكير كل من شارلز ديكنز في آدابه وتوكفيل في فلسفته وعلم اجتماعه كمؤرخ غير تقليدي قد تحدث عن الديمقراطية بمعناها الحديث كبديل للفكر الديني ونهاية لكوارث وحروب ومصائب متسلسلة تفصل بينها فترات زمنية قصيرة كحال حرب البرهان وحميدتي العبثية.
وهذا يحتاج من النخب السودانية لإعادة ترتيب بيتهم من الداخل ومواجهة مع النفس لكل فرد منهم وخاصة الذين قد بلغ زمنهم وهم على مشهد الفكر ما يزيد على الستة عقود في ظل فشل موروث وقد ناولوه لمن بعدهم.

 

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..