المؤتمر العام للمؤتمر الوطني

في سبعينات القرن الماضي كنت في الاتحاد السوفيتي الذي كان, وفي تلك الأيام صادف انعقاد المؤتمر الرابع والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي, وقد تندر الروس رغم الضغوط السياسية والقمعية عليهم الا ان هذا لم يمنع المواطنين من السخرية من المؤتمر..!
سخرت كل اجهزة الاعلام للدعاية للمؤتمر الصحف, الاذاعة, التلفزيون وحتى الشوارع تم تزويدها بمكرفونات تتحدث عن الحدث التاريخي الذي هو المؤتمر الرابع والعشرين, فإذا ركبت أي وسيلة مواصلات تواجهك الدعاية المكتوبة والمسموعة وفي بعض الأحيان المرئية..!
أكثر الطرائف سخرية عن المؤتمر الرابع والعشرين تناقلها المواطنون فيما بينهم كانت ما يلي:
جاء أحد العاملين الى مكان عمله في هيئة مزرية ملابس العمل كانت غير مكوية ومكرفسة ومدير العمل طلبه في مكتبه وأنبه على هذا المظهر السيء وان العاملين في مؤسسته يجب ان يكونوا في مظهر مشرف. فالنظام والمظهر في المؤسسة هما الأساس فالمظهر عنوان الجوهر فلماذا حضرت للعمل بهذه الهيئة المزرية..؟
أجاب العامل سيدي البارحة فتحت التلفزيون وكان كل الحديث عن المؤتمر الرابع والعشرين, تحولت الى الراديو فكان الأمر كذلك, قرأت الصحيفة فما كان الحديث الا عن المؤتمر الرابع والعشرين, فتحت مسجل ابني لاستمع الى موسيقى فاذا به يحوي اناشيد وأغاني عن المؤتمر الرابع والعشرين بعد ذلك سيدي المدير خفت أن أفتح المكوة لكي ملابس العمل..!
المؤتمر العام للمؤتمر الوطني ولا أدري ماهو رقمه, لم يثر اهتمام المواطن إلا اولئك العاملين عليه لأسباب لا تعملونها الله يعلمها, وكما ان ما سيخرج به من قرارات لن تختلف عن قرارات المؤتمرات التي سبقته بل هي تكرار ممل لها..!
المواطن السوداني ليس في حاجة كصاحب الطرفة الروسية لاغلاق التلفزيون أو الراديو أو حتى لاغلاق المكواة ففي الغالب لا يملك معظم هذه الضروريات ان لم تكن كلها وحتى ان كان يملك بعضاً منها فالكهرباء كفيلة بانقطاعها عن انقاذه من السماع أو المشاهدة للمؤتمر العام للمؤتمر الوطني والهيلمانة التي صنعوها حوله..!
والحديث عن المؤتمر الوطني أقول انه نسخة منقولة عن الحزب الشيوعي السوفيتي كما لو كان نسخة كربونية وهو الحزب المهيمن على الحياة السياسية كما صنوه الشيوعي السوفيتي, والفرق بين الاثنين ان الشيوعي السوفيتي قاد ثورة استولى فيها على الحكم وأخذ يدير سياسة البلاد وفق منظوره السياسي فالمكتب السياسي فيه هو الآمر الناهي في الدولة. ولكنه جمع مجموعة من العواجيز ويبلغ عددهم الخمسة عشرة وقد تهكمت هيئة الاذاعة البريطانية وقالت ان مجموع أعمار المكتب السياسي للحزب الشيوعي يبلغ ألف وثلثمائة وخمسين عاماً..!
أما المؤتمر الوطني فبخلاف السوفيتي لم يقد ثورة ولم يستولى على مقاليد الحكم انما تمت صناعته والمصنوع يتبع لقوانين صانعه وليس العكس فهو رغم هذه الهيلمانة لا يملك من الأمر شيء انما يخضع لقوانين صانعيه وهو في المشهد السياسي شاهد ما شافش حاجة وحتى لا أكون مجافياً للحقيقة أورد دليلاً هاماً وأساسياً ففي محادثات نيفاشا كان المؤتمر الوطني يتم تنويره بما دار ويدور رغم انه كان من المفترض ان يرسم السياسة التي تجرى عليها المفاوضات بل كان يجب ان يكون المتابع لكل صغيرة وكبيرة في هذا الأمر الهام الذي يرتكز عليه مستقبل البلد وبقائها..!
هل كان المؤتمر الوطني هو من أعطى حق تقرير المصير للجنوب..؟ وهل كان المؤتمر الوطني هو من وافق على سحب الجيش السوداني رمز السيادة من جنوب السودان..؟ وهل قرأ المؤتمر الوطني القانون الدولي الذي ينص على منح حق تقرير للأمم ذات الثقافة واللغة المشتركة..؟ هل تنطبق على جنوب السودان هذه الشروط..؟
ما معنى ان تسحب الجيش رمز السيادة على الأرض من الجنوب أليست هذه الخطوة اعترافاً باستقلال الجنوب قبل أن يستفتي أهله, وبعد كل هذا ينتظر المؤتمر الوطني نتيجة استفتاء كانت قد حسمت قبل ست سنوات, ومن ثم يذرف الدمع على الانفصال..؟!
واذا كان المؤتمر الوطني هو المسؤول عن كل هذه الكوارث السياسية التي أصبحت تهدد بقاء ومستقبل السودان..!!
القرارات التي تتخذ فيه أشبه بتلك الطرفة التي تقول ان في أول برلمان سوداني كان أحد الشيوخ مستغرباً في المنصة الدائرية الكبيرة والمستديرة كيف تم ادخالها من ذلك الباب الصغير..؟ فسأل أحد الاخوة الجنوبيين عن ذلك فقال له “كتو وبنوا أوده” أي انهم وضعوا تلك المنصة وبنوا عليها المبنى..؟!
القرارات التي تصدر عن المؤتمر العام تصدر بطريقة “كتو وبنوا أوده” أي أن القرار يصدر من صانعي المؤتمر الوطني الذي لا يجد مفراً من تنفيذها..!
واذا كان المؤتمر الوطني يعتبر ان اعادة انتخاب الرئيس انجازاً فهو مخطيء واعتقد ان هذا يمثل قمة الفشل وهو تأكيد للفشل الذي أدمنه المؤتمر الوطني في العقدين السابقين حين ظهر طفحاً على الجسد السياسي..!
وما دام أول قرار هام قد توج بالفشل فلا تنتظروا نجاحاً بعد ذلك..!
[email][email protected][/email]
مقال رائع وهادف يادكتور.وفقك الله
ثم ماذا فعل الحزب الشمولي (الحزب الشيوعي) بالاتحاد السوفيتي؟ قام الحزب بتقسيم الاتحاد السوفيتي الى 15 دويلة صغيرة اكبرها روسيا التي ورثت الدولة الام. فالاتحاد السوفيتي منذ تكوينه عقب الثورة البلشفية 1917م. صارت دولة عاتية وفيها كل مقومات وعوامل القوة حتى أصبحت دولة عظمى. ولكن بفعل ممارسات الحزب (الشيوعي) الشمولي ، والتنكيل بالشعب …. سقطت الدولة وتفرقت شذر مذر وصارت كل جمهورية مكونة للدولة الام صارت دويلة قائمة بذاتها…. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد، بل ذهب الى اكثر من ذلك حين تفككت دول اوربا الشرقية برمتها وهي التي كانت تساند السوفيت. مثل شيكوسلوفاكيا… بل تفككت المنظومة الشيوعية في العالم اجمع. والان نحن في السودان على نفس الخطى … بفعل الممارسات والسياسات الرعناء سيتفكك السودان الى سبع دويلات صغيرة(الشرق والشمال والوسط والخرطوم وكردفان ودارفور والنيل الازرق). حينها سيسقط اسم السودان من الخارطة الجغرافية في المنطقة… كما ستكون تجربة الحكم الاسلامي تجربة فاشلة وغير مرغوب فيها في العالم اجمع، اشارة للأنموذج السوداني الفاشل الذي أفضى الى تقسيم الدولة الموحدة، كما حدث ذلك للتنظيم الشيوعي عند انهيار المعسكر الشرقي في العام 1990م. وقد بدأ التحذير من الأنموذج السوداني في كثير من الدول التي تحيط بالسودان (مصر وليبيا) وبعض دول الربيع العربي (تونس وسوريا)، في اشارة الى ان الانموذج السوداني لم يستطع حتى المحافظة على وحدة البلاد (اشارة الى انفصال الجنوب) دعك من تحقيق التنمية وتقديم الانموذج الأمثل في نظام الحكم الرشيد والادارة الراشدة