حوار مع الممثل الدرامي والأكاديمي محمد عبد الرحيم قرني

حوار: سحر محمد بشير
تخرّج من معهد الموسيقى والمسرح الدفعة السابعة 1979م، عمل بوزارة الثقافة الخرطوم ثم عمل بولاية النيل الأزرق الدمازين والروصيرص، وبعدها شغل منصب مدير قسم الدراما بقصر الشباب والأطفال في الفترة من «1980 م -1992م» ليذهب بعدها في إجازة معلنا نفسه كفنان محترف وهو صاحب المقولة الأشهر في الوسط الفني «الفن طائر يطير بجناحي الحرية والديمقراطية». ألف للتلفزيون سلسلة «ناس وناس» وشارك بالتمثيل في عدد من الأفلام والمسلسلات أشهرها «الشاهد والضحية». إنه الأستاذ محمد عبد الرحيم قرني التقيناه في هذا الحوار وتجاذبنا معه الحديث حول الدراما السودانية وهمومها ومشكلاتها ودورها المنوط بها وعدد من القضايا ذات الصلة بالفن الدرامي، كان صريحاً كعادته في إجاباته حرصاً منه على إيصال صوت الدراميين الى المسؤولين والقائمين على أمر الثقافة..

> رغم أنك تخصصت في المسرح إلا ان وجودك بالاذاعة والتفزيون كان أكثر؛ ألم يستهوك المسرح؟
– لا أعتقد أن الفنان يركن الى نوع واحد من الفنون وأنا اصوّب هذا الرأي لأن عملي في الإذاعة كان أكثر وبشكل متواصل، لكني قدمت الكثير من الأعمال الخالدة، يقولون عليّ مُقل لكني أتعامل مع الفنون بقدر من التدقيق لذلك قدمت اعمالاً قصدت منها أن تكون لها القدرة على إرسال إشاراتها لأبعد مدى وتكون في الذاكرة وتمس قضايا حقيقية.
> ممثل وكاتب ومخرج وأكاديمي… تعدد التخصصات ألا يجعلك في حالة تشتت ذهني؟
– بالعكس! لأن مصدر الإبداع يخرج من مشكاة واحدة وبعد ذلك يتلون بألوان مختلفة. ودائماً يكون لديك جزئية أو تخصص تميل اليه أكثر، أنا عُرفت كممثل اكثر ولكني أستاذ للدراما مارست تدريس فنون الدراما لسنوات طويلة وأنشأت عددا من الفرق وأشرفت عليها، كما أشرفت على ورش تدريبية داخل وخارج السودان فاكتسبت معرفة لا بأس بها وأستطيع القول إني قادر على تقديم اعمال التمثيل، التدريس، الإخراج والكتابة تجد القبول، وآمل أن أطوّر نفسي اكثر لأن هذا المجال مفتوح الى أفق بعيد لا نهاية له ويحتاج منك ان تكون مصقول الأدوات ومنفتح الذهن ولديك قدرة على الاستيعاب والتعلّم وإعادة ما تتلقاه من ثقافة في شكل إبداعي سواء كان تمثيلا او إخراجا أو كتابة أو حتى محاضرات ومشاركة بأوراق علمية.
> على ذكر الفرق الدرامية، رأيك في الفرق الموجودة الآن بالساحة بالتركيز على الفرق الكوميدية؟
– الأصل في المسألة أن يكون هنالك فن نظيف قادر على إيصال قضايا المجتمع، الكوميديا والتراجيديا وما بينهما هي طرائق لتوصيل أهداف وقضايا محددة. الفنان يجد في نفسه قدرات منها ما يسمى بالقدرة على الإضحاك والسخرية أو تراجيديا هذا مناط بالفنان، أنا عن نفسي أقول ليس هنالك فنان كوميدي أو تراجيدي، إنما هنالك فنان جيد يدري بقضيته وله أدوات مصقولة على مستوى الجسد والصوت والثقافة لذلك هو يكون قادرا على تقديم كل فنون الدراما بأشكالها المختلفة.
> أين الأستاذ قرني الآن؟
– أنا موجود في الحركة الفنية والثقافية وأشارك على مستوى الإذاعة بشكل مستمر في الأعمال الدرامية وعلى مستوى المسرح أحرص على تقديم أعمال تبقى في الذاكرة. آخر الأعمال قدمتها في العام 2014م تجربة في مختبر الخرطوم المسرحي ولي ايضاً عدد من الأعمال قدمتها داخل وخارج السودان عبر المسرح وفي التلفزيون قدمت ايضا قبل ثلاثة أشهر مسلسل «المهمة 56» مع المخرج شكر الله خلف الله وهذا المسلسل جاء بعد توقف دام عشر سنوات للدراما السودانية حيث قُدّم آخر مسلسل 2003م.
> برأيك أين تكمن المشكلة الحقيقية للدراما السودانية وما الحل؟
– مشكلة الدراما السودانية تكمن في جزءين. الجزء الاول سياسي تنفيذي على مستوى الدولة، يجب ان يكون هنالك قرار سياسي وأن تجد الثقافة والفنون اهتماماً كالصحة والتعليم وبذلك تُرفع ميزانيتها وأن تكون هنالك خطط إستراتيجية واضحة وفلسفة فنتعامل من خلالها واي نوع من الدراما نريد، نحن نملك تاريخا وتراثا وقصصا وأحاجي وهذه مصادر الدراما نريد أن نخرجها حتى لا يحدث استلاب ثقافي . فأن يختصر دور الدراما على عرض الأجنبي مصدر خطورة كبير، لذلك نحن نقول نحتاج لقرار سياسي واضح يلتف حوله السياسيون والتنفيذيون في الدولة.
الجزء الثاني مشكلة الإنتاج ولحل تلك المشكلة لا بد أن يدخل القطاع الخاص أو رأس المال الوطني في هذا الأمر ويتعاملون مع هذا المجال الحيوي مجال الدراما تعاملا استثماريا، ونحن لنا خبرات موجودة في العالم الخارجي فما بالنا نبخل على هذا الوطن؟. الآن يوجد في العالم بما يسمى باقتصاديات الثقافة لديها قدرة على الإنتاج هائلة. علينا أن نؤسس لصناعة الفنون في السودان قبل أن يأتي مستثمر من الخارج ونفوّت على أنفسنا الفرصة.
> ما تقييمك لما يدور الآن في الساحة الدرامية؟
– الدرما السودانية أشبه بظاهرة النهر المتقطع تتدفق حينا وتجف احيانا كثيرة وهذا امر خطير لأن الدراما تعامل يومي مع الحياة لذلك لا يمكن ان تكون موسمية لأن حجم المخزون التراثي والإجتماعي والفني في السودان كبير جدا لا يمكن ان نجمعه في مسلسل او«إسكتش »، نحن نحتاج لعمل متواصل في الدراما في كل المناحي. وقد أصبحت فنون الدرما في كل العالم فنونا لازمة وسمة مميزة لتطور ورقى الشعوب، نحن قد تكون لدينا ظروف على المستوى السياسي والاقتصادي لكن هذا الأمر لا ينبغي أن يقعد بنا لأن الدراما قادرة على زيادة الدخل القومي. فقط نطالب بالاهتمام بالدراما ونحن نجابه الكثير من المشاكل الداخلية والخارجية، والدرما لديها القدرة على رتق النسيج الاجتماعي السوداني وهذا ما نسعى اليه. لذلك نحن نتطلع لعمل مشترك بيننا وبين الدولة كجهة تنفيذية نأمل في عقد مؤتمر قومي كبير لقضايا الدرما مثلما دعونا لمؤتمرات للسلام ولتطوير الاقتصاد والمرأة والطفل، ونخرج بتوصيات تكون ملزمة بالتنفيذ لكل الأطراف المشاركة.
> مؤتمر قضايا المسرح الذي عُقد مؤخراً برأيك هل استفاد الدراميون من مخرجاته وتوصياته؟
– للأسف كثير من المؤتمرات تبدو عناوينها صحيحة ويلمسون لب المسألة ونتداول ونقدّم الأوراق العلمية من خلال الأساتذة والدكاترة ويخرجون بتوصيات هي قادرة على أن تقدّم شيئا مطلوبا للدراميين. لكن للأسف هذه التوصيات تظل حبيسة الأدراج ولا تُنفذ. في وقتها تكون جذابة وفعّالة وتجد الوعود من المسؤولين ولكن لا تبارح مكانها، ليس في مؤتمر قضايا المسرح فحسب ولكن قبله عشرات التوصيات عبر اتحاداتنا الفنية او السمنارات الراتبة. نكاد نحفظ هذه التوصيات عن ظهر قلب ولكن بدون تنفيذ.
> ناديت مطالباً باستبدال اتحاد الدراميين بنقابة، فما المغزى من هذا الطلب؟
– إن هذا الأمر يصب في جانب هام جدًا وهو جانب حرية الحركة والقدرة على التعامل وفق رؤية أكثر تطورا باعتبار أننا نريد أن نخرج من ثوب السلطة أومؤسساتها القابضة التي تضعنا تحت ظروفها وسياساتها الخاصة والتحولات التي تحدث لها.
أن نكون في نقابة حرة مُسجلة يجعلنا نتحمل قدرا كبيرا جدا من المسئولية ويكون لدينا مساحة للتحرك ويكون لدينا الحق في مناقشة السُلطة بأعتبار انها مُخدّم أيضا ويكون لدينا حق الإضراب وحق تلقى التبرعات والتعامل مع منظمات خارجية شبيهة، والعالم الآن يشهد حركة واسعة في مجال الفنون. عبر وجود نقابة نحن نستطيع أن نمد أيدينا للآخرين عبر المهرجانات والمنتديات العلمية وهنالك منظمات تسهم في التبادل الثقافي تعمل على تأهيل الدراميين عبر دراسات عليا وهبات ومنح وكُل ذلك مرتبط بأن نكون نقابة عمل، أما ارتباطنا بالاتحاد الذي يتبع لوزارة الثقافة ويعمل بقوانين الدولة فيفقدنا جزءا من أهليتنا وقدرتنا على الحراك، والأصل في مسألة الفنون هي الحرية فما بالك اذا كنا نحن الفنانين مقيدين تحت هذه القيود، وبالمناسبة لقد انتبه لهذا الأمر أستاذنا الراحل محمد خيري أحمد وقرر أن نفكر في عمل نقابة «وهذا مُسجل» ولذلك هو سبق الكثيرين ولكن للأسف غابت هذه الرؤيا عن الكثيرين ، ومن هذا المنبر ادعو إخوتنا الدراميين أن يلتفوا حول هذه الرؤيا لأن النقابة ستخرج بنا نحو واقع أفضل للدراما.
> الدراما السودانية برأيك هل تسير إلى تطور أم هي متراجعة؟
– على مستوى العالم في تطور. والسودان جزء من العالم ، فالتكنلوجيا الحديثة غدت تُصوّر بأحدث الكاميرات التي لا يملكها تلفزيون السودان! وتمنتج بأجهزة حديثة جدا وهذه مفارقة فالتكنلوجيا مُسخرّة لأعمال على المستوى الشخصي. فمن الأولى والأجدى أن يكون لتلفزيون السودان وان تكون لديه القدرة والمسئولية والفهم لملاحقة التكنلوجيا الحديثة لأن تجويد المادة بالمواصفات الحديثة هي بوابتك للعالم ولكن نحن مازلنا نعاني من وهدات وتخلف على المستوى التقني وعلى مستوى دراساتنا لا يوجد معهد لتدريس فنون السينما والتلفزيون، نحن نحتاج لتغطية بعض الفجوات حتى نستطيع مواكبة العالم فنحن بهذا نتعبر متأخرين.
> السينما السودانية أين هي الآن؟
– «أوووو»! هذا حديث موجع هل تعرفي أننا ومنذ الأربعينات كنا نمتلك سينما متكاملة وبدأت ونشأت في وحدة أفلام السودان وقدمت أعمالا ما زالت باقية وكانت عبارة عن أعمال توعوية واتجهنا الى عمل سينما على حساب القطاع الخاص وللأسف الدولة لم تتدخل في هذا الانتاج؛ رغم انه اُوجدت مؤسسة الدولة للسينما لكن كانت مهمتها إستيراد الافلام وبيعها بشكل تجاري ولكن لم تحاول هي كمؤسسة من الدولة أن تقوم بالإنتاج وهذا قصور في فهم أهمية الفنون من المسئولين في الدولة. لذلك تصدى القطاع الخاص وهنا اذكر الفنان الراحل جاد الله جبارة وهو من رواد وصُنّاع السينما السودانية ومن قبله عمنا الرشيد في عطبرة «1967م» الذي أنتج اول عمل سوداني «أحلام وآمال» وقد كانت تُوجه انتقادات للجودة.
كل إنتاجنا في السينما الروائية لم يتعد «7» أفلام حتى هذا القرن الجديد آخرها كان فيلم «بركة الشيخ» ، حتى فيلم «عُرس الزين» للكاتب الدكتور الطيب صالح ولممثلين سودانيين إلا أنه وحسب ادبيات السينما يعتبر إنتاجا كويتيا لأن المنتج والمخرج من الكويت. السينما توقفت ولا توجد دور عرض وهذه من المساءلات التي يُسأل عنها هذا النظام فقد اتخذ موقفا غير مبرر تجاه وجود دور السينما وبالتالي أوقف فكرة أن تقدم أفلام للجمهور فبدأت هذه الثقافة تضمحل وتتراجع، فللسينما دور ترفيهي واجتماعي كبير ولو استمرت السينما لكان هنالك مُشجع لإنتاج أعمال سودانية، كان هنالك بمصلحة الثقافة حتى نهاية الثمانينات قسم ينتج سينما سودانية ومتطورة ويقف عليه خريجون وفنانون يكادون يكونون عالميين كإبراهيم شداد والطيب مهدي برعوا في الأفلام القصيرة التوثيقية أو التسجيلية ونالوا جوائز لكن للأسف بارحوا الخدمة والحقوا بالمعاشات وهم موجودون الآن كجمعية خاصة باسم جمعية «الفيلم السوداني» ويحاولون ممارسة هذه الثقافة.
السينما السودانية لم تجد الاهتمام اللازم من الدولة لذلك صارعت بقواها الذاتية، والسينما صناعة ضخمة تحتاج لرأس مال كبير، وهذه من المآخذ التي نأخذها على الأنظمة السياسية التي تعاقبت على هذا الوطن أنها قصرّت في حق السينما.
> ما رأيك الشخصي في هجرة المبدعين؟
– لا أحمل على المهاجرين طلبا للرزق أو اكتساب معرفة أو لتقديم أعمال في مجال اوسع، فكلما ضاق الوطن سيهاجرون كما يهاجر الطبيب والمهندس. فلنجعل من هذا الوطن مساحة رحبة وأعتقد انهم هاجروا مغاضبين ولأسباب فقد أرادوا أن يتوسعوا في المهنة بعد الضيق الذي حلّ بها داخل الوطن. وهذه نقطة واشارة للدولة ان ينتبهوا للواقع الثقافي وهجرة الفنانين لأن الفنان هو ضمير الأمة الحي ونحن لا نريد أن ندمن ثقافة الشكوى والوقوف على أبواب السلاطين.
> الفن كرسالة وقدرته على حلحلة مشكلاتنا الاجتماعية؟
– السياسي جثم على صدر الإبداعي والفني وحبس عنه الأوكسجين النقي وحاول أن يحاول المشكلات الاجتماعية ولكنه بين الحين والآخر يرجع ويستعين بالفن فالفن وعبر السنين يعتبر واحدا من المعاول المهمة في البناء الاجتماعي. فأمريكا تلك الدولة العظمى من أخطر اسلحتها الفنون وكذلك هوليود وهذا ما يسمى بالقوة الناعمة. على النظام أن يعترف بأنه أخطأ في حق هذا الشعب.
> هل ثمة بارقة أمل للوصول إلى العالمية؟
– الطيب صالح وصل إلى العالمية بعد أن كتب عن السودان ثقافة ولغة وتراثاً وتم اختياره ضمن أحسن مائة روائي في تاريخ العالم والشاعر الكبير الفيتوري عرّف العالم بافريقيا والسودان والفنان عبد القادر سالم تغنى بلهجته المحلية ووصل الى العالمية، فكلما تقدم فنك وتراثك وأصالتك يحترمك العالم ولكن أن تقدم منتجات العالم في ثوب سوداني وكأن بضاعتهم ردت اليهم، فالعالم يريد ان يعرف من انت تاريخك وبطولاتك وكيف تفكر؟ ودونكم مصر وسوريا نحن علينا دراسة التجارب ومن ثمّ نخرج بتجربتنا الخاصة، فنحن نمتلك وعيا خارقا ولدينا رؤى ولكن هذه الرؤى تحتاج لتكاتف أطراف أخرى اجتماعية وسياسية نستطيع من خلالها تقديم هذا الوطن للعالم.. أكرر العالمية لا تأتي إلا عبر المحلية.

الانتباهة

تعليق واحد

  1. الزول دا مالقي ليهو زول يقول ليه هذب نفسك شوية لانو لو لاقاني في الشارع بديهو الفيها النصيب!!

  2. رجل يمتلك كل أدوات الوعي والمعرفة وفوق كل ذلك شجاع يقول رايه ولا يخشى لومة لائم لك التحية استاذنا قرني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..