عن خيارات التغيير

تعالت الدعوات من قبل الكتاب وبعض الاحزاب السياسية المعارضة لاتخاذ مواقف أكثر ليونة في مواجهة النظام الحاكم من خلال منازلة النظام الحاكم وفقاً للدستور السائد وانتهاج الخيار الدستوري لعملية التغيير عبر الانتخابات .
وقد كتب استاذنا نبيل أديب المحامي مقالاً أخيراً حول هذه الدعوة تحت عنوان الخيار الدستوري للعمل المعارض. ونصح الأحزاب المعارضة تبني الخيار الدستوري للعمل المعارض وإحداث التغيير بوسائل دستورية عبر الانتخابات .
بعيداً عن الازمات الخانقة التي يمر بها الوطن الآن والتي وصل فيها حال المواطن مرحلة الاستسلام بقدره وفقدانه الأمل في توفير اساسيات الحياة من ماء ووقود وكهرباء ودواء ومازال الغلاء يطحن بلا كابح أو قيد، بعيداً عن كل ذلك الذي من المفترض أن يستحث ويستنهض الهمم في إيجاد مخرج عاجل يوقف على الأقل الانهيار الذي ينطلق بنا بسرعة الصاروخ نحو الهاوية. فإن الدعوة لدستورية العمل المعارض وانتهاج خيار الانتخابات كوسيلة لمجابهة النظام هي دعوة تنم عن عدم إدراك كبير بالمتغيرات التي حدثت في الساحة الجماهيرية. فأغلبية الجماهير والشباب لا يرون في الأحزاب المعارضة هذه ما يلبي طموحاتهم أو يخاطب تطلعاتهم بإحداث التغيير المطلوب.
بغض النظر عن تزوير الانتخابات أو عدم تكافؤ الفرص بين الأحزاب المعارضة والحزب الحاكم، فإن الجماهير التي تشكل الغالبية سوف تقاطع هذه الانتخابات وسوف تنظر لها بعين ساخرة حتى ولو شاركت فيها الأحزاب المعارضة. ذلك أن عيب هذه الأحزاب وغالبية الكتاب أنهم لم يواكبوا المتغيرات التي حدثت في المجتمع ولم يجتهدوا في تقديم برنامج عملي للتغيير بالشراكة مع الغالبية الساحقة من الجماهير التي تنظر بعين الشك والريبة للمتواجدين على مستوى المسرح السياسي من حكومة ومعارضة. فلا يمكن أن يقود عملية التغيير في هذا القرن نفس الشخصيات التي قادت عمليات تغيير في ستينات وثمانينيات القرن المنصرم وبنفس لغة الخطاب والتي قادت البلاد إلى دوامة انتجت نظام الجبهة الإسلامية الماثل. فالمطلوب الآن هو تقديم مشروع وطني جديد يُنتج بالشراكة مع غالبية الجماهير ليحدث تغيير حقيقي في مفهوم العمل السياسي يقود بالضرورة إلى وضع أسس راسخة للدولة الحديثة ووضعها في الطريق الصحيح، لتتشكل بعدها قناعة للجماهير بإحداث التغيير السياسي سواء عبر الانتخابات أو الثورة.
المتتبع الآن لغالبية الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتجمعاتهم المختلفة يُدرك أن هؤلاء الشباب في وادي والأحزاب المعارضة والمهتمين بالعمل السياسي في واد آخر. وبالرغم من تململ هؤلاء الشباب من الوضع السياسي الراهن وإيمانهم بضرورة التغيير ، إلا أنهم لا يرون في البديل ولا في الأحزاب المعارضة من هم جديرين أصلاً بإحداث عملية التغيير المنشود، فإنهم ينظرون إليهم نفس نظرتهم إلى الجماعة الحاكمة الآن. فليس هناك فرق بينهم سوى الفرق في الوجوه والأشخاص.
الآن المطلوب من أحزاب المعارضة وغيرها ليس البحث عن وسيلة للتغيير عبر الانتخابات أو خلافه، وإنما إحداث تغيرات جذرية في قيادتها وفي طريقة عملها وفي طريقة خطابها والنزول للجماهير والشباب للتشارك معهم وسماعهم وبحث اهتماماتهم وتطلعاتهم ولغتهم وخلق برنامج قوي وصادق للتغيير . فالأحزاب المعارضة الآن ليس لديها برنامج يمكن أن يخلق الرغبة القوية في نفوس الجماهير لتدعمها عن قناعة في خياراتها للتغيير سواء عبر الانتخابات أو خلافها. وليس أدل على ذلك ما نراه اليوم من عدم توافق بين الجماهير الشبابية والتي تشكل الأغلبية في معادلة التغيير وبين قوي الإجماع الوطني حول آلية العمل ، ففحين دعت قوى شبابية للعصيان والاعتصام في 8 مايو القادم سارعت قوى الإجماع الوطني بعدم التعاون مع هذه الدعوى ببيان فوقي.
صفوة القول أن الأحزاب المعارضة ما لم تقدم برنامج عملي للتغيير يخرجها من الحالة المشابهة القائمة بينها وبين الحزب الحاكم، والتقدم بمشروع جديد للتغيير يتضمن تغيير داخلي لهذه الأحزاب في طريقة خطابها وفي طريقة تناولها للأحداث وطريقة تداول المناصب فيما بينها وطريقة تعاملها مع الجماهير الشبابية ومشاركتهم في وضع أسس التغيير دون فرض خطاب فوقي ودون إهمال تطلعاتهم واهتماماتهم ، فإن نظرة جموع الجماهير لن تتغير تجاهها وتظل معزولة ولن تجد وسيلة سوى الاندغام في النظام الحاكم.