مقالات وآراء

هل الشراكة بين المُكوِّنَـيْن العسكري والمدني داخل الحكومة الإنتقالية حقيقية

هل الشراكة بين المُكوِّنَـيْن العسكري والمدني داخل الحكومة الإنتقالية حقيقية؟؟ وهل المُكـوِّن العسكري يلعب لصالح أجندته الخاصة؟؟
المتابع لتناسل الأزمات وتوالدها بصورة شبه يومية في حياة المواطن البسيط في بلادي الحبيبة يدرك بجلاء أن حكومة الفترة الانتقالية ليست في أفضل أحوالها. وهذا في تقديري يمثل خطراً حقيقياً وداهماً على ثورة ديسمبر، لأن استمرار هذا الوضع سيأتي باللحظة التي ينتظرها أعداء الثورة بفارغ صبرهم للإجهاز عليها والعودة من جديد. هذه اللحظة ستأتي عندما تتفاقم الأزمات ويتنامى السخط الشعبي على حكومة الفترة الانتقالية، بسبب العجز عن حل مشاكل الحياة اليومية، وبسبب الضعف والتردد وعدم القدرة على إتخاذ القرارات الصعبة في التوقيت المناسب، وبسبب الشعور بإنسداد الأفق وفقدان الأمل لدى المواطن نتيجة إهتمام الحكومة بالقضايا الإنصرافية، وعدم وجود خارطة طريق واضحة لحل مشاكل البلد. كل ذلك سيؤدي حتماً إلى إهتزاز ثقة الشعب في هذه الحكومة، وتآكل رصيد التأييد الذي حُـظِيت به، مما سيُجْـبِر الجميع على الصراخ بأعلى الأصوات أن ” الغوث.. الغوث” وبأيِّ ثمن، ليخرج علينا بعدها فلول النظام السابق في ثوب المنقذ والمخلص.
لا يكفي في مواجهة الأزمات المستفحلة والقابضة على خناق المواطن البسيط الادِّعاء بأن الشعب لم ينتفض في وجه نظام البشير بسبب الأزمات وغلاء المعيشة، فهذا الادعاء صحيح، وأزيد للشعر بيتاً من عندي وأقول – كما فصَّلتُ في مقالٍ سابق – أن الذي أخرج الشعب على نظام البشير هو إنسداد الأفق أمامه، وإنعدام الأمل في المستقبل، وفقدان الثقة في أيَّ محاولةٍ للإصلاح. فهل ما تقوم به حكومة د. حمدوك الآن بعد مضي نصف عامٍ عليها يفتح أيَّ بابٍ للأمل، ويرفع من سقف توقعات الشعب السوداني في غدٍ أفضل، ويساعد في الصبر على مواجهة الأزمات؟؟!! بالتأكيد الإجابة لا.
ضعف حكومة الفترة الانتقالية البادي للعيان حالياً في ظني يعود لعدة أسباب، يمكن إيجازها في التالي:
– د. عبد الله حمدوك في ظني كان يراهن كثيراً في نجاح حكومته على الشراكة مع المكون العسكري، وكان يُحْسِن بهم الظن، ويؤمن بصِدْقية إنحيازهم لشعارات الثورة. وما يؤكد هذا الزعم هو عديد التصريحات التي أطلقها وعـبَّر فيها عن أمله في تقديم نموذج يُحتذى لبقية الدول، خاصة الأفريقية، في نجاح مثل هكذا شراكات. ولكن ردة فعله على حادثة لقاء عنتيبي، ولقائه الشهير مع الصحفي عثمان ميرغني ورسائله التي حاول تمريرها خلاله، في ظني تعكس خيبة أمله، وإهتزاز ثقته في تلك الشراكة.
– حكومة د. حمدوك في ظني بدأت تفقد وهج الثورة وروحها، وذلك لأنها تتمسك بقدر كبيرٍ من المثالية في تنفيذ سياساتها الإصلاحية، فهي تريد لتلك السياسات أن تُـنَـفَّـذ من خلال مراسيم وأوامر قانونية مُحْكمة الصياغة والإخراج، وليست بصورة مرتجلة ومتعجِّلة، إكساباً لها لكل أسباب الشرعية القانونية، وتفادياً لكل السلبيات التي قد تطرأ خلال تنفيذها. وهذا أمرٌ جيِّـد، ولكنه يفرض بطئاً وسلحفائية قد لا تصبر عليها النفوس والأحداث المستجِدَّة.
– حكومة د. حمدوك وضح جلياً أنها لا تملك شوكة وقوات نظامية تستطيع من خلالها تنفيذ رؤيتها وسياساتها في الإصلاح، وذلك يعود للتالي:
* الفريق حميدتي ثبت أنه غير معني بتنفيذ السياسات التي يضعها مجلس الوزراء ولا يأتمر بأمره. ولديه أجندة خاصة تتمثل في تأمين مكانة قواته داخل البلد وحمايتها سياسياً، ولعلَّ ذلك ما يُفسر مشاركته في محادثات السلام الدائرة حالياً بجوبا. كذلك يسعى الرجل لتدعيم قواته عسكرياً في مواجهة ما يعتقده من خصوم له، سواء القوات المسلحة أو ما تبقى من جهاز الأمن السابق. هذا فضلاً عن الأدوار الخارجية التي يقوم بها في دول الجوار وعلاقته الملتبسة بالخارج.
* الفريق البرهان عاجز أو لا يرغب في تنظيف الجيش من بقايا الكيزان وإعادة الثقة له ككيان قومي يمثل كل السودانيين. وقد نُحسِن به الظن في ذلك ونقول أنه ينتظر ما تُسْفِـر عنه مفاوضات السلام الدائرة حالياً في شقها الخاص بالترتيبات الأمنية الخاصة بإعادة هيكلة القوات المسلحة. كما أن لقاء عنتيبي الأخير الذي تم من وراء ظهر شركائه يُـثبِت أن للرجل أجندته الخاصة كذلك، وأنه قـلِقٌ على مستقبله، خاصة بعد أن أجبرته الظروف على التسريع في حل هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن السابق.
* جهاز الشرطة ضعيف جداً، ويكاد يكون غائب عن المشهد تماماً. وعلى الرغم من تبعيته للجهاز التنفيذي كما جاء في الوثيقة الدستورية، إلا أننا لم نسمع بقيامه بتنفيذ أيَّ قرارات صادرة له من رئاسة الوزراء، كما أنه لا يستطيع في تقديري تنفيذ أي قرارات قد تصطدم بجهات أمنية أخرى كقوات الدعم السريع مثلاً. أيضاً لا أدري أين وصلت مساعي إصلاحه وتنظيفه من كل بقايا وفلول النظام السابق، هذا إن كانت تلك المساعي موجودة أصلاً.
عليه، إزاء هذه الأوضاع المعقدة والمركبة أرى أن على قوى الحرية والتغيير (قحت) المسارعة بمواجهة الموقف، واقتراح الحلول والترتيبات المناسبة، قبل أن تخرج الأمور عن سيطرتهم وينقلب عليهم الشارع. ومن تلك الترتيبات التي أراها عاجلة ويجب العمل عليها بسرعة:
أولاً: الجلوس مع السيد حمدوك والاستماع منه عن قرب عن المشاكل التي تواجهه، والعقبات التي تعترض تنفيذ سياساته، وسؤاله عن كثب عن رأيه في شراكته مع المكون العسكري، وهل يجد منه التعاون المتوقع والمطلوب؟ وهل يقوم بدوره المأمول منه في هذه الشراكة كما نصَّت عليه الوثيقة الدستورية؟ وهل قوات الشرطة تأتمر بأمر مجلس الوزراء وتنفِّـذ ما يُطلب منها؟؟ هذه أولى وأوجب الخطوات.
ثانياً: على قوى الحرية والتغيير إفهام السيد حمدوك أن هنالك سياسات يجب في ظني أن تُـنفَّـذ ب” البُنْية والشلوت”، ولا تحتمل المثالية أو السلحفائية، ومن ذلك مثلاً إيقاف الفوضى والتهريب للذهب عبر مطار الخرطوم، وفي حال فشلهم في إيقاف تلك الفوضى الخروج للجماهير وتسمية الجهات المتسببة في ذلك بإسمها، ووضع الشعب أمام تحمُّل مسئولياته.
ثالثاً: على قحت ود. حمدوك الخروج للجماهير والحديث إليها صراحة – حال تيقنهم من الدور المُعرْقِـل للمكون العسكري – عن المشاكل التي تعترض طريقهم، ودور المكون العسكري في عرقلة وتنفيذ ما يرونه مناسباً من سياسات لحل المشاكل الموجودة، ووضع الشارع أمام مسئولياته، وطلب النصرة والتأييد لهم من حاضنتهم الشعبية قبل فقدانها وإستفحال غضبها عليهم.
رابعاً: على قوى الثورة ولجانها الأمنية تجهيز نفسها لعمل لجان “ضبط أمني” تكون لديها سلطة تنفيذ ما يُصْدِره مجلس الوزراء من قرارات، حال تأكَّـدَ للجميع تقاعس دور الشرطة والجيش عن القيام بما تطلبه منهم حكومة د. حمدوك.

يجب العمل على كل تلك المقترحات وغيرها، مما يمكن أن يُسْهِم به الآخرون، بأعجل ما تيسر، وذلك لأن قحت وحكومتها الانتقالية في النهاية وحدهم من سيتحمل نتيجة الفشل، وسيكونون “الحيطة القصيرة” التي ستُعلَّـق عليها كل الإخفاقات، وسيكتب التاريخ أن حكومة قوى الحرية والتغيير برئاسة د. حمدوك هي من وَفَّـر البيئة الخصبة لنجاح الثورة المضادة وعودة الأوضاع بالبلاد للمربع الأول.. اللهم هل بلغنا؟ اللهم فاشهد.

علي مالك عثمان
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..