الميرغني الصغير بين جغتاي وبغلة ابن خلدون

*(سلاح اللئام، قُبح الكلام..).
– مثل عربي-
**(الجاهل لا هو إنسان مفيد
ولا حيوان ينتفع به..).
– مثل فارسي-
.. (جغتاي) هو أحد أبناء (جنكيز خان) ملوك (التتر أو المغول) وخليفته هو الإمبراطور (تيمور لنك) الأعرج (1336-1405م) الذي تربع فوق جميع الألقاب (الجلالة والعظمة والفخامة والسمو والمعالي).
وغزا المدن العربية والإسلامية (بغداد ودمشق وحلب وفارس وخوارزم وخراسان) وصلى في مساجدها صلاة الجماعة, ثم أباحها لجيشه فعاثوا فيها فساداً نهبوا وسلبوا وانتهكوا الأعراض.‏
واستقبل في دمشق عدداً من القضاة والفقهاء قدموا إليه يسترحمونه عسى أن يرفع بطشه عن العباد باعتباره مسلماً, إلا عالم الاجتماع الشهير ابن (خلدون) المولود في تونس (1332م) والمتوفى في عام (1406م). فقد وفد عليه قادماً من مصر لغاية أخرى.‏
كان ابن خلدون فضلاً عن أبحاثه العلمية القيمة مولعاً بالسياسة يطوف في بلاد المغرب العربي بحثاً عن منصب رفيع فترجّح بين (كاتب سر السلطان) وهو يضاهي اليوم منصب رئيس وزراء وبين الملاحقة والسجن.‏
ظن ابن خلدون أن هذا الإمبراطور الطاغية (ساذجاً) فحمل إليه الهدايا الفاخرة من مصر, وقدم له ولاء (إنبطاحياً) كما يعترف في مذكراته- ثم زين له غزو بلاد المغرب لعله ينال منه منصباً رفيعاً يتبوأ فيه مقاماً يحقق به طموحه.‏
لكن الإمبراطور (الأشد مكراً) طلب من ابن خلدون شراء بغلته فقدمها له هدية, ثم أهمله فمل ابن خلدون وغادر دمشق فجرده اللصوص وجردوا رفاقه من كل ما معهم حتى ثيابهم وتركوهم عراة على قارعة الطريق.‏
ولعل التاريخ ذا الصدر الواسع والبال الطويل يستنسخ بين فترة وأخرى أشخاصاً على شاكلة الإمبراطور تيمور الأعرج (خليفة جغتاي) ولكن بمسميات أخرى: حكومة أحزاب الوحدة الوطنية، مؤتمر الكيزان، ثورة الإنقاذ.. ويستنسخ أشخاصاً آخرين كرئيس قطاع التنظيم المدعو بالميرغني الصغير الذين يخسرون بغلتهم ويجردهم قطاع الطرق من ثيابهم عاجلاً أم أجلاً.‏
إن الذي يتابع الأحداث التي عصفت بالاتحادي الأصل، من فصل للقيادات التاريخية بين عشية وضحاها والسخرية المُرة منهم بإطلاق نعوت ومسميات، كالدواعش وغيرها من مراهق في عالم السياسة والحياة .. أقول لهذا الطبل الصغير: مَنْ يطوق النار بالقش لن يزيد النار إلاّ اشتعالاً ومَنْ ينفخ في بوالين الصغار على أمل أن يطير سيلتهب بلعومه، ولن يبقى إلاّ على السطح.
ولا نُلام على ما نأكل، بل على ما نقول، ولا نُسأل عن نوايانا بل عن أفعالنا، ولا نزداد قيمة بما نملك، بل بما نستطيع الاستغناء عنه دون ندم.
ولا شيء أغلى من الشرف والكرامة، ولا شيء أرخص من الذّل والاستعباد، ولا يُضايق الحكيم زعيق الصّغار وضجيجهم، ولا وجع الرأس كوجع الضمير، ولا جراح أعمق من إهانة اللئيم للكريم.
إن تاريخ الإنسانية قائم في ذاكرة الشعوب يتوالد ناسها ويعيشون ويفنون، لكن هذه الذاكرة باقية بقاء الإنسان على وجه البسيطة كالسماء المرصعة بالنجوم .‏
إن قوة الإنسان ليست في القدرة على البطش والطغيان، بل في الحلم والأناة، والصبر على الشدائد, وإن العنجهية والتسلط وبال على الإنسان تستدرجه إلى الدرك الأسفل لتمنّيه بالسقوط الأبدي..
وأما (مهزلة الانتخابات) التي تباركها قد زادت في الطنبور نغماً. واختلف فيها المفسرون بين (منسوبي الاتحادي) وبين مؤتمر الكيزان وأذنابهم الذين قولوا الأعضاء المفصولين ما لم يقولوا تسويغاً لارتكاب الجرائم والدفاع عنها والرضا بها حتى تكرر الخراب والذل ووقوع الضحايا وصار عادة يومية تبلدت معها الأحاسيس إلا الخشية من أن تنضب بطون الأمهات..‏
وفوق هذا السعي لتحويل الأنظار عما يدور في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق, وتغطية لجرائم (هذا النظام) ودفاعاً عن أخطائه وانحرافاته..‏
وإلهاء العالم عن هذه الفظائع بافتعال الأزمات للتخويف من المعارضة السودانية، والانبطاح أمام (بطش السلطة ومغرياتها ) وسيلان لعاب هذا الميرغني- الصغير في كل شيء- على أي نوع من أنواع البطش ومثلما نقول (لا خير فينا ممزقين) نقول (لا خير فينا مجتمعين) مادمنا نجري وراء سراب السلطة والجاه الذي يلوحون لنا بها كالتلويح بالجزرة على فم الراحلة. ورغم أن (دوام الحال من المحال) فإننا نؤثر السلامة مع القهر بقول الطغرائي:‏
حب السلامة يثني عزم صاحبه عن المعالي ويغري المرء بالكسل‏
وترى من يغتبطون (بالمواطي) ويحتفون بها على أنها طموح إلى (المعالي) كفعلة هذا النكرة الذي ظهر في غفلة من التاريخ!
أكنتم يالميرغني تتوقعون أن يصير النمر هرّاً، والثعلب ديكاً، والضبع حمامة، والذئب قبّرة؟
إن صوتكم لنشاز في هذا الزمن الذي غدت فيه الأصوات زمزمة .
إن صوتكم أبحّ ملون بدم كل شهداء الحركة الاتحادية والوطنية.
ألم تكتشفوا كأن ماضي هذه الأمة البعيد والقريب غدا أضغاث أحلام؟
لا يالميرغني. أيها المفلسون في الحياة، أتعتدون بمن طأطأوا برؤسهم، وانبطحوا يهشّ عليهم الغرب فيتسلطون على شعوبهم يسقطون خيباتهم عليهم.
بنظام ؟ يرون شبح التحول الديموقراطي غولاً يؤرقهم. ويريدون شعباً يشكرهم ويشكر الله الذي أهداهم عيوناً تتمرغ على نعمائهم، وتتمتع بآلائهم، ولساناً وشفتين ليزمّروا ويطبلوا. وأفواهاً ليأكلوا.
لقد غدا الجسد الاتحادي كجسد الجاحظ الذي قال فيه: اصطلحت الأضداد على جسدي إن أكلتُ بارداً أخذ برجلي، وإن أكلت حاراً أخذ برأسي .
وكأننا أصبحنا في أخريات أيامنا كما أصبح الجاحظ عندما سئل: “كيف حالك”؟ فقال: “كيف ترى من نصفه مفلوج لو حزّ بالمنشار ما أحس به، ونصفه الآخر مُنَقْرَس لو طار الذباب حوله لآلمه”
لقد ندر الصحب, وكثر الجواسيس والعملاء، وتجهّم الأعداء، وما من وسيلة إلا الدعاء. فليبسط القراء أكفَّهم ويردّدوا:
اللهم إنا نعوذ بك من السلاطة والهذَرَ (الثرثرة) كما نعوذ بك من العِيِّ والحَصَر (العجز عن التعبير).
اللهم إنا نعوذ بك من فضول القول وفضول العمل، ومن قلة الحيلة، وذبول الفتيلة.
اللهم إنا نعوذ بك من تسلط نسائنا، وتمادي أولادنا، ونظافة جيوبنا، ونعمة كالسراب، وأحلام كالضباب، وأسعار كاللهب، وشبع كالسغب.
اللهم إنا نعوذ بك من شحوب أضوائنا، وتمادي أعدائنا.
اللهم شتّتْ شملهم، واقطع نسلهم، وفرّق أمرهم. اللهم اجعل عيونهم في نُقَرهم، وأفواههم في دُبُرِهم، ورؤوسهم في أقفيتهم، وأنوفهم في أفئدتهم، وأرجلهم في أكتافهم، وأيديهم في أردافهم.
اللهم إنا نعوذ بك من الأعناق المذبوحة, والدماء المسفوحة، والنفوس المقهورة، وآبار النفط المهدورة.
اللهم إنا نعوذ بك من الصغار الجدد، اللهم اجعل بيوتهم بلا عُمُد.
لا يا الحسن. لقد جعلتمونا نحن منسوبي الاتحادي الذين نضالنا ضد كل النظم الشمولية والدكتاتورية كأننا محشورون على وتد بين السماء والأرض تقبض علينا يد التاريخ تكاد تطحن قلوبنا.
يقول الشاعر العباسي عليّ بن الجهم :
عيون المها بين الرُّصافة والجسر جلبنَ الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدنَ لي الشوقَ القديم ولم أكن سلوتُ، ولكن زدنَ جمراً على جمـر
لقد جعلتم بتصرفكم الأرعن هذا الجمر الذي كان يلتهب في مهجنا أواراً، لقد كشفتمونا على حقيقتنا، وأيقظتم فينا الإحساس بالنذالة والدونية .
اللهم إلا اليأس. لقد لقنتمونا درساً يالميرغني الصغير. علمتمونا أن نتعلق ولو بخيط من شعاع .
علمتمونا أن هذه الأمة إذا كانت شتى ضربت عليها العنكبوت بنسجها ، وإذا كانت حزمة… ولو من ورود أعادت أيام ثورة أكتوبر وأبريل.
علمتمونا أننا لو خسرنا معركة التوريث فلن نخسر معركة المقاومة ضدكم. علمتمونا وتعلمتم معنا من الشريف حسين الهندي أن كرامتنا التي حقّقوها أبيحت في عهدكم أنت وأخيك جعفر الجاهل بالتاريخ والجغرافيا والسياسة، وصرنا كمن يتعاطى المخدرات.
تحية التقدير إلى البروفسيور بخاري الجعلي، وطه علي البشير، وعلي نايل، وعلي السيد، وسميرة حسن مهدي وسائر رفاقهم الذين لا يقلون عنهم.
وإذا جاع أبناؤنا في السودان فلا يكثر علينا أن نستفّ التراب.
أبو الطيّب المتنبي قال يوماً:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
وفهمنا وإياكم كفاية .
[email][email protected][/email]‏

تعليق واحد

  1. الدكتور نايل نحن نعرفك كاتب ومبدع منذ سنوات طويلة/ ونعرف أيضاً بأنك جبهة ديمقراطية منذ أن كنت طالباً ورئيساً لاتحاد الطلاب بمصر، ولكن لم أعلم أنك أتحادي أصل/ كما نعرف ابن عمك التوم هجو القيادي بالاتحادي ونائب رئيس الجبهة الثورية/ أما بخصوص هجومك الغير مبرر على سليل الدوحة الهاشمية مولانا الحسن الميرغني جانب الصواب
    لذلك نرجو منك مراجعة مقالك وحديثك هذا يدخل في باب الاغتيال السياسي.
    وأنت كاتب وأستاذ جامعي محترم، ونحن دائما نتابع مقالاتك على الراكوبة
    ودمت بخير وعافية

  2. إن صوتكم أبحّ ملون بدم كل شهداء الحركة الاتحادية والوطنية.
    خليك من الجعجعة اكتب لي اسم واحد فقط من الاتحاديين مات شهيدا برصاصة أو قنبلة أو دانة مات مسجوناً
    الميرغني ده ما كنتم تفتخروا بأعمالو اتفاقية قرنق ، تحرير الكرمك
    الاتحاديون بالمناسبة كانوا مؤيدين لكل الدكتاتوريات
    الميرغني وأخوه أيدوا ضرب الجزيرة أبا والشريف حسين كان مع الانصار في الجزيرة أبا لم لم تحاسبوه على موقفه هذا بعد الانتفاضة؟
    ألم تجعلوه راعيا ورئسيا؟
    المرحوم الهندي الثاني ألم يكن مباركا ومؤيدا لهذا الانقلاب الانقاذي ..وهو الذي كان يعلم بوقوعه؟

    اتحاد مزارعي الجزيرة الذين كان يسيطر عليه الاتحادي ألم يكن في إضراب طوال العهد الديمقراطي نكاية في الصادق المهدي ثم أيد الانقاذا بعد وقوعها؟
    أليس كل فصائل الحزب الاتحادي الديمقاطي الأن بكل طيوفه مشارك الآن في حكومة الانقاذ؟

    أليس هو الحزب الوحيد الذي لم يعقد مؤتمره العام منذ 50 سنه ؟
    ياخي ما في حاجة اسمها اتحادي ديمقراطي …وإلا فيتحدوا مع من ؟؟؟؟ مع مصر التي تحتل أرضنا؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..