مقالات وآراء

الصراع القبلي يطرق أبواب الخرطوم

 

 

من الآخهر

أسماء جمعة

لم تسلم قبيلة في السودان من الفتن والصراعات في ظل النظام المخلوع الذي زرع داخلها أسباب الخلافات من خلال سياساته غير الرشيدة، ولكن تختلف القبائل في استجابتها لتلك الفتن، بعضها وقع سريعاً وبعضها تأخر قليلاً وأخرى ظلت صامدة ولم تستجيب، إلا أنها لم تسلم من التأثير السلبي الذي يحقق نفس النتيجة على المدى البعيد. فمثلاً، القبائل التي تسكن حول الخرطوم لم تقع في الصراعات كما حدث في أغلب الولايات، ربما لأنها أكثر قدرة على تحمل الصدمات وتصريفها بسبب طبيعتها وموقعها وتجاربها التي استفادت منها. ولكن، للتحمل حدود، خاصة أن نفس النظام ما زال قائماً بكل قبحه وإن تغيرت الشخوص.

لا أشك أن كل القبائل حول الخرطوم اليوم مثقلة بأسباب الصراعات، ووصلت مرحلة أن أقل مشكلة يمكن أن تفجر الموقف، فلم تعد القيم والأعراف التاريخية والحكمة التي تمسك المجتمع تعمل بفاعلية كما كانت. فقد انتشرت بين الناس الأطماع وحب السلطة والثروة، في ظل حكومة تعتمد على سياسة (فرق تسد) لتبقى  وتستخدم من هم مفتونون بالدنيا مثلهم، وما أكثرهم.

قبل أيام، أعلنت لجنة تنسيق شؤون الأمن بولاية الخرطوم منع احتفال لقبيلة المغاربة، كان مقرراً بمنطقة الشيخ الأمين بمحلية شرق النيل، وقامت بتشكيل قوات مشتركة لتأمين المنطقة بسبب خلافات بين البطاحين والمغاربة. سبب الخلاف -حسب ما هو  متداول في وسائل الإعلام- أن قبيلة المغاربة بشرق النيل كانت تعتزم الاحتفاء بتأسيس نظارة جديدة وتعيين مسؤول عنها في المنطقة، ما أثار حفيظة ومعارضة قبيلة البطاحين ذات النفوذ في المنطقة والنفوذ القبلي. وطبعاً النفوذ القبلي يعتمد على ملكية الأراضي بشكل أساسي، وهو نفس سبب الصراعات في دارفور والنيل الأزرق، مع أن هذا الأمر لم يكن مشكلة قبل وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة قبل أكثر من (30) سنة،  فقد كان الناس يحترمون الأعراف التي تنظم الحياة بشكل حاسم، وهي لا زالت في السلطة متحالفة مع عصابات أخرى تشبهها، يقاومون بناء دولة القانون والسلام والعدالة التي لا تصلح لهم.

لا أشك أن وراء الخلاف عمل سياسي بشكل مباشر أو غير مباشر، فهناك من يريد أن يصنع له شعبية في اللاحكومة الحالية من الذين يسمون قادة، وذلك بتمكين الجزء الذي يؤيده من القبائل وتقويته على الآخر المعارض مثلما حدث في النيل الأزرق، لذلك لم تتدخل السلطات لحل مشكلة القبيلتين في مهدها وحسم أسبابها، وظلت تراقب الوضع إلى أن ظهرت نذر الحرب، ثم استعدت عسكرياً وأصدرت قراراً يمنع تكوين إدارات أهلية جديدة في ولاية الخرطوم، مع أن القرار  نفسه ليس ضماناً. فمعروف عنها أنها لا تحترم القرارات التي تصدرها، وغداً سيخرج من يكسر هذا القرار، وسيأتي اليوم الذي يقع فيه الصراع فعلاً مهما تأخر، ما لم يحدث تغيير سياسي حقيقي يؤسس لدولة القانون، ويحقق الاستقرار  الاقتصادي والاجتماعي، وينظم حياة الناس، ويقوى حضور الدولة ويجعلها فوق سلطة القبيلة.

عموماً، يبدو أن القبائل التي تسكن حول الخرطوم قد نفدت قدرتها على التحمل، وأن ما حدث بين البطاحين والمغاربة مؤشر إلى أن الصراعات القبيلة تطرق أبواب الخرطوم، وستدخل بلا استئذان ما دام البلد تحت إدارة سلطة لا تفكر في المواطنين ولا تعمل من أجلهم.

الديمقراطي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..