الشيوعى والكفر والايمان

دار ويدور نقاش داخل الحزب وخارجه ، حول موضوع اسم الحزب الشيوعى ، وهل يبقى على ماهو عليه ام يتغير الى اسم يجد قبولا اوسع وسط الجماهير التى يتوجه اليها الحزب ببرنامجه ؟
قال الاستاذ محمد ابراهيم نقد باسلوبه الذكى الساخر : اذا غيرنا الاسم ، فسيذكر الاسم الجديد وبين قوسين ” الشيوعى سابقا ” !، وعبر آخر اكثر تمسكا بالاصول : ” يتغير على جثتى ! ” وقال أحد كبار الاتحاديين من زعماء المعارضة على ايام طيب الذكر التجمع بالقاهرة ، قال لاحد زعماء الحزب : والله يااخى انتو حزب عجيب ، لم يقدر عليكم الاستعمار ولا نميرى ولا الانقاذ ، بس لوتغيروا اسمكم كنا جيناكم ! ثم هناك القصة التى ذكرتها فى مقالى السابق عن المراة التى قالت لصديقى الذى طلب من مجموعة تواجه خطرا فى سفر وتسأل المكاشفى والميرغنى المساعدة ان يطلبوا من الله ، قالت له : ياولدى انت شيوعى ولا شنو !! وهذه الاخيرة تمثل وجهة نظر الكثيرين . وعل اى حال دعونا نناقش الامر بصورة موضوعية .
الشيوعية التى قال بها ماركس ، هى مرحلة تصلها البشرية بعد ان تصل الراسمالية الى اعلى مراحلها ، ثم فترة انتقالية تطول اوتقصر ، سماها من بعده من الماركسيين الاشتراكية. وقد فشل التطبيق الذى كان لاسباب كثيرة نتعرض لها لاحقا فى هذه السلسلة ، ولكن اهمها فى راى ان بدء التطبيق الاشتراكى حدث فى بلاد متخلفة على عكس ماتنيأ ماركس ، ولم يراع الذين طبقوها تخلف تلك البلاد وحاولوا القفز من فوق القوانين الاقتصادية . فأين نحن من كل هذا ؟! ان بلادنا فى طور يصعب تحديده ، خصوصا بعد التدهور الذى حدث بسياسات الانقاذ . نحن بالتأكيد فى مرحلة ماقبل الراسمالية او بداياتها على أحسن الفروض . فلماذا العجلة بتسمية حزبنا ” الشيوعى ” ؟!
هذه واحدة والثانية ، هى ان غالبية البشر عندنا وخصوصا اولئك الذين يتوجه اليهم الحزب بطبيعة برامجه ، لايزالون يربطون بين الشيوعية والكفر ، صح هذا أو لم يصح . صحيح ان تجارب الحزب فى الحياة السياسية طوال سبعين عاما قد اثبتت خطل هذا الزعم ، وان الكثيرين من المستنيرين اصبحوا يفرقون بين العمل الساسى والانتماء الدينى ، الا انه حتى بعض هذه الاقلية لسبب او آخر قد تسعى لبث مثل هذا الزعم . بل ان بعضهم يذهب الى الادعاء بانه حسب معرفته الفلسفية العميقة فان اساس الفكر الماركسى يقوم عل رفض الدين ! ألم يقل ماركس : الدين افيون الشعوب ؟ وسنرد على هذا الزعم بشكل موضوعى ، ولكن هل سيفيد هذا الرد فى اقناع الذين لايقرأون واذا قرأوا فان مقدرتهم على استعاب الامر لن تكون عالية ؟ اليس الافضل لاقناع هؤلاء نشاط الحزب العملى وقبل ذلك تغير الاسم الذى يجعل الغالبية لاترغب حتى فى السماع من ” الكفرة “؟!
ان الماركسية تقول بان الحياة الدنيوية هى حياة مادية لها قوانين ثابتة : النار تحرق كل من يمد يده فيها اويلقى اليها بمواد معينة . الماء يجرى دائما وابدا من اعلى الى اسفل ، المرض لابد له من علاج ..الخ وبناء عليه نستطيع ان نستخدم اكتشافنا واستخدامنا لهذه القوانين الثابتة فى تطوير جميع مناحى الحياة . صحيح انه تحدث معجزات تخرق هذه القوانين احيانا وذلك لسبب يعلمه الله ، ولكن هذه المعجزات نادرة الحدوث ، وظلت تتناقص مع تطور العقل الانسانى الى ان اختفت او كادت . والدليل على ذلك ان الدين الخاتم لم يعتمد على معجزات مثل الذى حدث لابراهيم مع النار أو مع موسى مع شق البحر بعصاه .. الخ . بل ان سيدنا محمد ترك ليناضل ثلاثة وعشرون سنة ، مع ان معجزة كان يمكن ان تنصره فى ايام . وذلك ليثبت المولى -عز وجل ? الاعتماد على العقل واستخدام القوانين الثابتة من اجل الانجاز . ولعل فى مثالى غزوة بدر وغزوة احد مايؤكد ذلك .
ربما توصل البعض من الماركسيين وغير الماركسيين الى ان وجود هذه القوانين يدل على عدم الحوجة الى اله يحرك العالم ..الخ ومن هؤلاء كثير من علماء الغرب الذين لا يذكرهم أحد بالسوء لهذا السبب ولكن يذكر ماركس . والسبب الواضح من هذا التركيز هو ابعاد الناس عن الفكر الذى يدعو للعدالة الاجتماعية ، بمايستدعى تخليص بعض القلة من احمالهم لملكية وسائل الانتاج ! وهذا يعادل تقريبا ما ذهب اليه الدكتور طه حسين فى تحليله لموقف سادة قريش من الاسلام . حيث قال مامعناه انه لو اقتصرت دعوة محمد على ترك عبادة الاصنام من غير الدعوة الى تغيير بعض الجوانب الاقتصادية مثل تحرير العبيد لآمنت قريش . فهم لم يكونوا يعبدون الاصنام الا ” لتقربهم زلفى الى الله ” أو كما قالوا !
وانا اقول: ان اقوال ماركس وغيره من علماء الغرب ” الملحدين ” كان بسبب ماتقوله وتفعله الاديان التى تحكمهم . وذلك لان هذه الاديان التى شوهت بفعل رغبات البشر ، قد استعبدت الناس فكريا وعمليا ، لدرجة ان التطور الذى شهدته وتشهده اوروبا والغرب عموما لم يبدأ ويستمر ، الا بعد فصل تلك المفاهيم الدينية عن المجتمع وخصوصا السلطة .
كذلك بدأت مثل تلك المفاهيم ، التى ابعدت العلماء الغربيين عن الدين ،بدأت ايضا ولنفس الاسباب ،تؤثر على اصول الدين الاسلامى ، مما ابعد الكثيرين عن طريقه وسنفرد حلقة خاصة لمفاهيم الدين الصحيحة فى رأينا . ولكنى فى هذا المقال ساورد حادثين لزعماء الحزب الشيوعى ، بما يؤكد حتى موقفهم النظرى من الدين :
الأول قصة حكاها الاعلامى الاسلامى حسين خوجلى ، عن زيارة قام بها سكرتير الحزب الشيوعى البريطانى لزعيم الحزب الشيوعى عبدالخالق محجوب ، خرج منها بقوله لمرافقه : هذا الشخص لايمكن ان يكون ماركسى . وذلك لان عبدالخالق ذكر ان حكم الغربيين على الدين نابع عن معرفتهم للاديان السائدة لديهم ، وان مفاهيمها الحالية غير مفاهيم الدين الاسلامى الذى هو دين تقدمى ، أو كما قال !
الثانى هو ماقال به امين عام الحزب السابق : نقد ، فى معرض رده على كتاب الاستاذ حسن مروة ، حيث يقول ردا على على قول مروة بتدنى المعرفة العقلانية سواء فى الجاهليتين او ما توارثناه من الحضارات القديمة : فجهل الجاهلية على اختلاف وتعدد منطلقات التفسير ،
محوره البعد عن التوحيد ? وكفى بذلك جهلا وبداءة فى مسار العقل وملكاته ? لكنه مجال لا ينسخ ولا يلغى تراكم المعرفة فى شتى ميادين الحياة ، بما فيها معاناة العقل للوصول لفكرة التوحيد . ثم يواصل : المعتقدات الوثنية على ضلالها ومجافاتها للعقل ، وعلى حالتها الرثة المتخثرة المهترئة والمضمحلة التى آلت اليها على اعتاب الرسالة المحمدية ، تقلبت بها الاطوار ، كظاهرة تاريخية ، وتوالت استحالاتها الذاتية ، حتى استقرت على انهم لايعبدون الاوثان وانما يتقربون بها الى الله زلفى .
هذا ماكان من موقف الحزب الشيوعى من الدين نظريا وعمليا . غير ان كل هذا لن يزيل عن اذهان الذين يتوجه اليهم الحزب فكرة الحاده طالما انه الشيوعى ! ثم لماذا نعطى اعداءنا سلاحا غير حقيقى ليحاربوننا به . الايذكر كبار الحزب التآمر الذى حدث من غالبية القوى السياسة ضد الحزب فى حادثة دار المعلمين ، وهل وقتها حاول اى من الذين شاركوا فى التآمر او اخرجوا الى الشوارع ان يرجع مواقف الحزب النظرية او العملية ؟
يقول العض من داخل الحزب : ان موضوع الاسم قد “حسم ” فى المؤتمر الخامس وكفى . وهذا كلام غير منطقى ناهيك عن ان يكون ماركسيا !السؤال : هل الماركسية نفسها حسمت نهائيا كل قضايا البشر وماعلينا غير الاغتراف من فيضها والتطبيق ؟ اذن لماذا فشل التطبيق الذى استمر عقودا من الزمان ؟!!
واخيرا فقد اثبت الحزب بمواقف عديدة موقفه الثابت من الديموقراطية بمفهومها الليبرالى ، وبدون أى دغمسة ، ولاشك انه فى هذه الحالة يعلم ان لن يصل الى الحكم الا عن طريق صناديق الاقتراع ، التى سيذهب اليها عامة الناس ، فهل سيصوت له من يظن انهم مجموعة كفرة ؟! ام انه فى غنى عن الوصول الى الحكم ؟!!!

تعليق واحد

  1. شكرا عبدالمنعم ما أجمل العقلانية في مقالك التحليلي المفيد جدا في الوقت الدقيق جدا فلم نعطي السلاح لخيرنا وأبصم لك بالعشرة أن الأسباب التي أشرت أليها هي بيت القصيد وأكاد أقول أنها غير مسبوقة وأن مقالك ليس للقراءة العابرة فقط بل يجب دراسته بتمعن وان مثل أفكارك تستحق تعظيم سلام

  2. يا عريرى عثمان وهل يستمع للذين لا يسمون انغسهم شيوعييون
    كثل الاتحادى والامة والعث وفيرها
    وبعدين عشان ديل وهم باعترافك لا يقراوا داير تغير اسم حرب صلد عرفه الناس وانتموا اليه لانه الشيوعى وليس الوحدوى ااو الوطنى
    بعدين الاسماء راقدة وكل من يريد الانتماء للاسم عليه التوجه اليه
    اظن ان الحديث فى هذا الموضوع لا يختلف عن محاصرة الشيوععين الباررين بالسؤال حول الصلاة مثلما فعل الظافر قبل ايام مع المهندس صديق يوسف حيث القنه درسا بان الاجابة على السؤال او السؤال نفسه ليس له معنى
    ولك الشكر

  3. في بدايه الاستقلال كانت الاحزاب الطائفيه الختمية والأنصار فبرزت الجبهه المعاديه للاستعمار واتجه اليها كل المتعلمين والمثقفين كبديل للانتماء الطائفي او الرجعيه وترعرعت الجبهه المعاديه للاستعمار خاصه في معقل الحركه العمالية في عطبره
    والمدن الكبري والجزيره وضمت نقابات العمال والمزارعين وكان لها ان تسحب البساط من تحت الطائفيه وان تكون الحزب الاقوي في السودان الي يومنا هذا هل كان الخطاء استيلاء الشيوعيون وتغير الاسم او حتي الإبقاء علي مسمي الجبهه الديمقراطية
    وهم المؤسسين وترك المجال للطائفيه بشن حرب عليها باسم الإلحاد وكل ما نعتو به الشيوعيه بالكفر والالحاد هل لو كان الإبقاء علي اسم الجبهه المعاديه للاستعمار او الجبهه الديموقراطيه الأفضل ولم يترك المجال للطائفيه تعوث فسادا هل كنا سنعيش في
    سودان أفضل علي سبيل المثال اليمن الجنوبي نجح شيوعي اليمن وحكموا تحت الحزب الاشتراكي آخذا في الاعتبار انهم فطنوا لتفادي اسم حزب مقرون بالإلحاد في مجتمع تسود فيه الاميه بنسبه 90في المائه من سكانه ياحسرتاه

  4. عزيزى ود الخضر ارجو ان تقرأ بقية المقالات فى هذا الموضوع ، ففيها محاولة للرد على تساؤلاتك بشكل قاطع . ايضا ارجو من كل من له رأى فى الموضوع مع الاطروحات التى اقدمها او ضدها ان يساهم معنا فى مناقشة الامر اذا انى اعتقد انه امر هام لحزب برهن خلال سبعين سنة انه يسعى لمصلحة الناس وفى هذا فهو يخطئ ويصيب . وليس من طريقة لاصلاح الخطا الا بتبيانه

  5. شكرا عبدالمنعم ما أجمل العقلانية في مقالك التحليلي المفيد جدا في الوقت الدقيق جدا فلم نعطي السلاح لخيرنا وأبصم لك بالعشرة أن الأسباب التي أشرت أليها هي بيت القصيد وأكاد أقول أنها غير مسبوقة وأن مقالك ليس للقراءة العابرة فقط بل يجب دراسته بتمعن وان مثل أفكارك تستحق تعظيم سلام

  6. يا عريرى عثمان وهل يستمع للذين لا يسمون انغسهم شيوعييون
    كثل الاتحادى والامة والعث وفيرها
    وبعدين عشان ديل وهم باعترافك لا يقراوا داير تغير اسم حرب صلد عرفه الناس وانتموا اليه لانه الشيوعى وليس الوحدوى ااو الوطنى
    بعدين الاسماء راقدة وكل من يريد الانتماء للاسم عليه التوجه اليه
    اظن ان الحديث فى هذا الموضوع لا يختلف عن محاصرة الشيوععين الباررين بالسؤال حول الصلاة مثلما فعل الظافر قبل ايام مع المهندس صديق يوسف حيث القنه درسا بان الاجابة على السؤال او السؤال نفسه ليس له معنى
    ولك الشكر

  7. في بدايه الاستقلال كانت الاحزاب الطائفيه الختمية والأنصار فبرزت الجبهه المعاديه للاستعمار واتجه اليها كل المتعلمين والمثقفين كبديل للانتماء الطائفي او الرجعيه وترعرعت الجبهه المعاديه للاستعمار خاصه في معقل الحركه العمالية في عطبره
    والمدن الكبري والجزيره وضمت نقابات العمال والمزارعين وكان لها ان تسحب البساط من تحت الطائفيه وان تكون الحزب الاقوي في السودان الي يومنا هذا هل كان الخطاء استيلاء الشيوعيون وتغير الاسم او حتي الإبقاء علي مسمي الجبهه الديمقراطية
    وهم المؤسسين وترك المجال للطائفيه بشن حرب عليها باسم الإلحاد وكل ما نعتو به الشيوعيه بالكفر والالحاد هل لو كان الإبقاء علي اسم الجبهه المعاديه للاستعمار او الجبهه الديموقراطيه الأفضل ولم يترك المجال للطائفيه تعوث فسادا هل كنا سنعيش في
    سودان أفضل علي سبيل المثال اليمن الجنوبي نجح شيوعي اليمن وحكموا تحت الحزب الاشتراكي آخذا في الاعتبار انهم فطنوا لتفادي اسم حزب مقرون بالإلحاد في مجتمع تسود فيه الاميه بنسبه 90في المائه من سكانه ياحسرتاه

  8. عزيزى ود الخضر ارجو ان تقرأ بقية المقالات فى هذا الموضوع ، ففيها محاولة للرد على تساؤلاتك بشكل قاطع . ايضا ارجو من كل من له رأى فى الموضوع مع الاطروحات التى اقدمها او ضدها ان يساهم معنا فى مناقشة الامر اذا انى اعتقد انه امر هام لحزب برهن خلال سبعين سنة انه يسعى لمصلحة الناس وفى هذا فهو يخطئ ويصيب . وليس من طريقة لاصلاح الخطا الا بتبيانه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..