لحظة الحقيقة في مصر

حتى هذه اللحظة يعتبر الأخوان ما جرى لهم نوعا من الصراع على السلطة ليس إلا. قناعة من هذا النوع انما تعبر عن محاولتهم ايهام أتباعهم بان عودتهم إلى السلطة لا تتطلب إلا مزيدا من التضحيات.
بقلم: فاروق يوسف
هناك اليوم في مصر شعب اختار أن ينحاز إلى الدولة المدنية التي تملك جيشا يحمي أمنها. هذا الخيار لا يناسب جماعة الأخوان المسلمين التي أثبتت من خلال التجربة أنها لا تملك سوى تصور ديني لدولة لا ترى في الشعب إلا رعية تتبع الحاكم الذي لا يُرد له أمر وهو ما لم يكن مناسبا للشعب المصري.
يتحدث الأخوان اليوم عن شيء اسمه البيعة وهو مصطلح ديني يعني أن الخطأ في اختيار الحاكم لا يمكن التراجع عنه حتى لو كان ذلك الحاكم فاشلا مثل مرسي، متناسين في الوقت نفسه أن ممثلهم في الرئاسة محمد مرسي كان قد وصل إلى منصبه عن طريقة انتخابات أُجريت على الطريقة الغربية، في ظل ديمقراطية حاول الأخوان أن يتسلقوا سلمها من أجل الوصول إلى السلطة لكي تتاح لهم في ما بعد فرصة رفس ذلك السلم.
ولهذا فان محمد مرسي لم ينزل مثلما صعد.
فلو كان ذلك السلم موجودا في مكانه لاستقال الرجل من منصبه بهدوء بعد أن طالبه الشعب بذلك في سياق قانوني، ليذهب بعد ذلك إلى بيته معززا مكرما، ولما كان عليه أن يغادر قصر الاتحادية مطرودا إلى جهة مجهولة. وقد تكون العاقبة أسوأ. فهناك اليوم من يطالب بمحاكمة مرسي أو اعادته الى السجن الذي فر منه.
يدرك قادة الجماعة أن الاستسلام لهزيمتهم هذه المرة يعني بالضرورة خسارة فرصتهم التاريخية الفريدة في الوصول إلى السلطة إلى الأبد.
لذلك فانهم لن يكونوا مستعدين لإظهار أية قدرة على استيعاب الصدمة واستخلاص الدرس مما جرى لهم.
حتى هذه اللحظة يعتبر الأخوان ما جرى لهم نوعا من الصراع على السلطة ليس إلا. قناعة من هذا النوع انما تعبر عن محاولتهم ايهام أتباعهم بان عودتهم إلى السلطة لا تتطلب إلا مزيدا من التضحيات. وهنا ينبغي عدم نسيان حقيقة أن الجماعة الدينية تعتبر حرب الآخرين عليها جزءا من الحرب على الاسلام.
الثابت في الدعاية الأخوانية الموجهة إلى الأتباع والمناصرين أن هناك قوى علمانية لا تريد للشعب المصري أن يمشي في طريق الهداية والتقوى والايمان. تلك القوى هي التي دفعت الجيش إلى التدخل والانقلاب على ما صار يسمى بالشرعية والتي يمثلها وجود مرسي في الحكم.
جماعة الاخوان تغمض عينيها عن رؤية المشهد المصري وبالأخص بعد يوم الثلاثين من يونيو، حين خرجت ملايين المصريين إلى الشوارع والساحات مطالبة بعزل الرئيس الاخواني مرسي بعد سنة من الفشل الذي صاحبه خرق صريح للقوانين وسعي أخواني حثيث لأخونة كل مرافق الدولة.
يومها لم يكن نزع السلطة من أيدي الأخوان المسلمين هو الهدف بل كان الهدف هو حماية مصر من الانهيار وحماية شعبها من الذهاب إلى الاقتتال الداخلي، بسبب سياسة الاقصاء والالغاء والاستبعاد التي اعتمدها الأخوان.
ولان الشعب المصري لم يكن مستعدا لأن يكون أخوانيا فان الملايين التي خرجت إلى الشارع كانت ترغب في أن يستعيد الأخوان حجمهم الطبيعي لا أن يستمروا في استعمال قدرات الدولة المصرية في خدمة مشروعهم الديني الذي ليس له أية علاقة بتطلعات وأحلام ورغبات المصريين في بناء حياة جديدة، يكون مبدأ المواطنة مركزها وموقع التحكم فيها.
وهكذا فقد نشأت خصومة بين الشعب وبين الجماعة وليس بينها وبين القوى العلمانية كما تزعم الجماعة نفسها. الشعب هو من تمكن من اسقاط حكم الأخوان ولم يكن ذلك ممكنا بالنسبة لأحزاب جبهة الانقاذ أو أي حزب مصري آخر.
ولأن جماعة الأخوان لا تراجع أخطاءها، بل ولا تعترف بوجود تلك الأخطاء فقد أدخلها اصرارها على حقها في الحكم في مواجهة مباشرة مع الشعب.
اليوم تحين لحظة الحقيقة. لقد جر الأخوان البلاد إلى الخانق الضيق: اما أن تكون مصر لهم أو أن ينتحروا.
فاروق يوسف
ميدل ايست أونلاين