سياسيون في قلب الاقتصاد.. الدولار.. سوق الوجوه (الصعبة)

الخرطوم: مقداد خالد
عندما تنشب أزمة سياسية، تحال عادة إلى الاقتصاد، والمقولة القائلة (ابحث عن الاقتصاد) كتبرير وراء جميع الأفعال والأعمال البشرية. الغريبة أن هذا (الاقتصاد) يتخطى السياسة ليدخل حتى فضاءات العلاقات الاجتماعية بما فيها علاقات الأزواج والمقدمين على الزواج، وعلى ذلك قس.
وتعد أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملة الوطنية، أحد المظاهر السياسية بامتياز، فقد ابتدرت بالعقوبات الأمريكية في العام 1997، وزادت وطأة بانفصال الجنوب في العام 2011، ثم زاد الطين بلة تخبط السياسات الحكومية، وتفاحش السوق الموازية التي لا يرضخ تجارها وسماسرتها لأي منطق عقلي أو رياضي.
في الخط:00
حين نتحدث عن قيادات من اوزان صعبة، دخلت سوق الدولار، يلزمنا الإتيان بالتصريح الأخير لزعيم الأسود الحرة، الذي وثب على كل الحلول الاقتصادية لزيادة قيمة الجنيه السوداني، ودفع بحل سحري، وصرّح للزميلة (التيار) قائلاً: (مستعدين ننزل الدولار لو سلمونا وزارة المالية).
وهو قول جعل العامة، المنكوبين بغلاء الأسعار يقولون، ليت وزارة المالية التي يرفض المؤتمر الوطني التخلي عنها، تمنح ضمن الأعطيات الذاهبة للشركاء الموسومين شعبياً بالمؤلفة قلوبهم.
الرئيس عمر البشير دخل على خط الأزمة، ووجه الطاقم الاقتصادي بافتراع سياسات من شأنها إعادة السوق إلى نصابه، وقيده، بعدما انفلت، وذهب بالناس كل مذهب.
أشد الناس قرباً من البشير، ولم يفارقه البتة، وضع عود حلوله في أزمة الدولار، حيث وصف النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس الوزراء القومي، الفريق أول ركن بكري حسن صالح، نفسه بالعسكري، وذلك إزاء تساؤلات الصحافيين الملحة عن أزمة الدولار، داعياً لترك (عجين الاقتصاد) لخبازيه الجدد، حيث طال التغيير في وزراء القطاع الاقتصادي، تسعة من القدامى.
ولكن مداخلات النائب الأول اقتصرت على التأكيد بأن أزمة الدولار، اقتصادية، ولا يمكن حلها بالسياسات الأمنية، وعلّه يلمح هنا إلى توقيف العشرات من سماسرة سوق العملات الأجنبية بعد أن استمر سعر الجنيه في الانخفاض مقابل الدولار، رغم فك جميع أوجه الحظر الاقتصادية المفروضة على السودان.
غرابة:
ساسة آخرين، كانوا حاضرين في سوق الدولار، ولكن بمداخل مختلفة، أو قل غرائبية. وحين نتذكر الغرابة، يبرز وزير المالية الأسبق، ورئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالبرلمان، علي محمود عبد الرسول، بتصريحاته النارية، المؤلمة، المستفزة، ونورد حديثه عن الدولار ما بعد رفع العقوبات كما قال به للمركز السوداني للخدمات الصحفية، المعروف اختصاراً بـ (أس. أم. سي).
فقبل أيام فقط من رفع العقوبات الاقتصادية على السودان، صرح عبد الرسول بأن القرار الأمريكي لن يؤثر على أسعار صرف الدولار. تصريح كان شديد الوطأة، ولكن الأيام أثبتت أنه حقيقي جداً.
أما صنوه في الاسم، وصفة الوزير السابق في وزارة المالية، بدر الدين محمود فكان حديثه في العام 2013 عن انخفاض كبير سيقوي العملة المحلية بنسبة 50% في مقابل الدولار وذلك إثر توقيع اتفاق نفطي مع دولة جنوب السودان. ولكن لو سألت الناس الذين عاد بهم الزمان ساعة، أن يعود بهم ذات الزمان للعام 2013م لقالوا آمينا، حيث كان الاقتصاد أقل سوء مما هو عليه الحال اليوم.
وليكتمل وضع الموازنة بين وزراء المالية، نذكّر بتصريحات عبد الرحيم حمدي، التي دعا فيها الدولة لتحرير سعر الصرف، والتوقف عن دعم السلع، وذلك بمجرد انفصال جنوب السودان. بعضنا يقول اليوم ليتنا فعلنا، حيث تعتزم الدولة بعد عدة خطط ومناهج قاد كل منها لقفزة في الدولار، إلى إزالة الدعم عن السلع بالكلية.
تراجيكوميديا:
الفكاهة والمأساة حاضرة في سيرة الدولار، فقد تمت سرقات دولارية لمسؤولين حكوميين. وسطا لصوص على منزل القيادي بحزب المؤتمر الوطني، قطبي المهدي، واستولوا على أموال بمختلف العملات بما فيها الدولار، وصلت في جملتها 200 مليون جنيه.
ذات الحال انطبق على محافظ بنك السودان، صابر محمد الحسن، الذي استولى لصوص على ألوف الدولارات من قلب منزله. أما أكثر القصص مأساوية في أمر العملة الصعبة، فتعود إلى عضو مجلس قيادة الثورة، العميد (م) صلاح كرار، والمعروف لدى بعض الأوساط الشعبية بـ (صلاح دولار)، حيث يجرى اتهامه بالوقوف وراء إعدام الشاب مجدي محجوب بتهمة الاتجار في العملات التي كانت من المحرمات بدايات عهد الإنقاذ، وهو أمر للأمانة نفاه كرار في أكثر من محفل، وقال إنه لا يعرف مجدي، وعملية إعدامه تمت وهو خارج البلاد.
تدخلات:
يقول المحلل السياسي محمد نورين، إن السياسة هي الوجه الآخر للاقتصاد، بينما يعتبر الدولار مؤشراً على قوة الاقتصاد في أية دولة كانت. مضيفاً في حديثه مع (الصيحة) إن تعاملات المسؤولين مع الدولار ذات شقين، شق إيجابي يراعي السياسات والقوانين، وشق سلبي يساهم في تدهور سعر العملة الوطنية بقصد أو خلافه.
وفي الصدد، نبّه نورين إلى إيجابية مسلك الرئيس البشير ونائبه الأول في دعواتهما لابتداع سياسات تحض على خفض سعر الدولار، وفي المقابل شجب التصريحات المستفزة والمستكينة للأوضاع القائمة، كقولهم إن أسباب ارتفاع سعر الدولار نفسية.
الصيحة.