مشروع " تسول " الإنقاذ السودانية في مآتم السعودية ….. و الوليد بن طلال في إمتحان !ا

محجوب حسين/ لندن

قبل عقدين و نيف من الزمان ، أي في يونيو العام 1989 ، و علي إثر مخطط "الغزو الإسلاموي " للبلاد السودانية من طرف سلالة قريش السودانية الإنقاذية ، حينئذ كانت الإنقاذ اللاهوتية تبث برنامجا سياسيا عبر الإذاعة السودانية و يقدمه أحد ضباط الغزو الإنقاذي و هو المقدم يونس محمود و المعروف شيوعا ببرنامج "يونس" دون تعريف ، حيث البرنامج في الغالب الأعم كان عبارة عن " مضمون" و " إشارات" الإفتتاحية السياسية للنظام الجديد ، و من خلاله تستطيع أن ترصد و تقرأ و تفسر الموقف السياسي للسياسات العامة إن كانت تجاه الدول أو الأنظمة أو قضايا الداخل و الخارج لنظام الغزو الإسلاموي بغض النظر عن الشق التعبوي فيه . و هنا ليس بالضرورة أن يكون متشابها أو في قواسم مشتركة مع " الغزو" الإسلامي الأول لبلاد السودان قبل قرون خلت وفق إجتهاد محلل سوداني له رأيا فيما يعرف بمصطلح " الفتح" الإسلامي للسودان. حيث يري بالمقابل أن السودان تعرض لغزو تاريخي أكثر منه فتحا، وكلا المصطلحين بلاشك يحملان دلالات و معان متباينة في الثقافة و الفكر و التاريخ و الأدب.

صراع العمامة و العقال

مما تقدم و إبان تلك الفترة من الزمن السوداني يذكر معي السودانيين ، و في إجترار جماعي للذاكرة و إبان هوس الإنقاذ الأول و هلوستها اللاهوتية بتصدير الثورة الإنقاذية الإسلامية السودانية إلي دول المحيط ، و نعني بها مصر و السعودية ، كانت الأخيرة تحظي بمساحة متميزة في البرنامج المشار إليه آنفا ، و قوام تلك المساحة التي يقدمها الضابط السوداني وفق قوالب التهريج السياسي و الذي يصوره في قالب نقد سياسي جارح ، فوقتها لم تسلم السعودية كمملكة أو دولة أو شخوصا من لسان المعد و مقدم البرنامج الإنقاذي صاحب الرسالة و التي يريد تقديمها لشعوب الحجاز و لما لا إلي كل دول الخليج العربي و مصر ، فالتجريح و الشتم لازم كل ما هو سعودي- و هنا لست دفاعا عن السعودية – مالا و سياسية و مؤسسات و علاقات دولية و أفراد و رجال أعمال ، في شكل عداء أيدولوجي مذهبي و حقد طبقي بين – و بلغتهم حقدا علي سعودة نعم الله – إلا أننا ومع ذلك نستطيع أن نسجل و ضمن منهج العداوة الطبقي هذا ، كان هناك إستثناءا واحدا و هو أسامة بن لادن و ماله و ذلك بعد تنفيذ طلب طرده أمريكيا من السودان وفق ما تشير تقارير صادرة في هذا الشأن و كذا حوارات أجريت مع مقربين له و في أوقات سابقة ، و فيها زعم بأن الحكومة السودانية إختلست جزءا من أمواله بعد طرده .
إلي ذلك إمتد منهج العداوة الطبقية ، بالطبع ليست هي فكرية و لا سياسية تنافسية لتشمل معاداة اغلب دول الخليج ، و تبين ذلك إبان حرب الخليج الأولي و دخول صدام إلي الكويت ، حيث يري واجهة النظام الحاكم في برنامجه الإذاعي اليومي إلي "أن الكويت هي جزءا من العراق و أن مال الله في الخليج أولي به شعوب الإسلام الأخري" – و هو الشيء الذي إنعكس سلبا علي مجمل وجود السودانيين الكبير و أوضاعهم في الخليج العربي برمته من طرد و إنهاء عقود للعمل … إلخ، و لم تتحسن إلا بعدما بدأ النظام في تقديم صكوك الغفران و الرحمة خلال السنوات الست الماضية و لتبدأ معها العلاقات و ببطء و حذر شديدين ، و الشيء الذي دفع بمغترب سوداني مطرود وقتها من السعودية إلي القول " يبدو أن مشكلتنا – أي مشكلتهم – لم تنتهي إلا بعد حسم الصراع بين العمامة و العقال ، الأول مالكيا فيما الثاني وهابيا ، و كأنه تصوير لصراع مذهبي بين المملكة والجمهورية السودانية

نظام أو ناطق رسمي " بإسم الإله " !!

سبب سرد هذه اللمحات التاريخية ذو صلة و إرتباط مع ما بثه التلفزيون السوداني و أوردته صحف الخرطوم خلال الأيام الماضية و مفاده هو أن أحد رجالات المال و الإعمال من السعودية قد وصل إلي الخرطوم تلبية لنداء الإستغاثة الذي قدمته له السلطات حصريا للقدوم قصد المساعدة و فك ضائقة النظام الإقتصادية و المالية عبر منح الإستثمار و التي تشمل الأرض السودانية و فوقها و تحتها ، في الجو و مطباته الهوائية و بشروط تفضيلية ، علي شرط أن تكون الإستثمارات و المنح و القروض عاجلة و بالبريد السريع لان الوضع خطر و خطير و في درجاته العليا سودانيا، فتم إستقباله رسميا و توشيحه بأعلي وسام سوداني ، في شكل رشوة رمزية بفائدة ربوية "- حسب رأي راصد إقتصادي – . و الغريب في حال سلطة الخرطوم إنها توزع أوسمة ونوط الدولة الرفيعتين في حالتين لا ثالث لهما ، الأولي داخلية و هي للمبدعين في إستباحة الدم السوداني جيشا أو أمنا أو أجهزة أمنية أخري أو أجهزة نهب داخلي لإقتصاد الوطن و الثانية هي خارجية و تقع عندما تريد أن تنهب رأسمال إقتصادي أو سياسي من الخارج ، ونعتقد هنا أننا أمام الحالة الثانية و في شقها الأول و بدون خجل أو تقاطع مع تاريخهم و رأيهم السابق و مع جاهزيتهم في تبرير إنتهازية الإنقاذ الإسلاموية و التي تأتي كاملة الدسم من حيث المواصفات – و لله في خلقه شؤون – ، قائلة للجهات المعنية بالإستثمار ، تغيرت الدولة و الخطاب و الأيدولوجية و السياسات ، فيما نحن نحن – أي هم – موجودين و ممسكين ، و عفا الله عما سلف ، مشكلتنا كانت الترابي هو سبب ضلالنا و الآن هدانا الله إلي ما فيه خير الأمة العربية و الإسلامية ، في برغماتية نفعية سريعة . و فيها كل شيء جائز حتي و لو طلب المستثمر بمحاكمة المقدم يونس أو حتي إعدامه لأنه عرض أمن التسول الإقتصادي الإنقاذي للخطر !! . نعلم أننا أمام وضع غريب وشاذ في السودان ، الحزب الذي يحكم الدولة أغني من الدولة المحكومة و مجموع شعوبها الحية و الميتة جمعا ، فيما تفاقم الأمر بعد تقسيم السودان ، فيها الغني و المنهوب تاريخيا فر بجلده جنوبا و الفقير إبتلي و يبتلي به قومه و ما عاد له إلا الإحتراف ، إحتراف أي شيء ، إحتراف التسول الإقتصادي و السياسي و لو جاء عبر النوط و الأوسمة و السيوف الذهبية و الأحزان ، إحتراف حروب الهوية ، إحتراف الرقص ،إحتراف الديكتاتورية ، إحتراف التضليل بإسم الله ، و كأننا أمام نظام نصب نفسه " فقها " ليكون ناطقا رسميا " بإسم الاله" ……. إلخ، لأن كل سيئات حكمهم في السودان تبرر من صنع الله !! لا من فعل " الشياطين" السودانية . و هو إبتلاة ربانية ، في تعطيل كامل لكل ما هو دنيوي و عقلي و سلوكي للفعل الإنساني .
يتضح من خلال تلكم اللمحات التي أشرت إليها و إرتباطها مع أدب الممارسة السياسية أن الأنظمة الدكتاتورية لا تحكمها أخلاق سياسية معينة أو حتي مباديء أو مواقف أو دين سياسي مذهبي معين أو حتي إجتهاد ، دائما هي قادرة علي إجادة التأرجح و التلون كما تريد لأجل أن تبقي ، و تلك حال السياسة و صناعتها و التي تحكمها المصالح و الإقتصاد وجه منه ، بل بإعتباره وجها من أوجه السياسة و الأخيرة وجه من أوجه الإقتصاد في جدلية مرتبطة ، لذلك لسنا ضد توظيف روؤس الأموال الإسلامية و العربية او العالمثالثية لخدمة أغراض التنمية المستدامة في دول العالم العالم الإسلامي و العربي و الأفريقي الفقير، و مشروع دولة السودان الشمالي اليوم بحاجة إلي هذه الأموال خصوصا و نحن أزاء حالة يفترض فيها الدولة أن تعلن عن إفلاسها و حل نفسها إن كانت شركة أو بنكا و ما يترتب علي ذلك من آثار جد مأساوية علي المواطن السوداني ، هذا جانب.

رجل الأعمال و الدكتاتوريات!!

فيما الجانب الثاني و الذي نعتقد أنه مطلوبا أكثر من أي وقت مضي سيما و بالنظر إلي جملة المتغيرات التي ما زالت تواصل حركيتها في المنطقة ، فضلا عن تجارب رؤوس الاموال فيما مضي ، هو أن البيئة الصالحة لنجاعة رؤوس الأموال العربية و الإسلامية هي الفضاءات السياسية الديمقراطية التي تراعي حقوق الإنسان و تحكمها مؤسسات عدلية وطنية و محل توافق إجتماعي سكاني مستقر ، لا دول تتنازعها أمراض الصراعات و عدم الإستقرار من جراء أصنامها السياسية القائمة في أكثر من موقع ، هي ليست بدول بقدر ما هي مشاريع لدول ، عقودها الإجتماعية و القانونية و السياسية لم تفحص بعد ، و في أول تجربة فحص شعبي سقطت و تهاوت ، و بالتالي نري أن توظيف روؤس هذه الأموال قد تدعم بالدرجة الأولي أنظمة السيطرة في زيادتها لوعاء قبضتها و سيطرتها الأمنية دون موافقة شعوبها ، فقط لأجل حماية الصنم الهالك ، حيث أثبت الواقع أن هذه الشعوب لم تكن مستفيدة البتة من عائدات هذه الأموال المستمرة و التي تنتهي إمتيازا و فعلا إقتصاديا مع إنتهاء الصنم الدكتاتوري و هنا – نموذجي مصر و تونس – ما زالا حاضرين لرجال المال و الأعمال أكانوا عربا أو مسلمين أو غربيين ، لذا يتوجب علي هذه الطبقة الإقتصادية الهامة علي الأقل في العالم الإسلامي و العربي أن تلعب دورا سياسيا و أدبيا و أخلاقيا تجاه مساعدة شعوب المنطقة ، حيث الخارج "الديمقراطي" يساعدها الآن كما نشهد ، و ذلك بوضع إشتراطات علي إستثماراتهم ، و أهمها الحكم الراشد و الذي لا يأتي إلا في ظل أنظمة ديمقراطية حرة و التي فيها و بها ضمانا و تأمينا لصاحب الرأسمال ، و هنا إن سئلنا في حالتنا السودانية يبقي لزاما القول علي رجال الأعمال السعوديين و الآخرين ، و منهم الأمير وليد بن طلال وفي إمتحان ، إن أرادوا مساعدة الشعب السوداني أن يضعوا معايير أهمها معايير الدولة الديمقراطية و دولة المواطنة المتفق حولها لا المختلف عليها ، لأن الاخير لا يضمن إستمرار أي إستثمار كان و لا نتائجه أيضا ، و قد ينتهي مع إنتهاء الصلاحية الزمنية لتابو الحاكم و من ثم يقع هو و ماله في حكم السقوط و توابعه و لا يحتاج من قوم الهامش و الجوعي و العطالي و المعتقلين في عالم الدكتاتوريات المبدعة إلي فترة تقادم قانوني لأخذه أو تدميره ، و إن سلم فيجوز تأمميه معاكسة زعم نهاية التاريخ و إنتصار أصحاب نظرية دعه يفعل ، دعه يمر كآخر منتجات الفكر و الحضارة البشرية لعالم رأسمالي لا أخلاقي في متنه و أسسه.
أختم بتعليق ورد في حوار لأحد قيادات المعارضة السودانية ، قال فيه معلقا علي زيارة وفد سوداني إلي الرياض للتعازي في وفاة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز مؤخرا معلقا أن الوفد كان مبدعا " قدم تعازيه للأسرة الحاكمة مع قراءة الفاتحة و الدعاء باليد اليمني و طلب إنقاذ النظام من الأزمة الإقتصادية باليد اليسري" في إشارة إلي تعزية يراد دفع ثمنها . لا غرابة ، هي سنوات و تاريخ حكم الشريعة السودانية و سنوات تغيير بايولوجيا المكونات السودانية لتكون أمة واحدة و ذات رسالة ليست هي خالدة عندما تكون ذات سمات سودانية فيها التعازي تدفع فاتورتها النقدية عند إسلامويو السودان و أيدولوجيتهم البارعة في إكتناز المال و لو جاءت علي تعزية .

تعليق واحد

  1. لايحيرنى تقلب هؤلاء القوم من موقف الى ضده بنسبة100%…لكن مايثيير فى كل الحيرة أن العرب والخليجيين قد غفروا أو كادوا يغفرون لهم كل ماوصلهم من رذاذ لغو يونس محمود والشريعيون.. عموما كل الشكر على التحليل الرصين والنقد البناء..وكل الحب لك كثورى ظل عصيا على دينارات وتوزير امبراطور الخرطوم القاتل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..