البيت مكان خطر على الحياة

أسماء جمعة

حيثما انتشر الجهل والفقر والكبت والحرمان انتشر العنف، فقد أكدت الدراسات أنَّ الفقر يؤدي للعنف الأسري ويثير مشاعر العداء لكل المجتمع، وحتى أقرب المقربين للإنسان بمن فيهم أفراد الأسرة. أما بالنسبة للجهل فالحكمة تقول إنَّ الجاهل عدو نفسه، وقد قال ابن رشد: (الجهل يؤدي إلى الخوف، الخوف يؤدي إلى الكراهية، والكراهية تؤدي إلى العنف)، كذلك الكبت المتراكم للمشاعر إما أدى إلى حدوث انفجار قاد صاحبه إلى الانهزام الداخلي، أو أنه أدى إلى التعبير غير السلمي عن المشاعر، ودائماً ما يقال الكبت في خدمة العنف.
هذا الأمر يفسر لنا ظاهرة انتشار العنف في المجتمعات التي ترزح تحت الفقر والجهل وسيطرة الحكومات الديكتاتورية، ويقل في المجتمعات المتحضرة والمتعلمة أو الواعية والتي تعيش قدراً من الرفاهية وفي ظل حكومات ديمقراطية، ولكن أياً كانت ظروف ودوافع العنف إلا أنه يشكل خطراً دائماً على الأسرة، والبيت الذي ينشد فيه الناس السكينة ويحميهم من عنف الحياة برعاية النساء، ولكن الخبر غير السعيد أنه وبسبب العنف لم يعد البيت مكاناً آمناً للنساء، وعليه فهو لن يكون آمناً على الجميع.
الأسبوع الماضي كشفت دراسة أعدتها الأمم المتحدة، أنَّ نصف النساء المقتولات في العالم في العام 2017 قتلهنَّ أزواجهنَّ أو أفراد من عائلاتهنَّ، ما يجعل من البيت ?المكان الأخطر على النساء?، ونشرت هذه الدراسة بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة العنف ضد النساء، وأحصى فيها مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة 87 ألف جريمة قتل لنساء في العالم خلال العام 2017. وتبين حسب الدراسة أنَّ 50 ألفاً من هذه الجرائم (أي 58%) ارتكبها أزواج أو أفراد من العائلة، ونالت أفريقيا النسبة الأعلى بين القارات وتلتها قارة آسيا.
تقول الحقائق إنَّ العنف ضد النساء في دول أفريقيا والعالم العربي يرتفع بشكل مذهل، ويشمل العنف النفسي واللفظي والجسدي الذي يؤدي أحياناً إلى القتل. وقد أصبح خبر رجل قتل زوجته أو طليقته أو ابنته أو قريبته في عالمنا هذا أمراً منتشراً جداً، والسودان ليس استثناءً، وأعتقد أنَّ الجميع لاحظوا كثرة الحوادث التي يقتل فيها الأزواج زوجاتهم أو طليقاتهم أو قريباتهم من الدرجة الأولى من خلال وسائل الإعلام، ولم تعد النساء يصبرن على هذا الوضع مما أدى لتمرد بعضهن وتنمر البعض الآخر، فقد أصبحن يرتكبن أيضاً العنف ضد الرجال، وقد بدأت جرائم النساء ضد الرجال تجد طريقها للانتشار كرد فعل ونتبجة طبيعية للقهر المستمر.

في السودان أعتقد أنَّ البيت لم يعد بالفعل هو المكان الآمن، ليس بالنسبة للنساء بل وبالنسبة لعدد كبير من الأطفال والشباب، ففي ظل أجواء العنف المتبادل تفقد الأسرة الاستقرار ويفقد جميع أفرادها الأمان وهذا يضر بالمجتمع كله. وعليه فإنَّ دراسة الأمم المتحدة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، ولا بد من تحسين مستوى الحياة الاقتصادي وتوفير الخدمات الأساسية وبناء دولة الرعاية الاجتماعية، وإلا فإنَّ الهروب من هذه المؤسسة المقدسة سيحمل الدولة أعباء أخرى أكبر.

ونقول للمواطنين اهتموا ببيوتكم واحذروا العنف، مارسوا ضبط النفس وحاولوا أن تحموا بيوتكم، فإن كانت هي تشكل خطراً على الحياة فلن يكون هناك مكان أكثر أماناً منها.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..