الرابح والخاسر

الرابح والخاسر
فيصل محمد صالح
لا أظن أن هناك حدث شغل الناس خلال اليومين الماضيين مثل صراع نافع- قوش، والذي انتهى نهاية درامية بإقالة الفريق صلاح قوش من منصبه كمستشار لرئيس الجمهورية للشؤون الأمنية، ليبقى، إلى حين أمينا لدائرة بالمؤتمر الوطني وعضو بالبرلمان. وانشغل الناس أيضا بمحاولة قراءة خلفيات الصراع وقرار الإقالة ومحاولة تفسيره على أكثر من وجه، جهويا وأمنيا وسياسيا..الخ.
شخصيا اعتقد ان الصراع مع نافع كان مجرد مناسبة لإقالة صلاح قوش، وليس السبب الرئيسي في ذلك، بمعنى أن هناك تراكمات كثيرة كانت تنتظر اللحظة المناسبة عند متخذ القرار، وقد كان هذا الصراع العلني مناسبة لتنفيذ ما انتوت عليه القيادة.
الصراعات داخل المؤتمر الوطني قديمة ومتجددة، وهي ظاهرة طبيعية في حزب مثل المؤتمر الوطني،جاء تشكيله الأخير بعد استلام السلطة، واجتمعت فيه وجوه وتيارات كثيرة. صحيح أن قلب التنظيم هو الجبهة الإسلامية القديمة، لكن تحول الحزب خلال السنوات الاخير لتحالف عريض ومترهل لقيادات الإدارة الاهلية وزعماء القبائل والطرق الصوفية وكبار رجال الأعمال وممثلي البيوتات التجارية وأصحاب المصالح والحظوات والمؤلفة قلوبهم من الأحزاب الأخرى وراغبي التمسح في السلطة وما إليهم. ولأن السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة فساد مطلق، فقد تباينت الصفوف وكثرت الصراعات والمجموعات والكيمان.
كان الفريق صلاح قوش يمسك بالملف الأمني لفترات طويلة، وبحسبان أهل السلطة فقد كان صاحب نجاحات، خاصة تجنيب النظام توابع أحداث سبتمبر 2011، بالاتفاق الذي أبرمه مع الإدارة الامريكية. وظل الرجل يحسب على العسكريين والأمنيين أكثر من حسابه مع السياسيين، بل تم تقييمه أحيانا بأنه بلا طموحات سياسية. لكن تغيرت النظرة خلال العامين الأخيرين، وصار الرجل يحسب مع أصحاب الطموحات والنفوذ السياسي، بل وحسبه البعض ضمن ذوي المؤهلات القيادية.
وأظن أن قرار إقالة الرجل من جهاز الأمن كان بسبب هذه الحسابات والتخوف من تحوله لمركز قوة سياسية بعد بنائه امبراطورية الأمن، وإمكان وجود قيادات تدين له بالولاء، واظن أن نفس الحسابات هي التي جعلت قرار إقالته الأول يبدو مستترا بتحويله لوظيفة أخرى، وإن كانت شرفية، وهي وظيفة المستشار.
لكن الرجل لم يستسلم فيما يبدو، وطرح نفسه مع السياسيين عبر خوض الانتخابات العامة في دائرة مروي، ثم في محاولته تحويل مستشارية الأمن القومي لمظلة للحوار السياسي بين الأحزاب، بما يكسبه نفوذا خارج حزبه، ويطرحه رجل حوار وتفاعل مع القوى السياسية الأخرى. ولعل هذا ما اقلق جهات كثيرة، وجعلتها تتحسب خطواتها، حتى جاء الصراع الأخير بين صلاح قوش والدكتور نافع، والذي خرج للعلن عبر المؤتمرات الصحفية، فشكل فرصة سانحة لتنفيذ القرار المبيت. وربما يميل البعض لتقديم بعض التفسيرات الجهوية والقبلية للصراع، لكني مع من يعتقدون أن ذلك ليس صحيحان وان خريطة التحالفات داخل الحكومة والحزب الحاكم تحكمها المصالح وتقاسم النفوذ وتوفير الحماية والدعم المتبادل، أكثر مما تحكمها الجهويات.
لقد خسر قوش المعركة، حتى الىن على الأقل، لكن هل ربحها نافع؟
الله أعلم.
دا تفسير غير متطرق واعتقد منزوع الغرض