مقالات متنوعة

نجوم خارج مدارات الإحتكار

محمد عبدالله برقاوي

ما مقياس الإبداع في بلادنا .. هل هو كثرة الظهور من خلال الشاشات الفضية التي تناسلت في الفضاء الواسع وبزت القناة القومية رغم تلوين دثارها الذي كان ابيضاً وأسود متسيداً أفق العيون التي لم يكن بمقدورها تجاوز مداها الى ما عداه .. أو هو علو الصوت عبر مايكروفانات الإذاعات التي غدت حفيدات كثر لهنا أم درمان وقد كانت ملكة المسامع في ماضيها التليد !

لا دوافع شخصية وراء ما ذكرت .. فو الله أنا شخصاً وفي إجازتي القصيرة هذه حظيت بفرص قد لا أستحقها ولازالت أمامي دعوات لتنفيذ لقاءات أخرى قد أجد لها متسعا من الوقت أو لاأجد..فعلى تواضع ما يخطه القلم من نزف على صفحات الزمن الضاغط .. يعتقد الكثيرون ان فيه ما يمكن ان يشكّل اطلالة متجددة على العيون الجميلة قراءة ومشاهدة او طرقاً على المسامع النبيلة !

قال لي شاعر كبير وقد عرف بصدقه وصراحته.. الأجهزة الإعلامية عندنا على مختلفها أصبحت حكراً على عشرين من الشعراء والأدباء والمحللين الصحفين .. تجدهم يتبادلون المقاعد في كل المحطات المرئية والمسموعة.. وأضاف وأنا أقول هذا الكلام رغم أنني بكل اسف واحد منهم ولا داعي لذكر الأسماء فهي معروفة !
أديب آخر اخذني في جولة بسيارته مررنا فيها على تلك الشجرات العريقة أمام مكاتب المصنفات الأدبية ومسرح الفنون الشعبية ..فشاهدنا أعداداً من اصحاب الأسمال البالية و الأحذية المهترئة .. ومن على البعد اشار اليهم بقوله كلهم مبدعون وفيهم من هو أحق منا بالإضاءات نحن الذين نكثر الظهور ونخشى ان يملنا المتلقى .. لاننا بتنا نكرر أنفسنا بغير جديد ولكننا محاصرون بالفرص التي تخنقنا بالمجاملات أحياناً لآننا فقط المتوفرون تحت النظر من داخل البلاد وحيشان الإبداع.. !

ثم طاف بي على مركز شباب امدرمان فوجدنا من هم جلوساً منذ الثالثة ظهراً خلف نظرات الضياع التي لم تيأس من بزوغ شمس الفرص الغائبة خلف غبار النسيان والجحود .!

ثم أخذني فنان ناشي الى مركز الخرطوم جنوب للموسيقى والغناء ..فوجدت أقمارا منيرة على ارضه تابى ان تستسلم للقنوط وإن طال بهم وبهن الإنتظار .. فيما الكثيرون من المطربين و المطربات قد صعدوا على أكتافهم وتركوهم وصاروا نجوما يحتكرون مدارات الفضاء ويتصاعدون بسلالم العدادات التي غدت حكرا هي الأخرى لمن أستطاع اليها جيبه ..!

الإبداع الحقيقي ليس هو الذي يسرق فرص الآخرين وإنما هو ذلك النمط الذي يكتشفه المختصون و ينبشونه من تحت ركام خجل صاحبه أو عجزه عن الوصول الى دائرة الضوء .. فكم هم يا الهي أولئك الذين غابوا في ظلمة التنكر وعدم التذكر .. و كم هم الذين ينتظرون تحت تلك الشجيرات التي تبادلهم الحسرة وقد منعوا عمداً أو تجاهلا أو غفلة عن ولوج بوابات الشهرة التي يستحقونها كدرر مكنونة في طين الزمن و خطف مفاتيحها عنهم من هم اشبه بالفقاعات التي ما ان تعلو قليلا حتى تذوب بعيداً عن ذاكرة الأرجل التي رقصت لها دون أن تستوعب مفرداتها و تطرب لنغماتها الماسخة عقول ومشاعر الذين يحسون الإبداع الحقيقي الذي يخلد وإن ذهب صاحبه أو صاحبته بعيداً في اجداث الردى أو قبع وراء حوائط التواضع .. كدأب المبدع السوداني حيثما وجد.يا هداه الله وهو الاروع في عطائه عن الكثيرين ممن صنعتهم آلة الإعلام و طغت أصواتهم بتواتر الصخب والضجيج ..!

محمد عبدالله برقاوي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..