العم حسين حسن : انتقمت من المفتش الإنجليزي بوجبة دسمة من حذائه العتيق فالتهمها وأمر بتحفيزي

حاوره – أحمد محمد السنوسي
عندما قررت الخوض في هذا الموضوع، كانت الفكرة تتعلق بالكتابة عن طباخي الرئاسة في العالم وتجاربهم، من خلال هذه الوظيفة التي تعتبر من الوظائف التي تندرج وتدخل ضمن العمل الدبلوماسي، إذ إن حفظ وكتمان الأسرار يعد من الصفات الأساسية المطلوبة لدى الطباخين، خاصة الرؤساء، وقد رأينا في بعض البلدان أندية لطباخي الرئاسة، مثل نادي رؤساء الطباخين في روما، الذي يعقد اجتماعات دورية لبحث بعض القضايا.. ولكن هذا الرجل دفعني إلى تعديل الفكرة والتحول (180 درجة) إلى إجراء هذا الحوار معه، باعتباره من أشهر قدامى الطباخين في السودان.. إنه العم حسين حسن المبارك، نسأل الله له الرحمة والمغفرة، فقد غادر الفانية بعد أيام قلائل من إجراء هذا الحوار معه.. ورغم الصرامة التي تبدو على قسمات وجهه، إلا أنه شخصية ظريفة تتمتع بخفة الدم، والقدرة على جذب الآخرين، ابتداءً من (لفة العمة) التي يجيد (تقعيدها)، ونظراته الحادة القوية، وحديثه عن الحياة والتجارب والأحداث التي شهدها، والشخصيات التي عاصرها وزوجاته السبع.. وكنت أثناء الحوار الذي أجريته في (شجرة سوق المواسير) في ود مدني، مع الحلاق أبكر زكريا، همس في أذني الرجل بأن ذاك الرجل الذي ظل يتابعنا بنظراته الحادة، هو تاريخ يمشي على الأرض.. وهو أول طباخ أدخل (الكوكتيل) في مدينة ود مدني.. وخزانة للتجارب والمعلومات، وعندها لم أتردد في استئذان العم حسين للدخول في عالمه والتعرف على تجاربه في الحياة، خاصة مع الإنجليز.. فقال الرجل: “بكل سرور يا ابني.. أنا عمك حسين من مواليد ود الشافعي سنة 1933، وأنا مزارع عندي عشرة أفدنة خليتها لي أخوي”.
*ولكن ما الذي دفعك إلى العمل في مجال بيع وشراء الموبايلات القديمة في سوق المواسير؟
ابتسم ابتسامة عريضة، وقال: “سوق المواسير دي حلوة.. لكن أعمل حسابك.. ما تشتري حاجة من هنا.. والناس الشايفهم ديل كلهم بتاعين مقالب، ولو ما عملت حسابك بركبوك ماسورة”..
*هل زاولت أي مهنة غير الزراعة؟
اشتغلت طباخاً في الجزيرة وكسلا والخرطوم، ولفيت السودان دا كله.
*يقال أنك أول من أدخل وجبة “الكوكتيل” في مدني.. كيف ومتى كان ذلك؟
دي حقيقة، وما يقدر أي زول ينكرها.. وقد تعلمت فن الطبخ من شخص يدعى محمد إنجليزي، عليه رحمة الله.. وعندما انتقلت إلى ود مدني في بداية السبعينيات عرف الناس مني كيف تُصنع وجبة (الكوكتيل)، وأول مناسبة عملت فيها كانت في منزل أسرة الخواض، وأذكر أنهم ذبحوا في ذلك اليوم عشرة خراف وأعطوني مائتي جنيه.. ومن ذلك اليوم بدأت تنهال عليَّ الطلبات من هنا وهناك للعمل مع أصحاب المطاعم المعروفة آنذاك.. حسن جاد الله.. وعبد المجيد حاج عبيد.. وحاج حمزة الفلاتي.
*يقال أن لديك قصة طريفة مع الخواجة الإنجليزي المفتش جورج.. ما أصل القصة؟
ضحك العم حسين حتى طفرت دمعة من عينيه، وقال: ربنا يغفر لينا.. إنه المفتش جورج الذي كان في مكتب الرميتاب.. هذا الخواجة حرمني من صرف مرتبي لمدة شهرين، فقررت الانتقام منه بصورة مذلة تطفئ نار غيظي، الذي لم أستطع التعبير عنه أمامه.. وذات يوم طلب مني إعداد (وجبة دسمة) له.. فتناولت حذاءه القديم الذي أهمله لفترة طويلة.. وقطعته إلى شرائح وأضفت إليها شيئاً من البهارات وصفار البيض، وخلطها بالخلاطة وقدمتها لصاحبي الذي أكل وأكل (لمان قش الصحن)، وعندما استدعاني في اليوم التالي كنت أرتجف خوفاً، وقلت في نفسي (ابن الكلب كشف اللعبة)، ولكنه فاجأني بعبارات الشكر والثناء، وأخبرني بأنه قد وجه بصرف مرتبي الموقوف وتحفيزي بحافز كبير، نظير قيامي بإعداد هذه الوجبة الدسمة اللذيذة.
*وماذا عن حياتك الزوجية وأبنائك؟
وضع يده على رأسه وأطرق إلى الأرض قليلاً، وقال: هبشتني في الوتر الحساس يا ابني.. أنا تزوجت سبع نسوان.. وما معاي الآن ولا واحدة.. ست منهن لم ينجبن أولاد.. والسابعة أنجبت لي ثلاثة من الأبناء توفوا جميعهم.
*من هي الشخصيات التي عاصرتها في حياتك.. ومن هي الشخصية الوطنية التي أعجبت بها في حياتك؟
عاصرت العديد من الشخصيات في فترة الشباب، ولا أنسى الصادق أبو العافية.. وعوض باص بيص.. وموسى الثعلب.. وعوض حلاوة.. أما الشخصية السودانية التي أعجبت بها فهي شخصية الرئيس الراحل جعفر نميري.. كان راجل (كلس) وشجاع، الله يرحمك يا أبو عاج.. ولو سألتني عن ناس السياسة، بقول ليك المحجوب وعلي عثمان.

ليوم التالي