إنها ليست فجوة بل فجوات!

كتبت قبل فترة ليست طويلة مقالاً بعنوان ( الجري قبل الشوف قدلة) جاء فيه: (والجري المطلوب في هذه الحالة هو اتخاذ التدابير الضرورية واللازمة؛ حتى لا تتكرر مأساة النزوح والهزة الاجتماعية التي ضربت المجتمع سابقاً؛ خاصة في ولايات غرب السودان التي هجرها أهلها هرباً من الجوع، في طريقهم للعيش على هامش الحياة في أطراف المدن، بعد أن هلك الحرث وجف الضرع ورأوا الموت بأم أعينهم، لولا أن هرعت بعض منظمات الإغاثة تقدم لهم العون والغذاء، ومن هنا يجب عدم الانتظار حتى وقوع المصيبة التي هي كما نتوقع وشيكة جداً إذ تشير كل الدلائل إلى أن مناطق عديدة من السودان سوف تعاني هذا العام من نقص حاد أو فجوة في الغذاء والعلف، الأمر الذي سيطال الإنسان والحيوان). وقد أكد وجود الفجوة الغذائية الوشيكة عدد من التقارير والأخبار التي صدرت من جهات عديدة. سيما وأن الموسم الزراعي الأخير كان ضعيفاً ولم تستطع كثير من المناطق انتاج القدر المتوقع من الذرة والحبوب والعلف. وفشل مشروع الجزيرة في زراعة المساحة المطلوبة بالقمح، الأمر الذي لا يبشر بخير أبداً. وقد أوردت بعض المصادر العليمة أن حوالي 6 ملايين رأس من الثروة الحيوانية مهددة بالنفوق نظراً لشح المرعى أو الكلأ والأعلاف! ويضاف إلى ذلك الأزمة أو الفجوة الراهنة في الغاز حتى أصبح الناس يبيتون في الميادين العامة أملاً في الحصول على أنبوبة غاز واحدة حتى يسدوا رمق أطفالهم بما يمكن أن يطبخوا من طعام. عموماً، يبدو للمراقبين أن البلاد مقبلة على فجوات كثيرة ستؤثر على حياة الناس، يأتي في مقدمتها ما بشر به بعض السادة الوزراء الشعب السوداني من تحت قبة البرلمان من رفع الدعم عن القمح أو الخبز والمحروقات، ( الحمد لله أن مجلس الوزراء قد نفى رفع الدعم في ميزانية العام القادم) ولكننا لم نعد نطمئن للوعود التي قد تتغير في أي لحظة، ذلك إذا لم تعدل الميزانية برمتها لظرف طارئ. وهذا بلا أدنى شك سوف يفاقم معاناة المواطن ويزيد من بؤسه وشقائه بدرجة تجعله يفقد الأمل في العيش الكريم تماماً. ولا ننسى أن الشعب السوداني موعود بقطوعات في الإمداد الكهربائي خلال الشهور القادمة نظراً لتدني الإنتاج في هذا المجال الحيوي! وبما أن السيد وزير المالية يتهم الشعب السوداني بالبطالة وعدم الإنتاج، يجب على سيادته التفكير في طريقة لزيادة الإنتاج بتوفير المعينات على ذلك، إذ كيف يمكن لشعب أن يكون منتجاً وهو محروم من أهم وسائل الإنتاج وهما تحديداً الطاقة الكهربائية والوقود؟ ألم يعلم أصحاب السعادة الوزراء بما جاء في الأثر «خير حكامكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتدعون لهم ويدعون لكم» وليس الذين يسيئون إليكم وتسيئون إليهم؟ ومن هذا المنطلق من حقنا أن نوجه أسئلة صريحة للسادة الوزراء المعنيين بهذه الملفات: أين الشعارات، التي كانت يرفعها أسلافكم السابقون من جيوش الوزراء الذين تعاقبوا على المواقع الوزارية حتى جاء دوركم وصعدتم على أكتاف الشعب السوداني وترفهتم بخيراته واستأثرتم بها دون سواكم، ألم يكونوا يرددون قولهم بأن الشعب السوداني سوف يأكل مما يزرع ويلبس مما يصنع، وأن كهرباء سد مروي سوف تصل إلى القرى والبوادي، وقد تتجاوز حدود الوطن إلى دول الجوار، وسيكون السودان دولة عظمى! هل ذهبت كل تلك الوعود أدراج الرياح؟ ويا ترى لماذا يقصد وزير أن يحدث فجوة ثقة بين الشعب والحكومة بكلام غير مدروس ولا واقعي وهو يطلق تلك العبارات جزافاً، ولا يدري أن هذا الشعب الواعي والمعطاء والعامل قد جُرّد من أبسط وأهم وسائل الإنتاج ألا وهي الثقة بالنفس والاطمئنان إلى أن منتجاته سوف تعود عليه بالخير والرفاهة إذا سلمت من الجباية والضرائب الماحقة ووجدت وسيلة نقل مناسبة تقلها للأسواق داخلياً وخارجياً. لماذا لم يدرس السادة الوزراء تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المضمار حتى صارت مناطق إنتاج زراعي وحيواني يؤثر في الميزانية العامة للدولة ويحقق استقراراً اقتصادياً غيّر كل موازين النشاط التجاري وفرض واقعاً اجتماعياً ناهضاً يشار إليه بالبنان. كيف استطاعت تركيا خلال عشر سنوات أن تحول الاقتصاد التركي إلى اقتصاد إنتاجي في المجالات كافة؟ وماذا فعلت البرازيل حتى تستحوذ على سوق اللحوم والخضار في منطقة الخليج، هل تمتلك معجزة أم أنها إرادة الشعب والدولة وحسن التخطيط والشفافية ولا شيء غير ذلك؟ ألم يكن السودان، حسب موقعه الجغرافي ومصادره الطبيعية المتنوعة، أولى بأن يكون قبلة للاستثمارات العربية حتى يكون بالفعل سلة غذاء العالم ويسد الفجوة الكبيرة في مجال الغذاء في الوطن العربي؟ ولكن للأسف سوء التخطيط والفشل في مجال الاستثمار حرم السودان من أن يطعم نفسه ناهيك عن أن يطعم غيره. إن السودان لا يعاني من فجوة واحدة بل فجوات تحتاج إلى إرادة سياسية قوية وعزيمة إذا كنّا فعلاً نريد الخروج من دوامة الأزمات والفجوات بزيادة الإنتاج والتسويق.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..