
*وهل ترك لنا ساستنا أثرا بعد موتهم؟*
بالامس رحل عنا الإمام الصادق المهدي.
وكالعادة ترحمنا عليه وحزنا عليه أشد الحزن .
وكعادتنا حين يموت الساسة والقادة والزعماء.
نكسنا له الإعلام واعلنا الحداد ثلاث.
وان كان موت الساسة والقادة والزعماء جميعا حدث سياسي و ديني وعقدي وخلافي.
فلا نفكر ابدا ماذا تركوا لنا من أثر بعد هذا الموت الذي نفر منه جميعا.
وهو الموت الذي يجب أن يكون لنا واعظا.
وقد قال فيه الرسول الكريم كفى بالموت واعظا.
فقد ظل سرا إلهيا قد فاق كل الحدود والحواجز .
هادما لكل اللذات ومفرقا لكل الجماعات
لا يستثني زعيما ولا فقيرا ولا سياسيا .
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35] وفي النهاية يدق أبوابنا دون رحمة.
فليتنا نترك أثرا بعد موتنا. فلن تجدي تلكم الخطب و المآثر الكرتونية الخادعة عن الفقيد بانه فقد للأمة وانه خسارة للوطن..
وانه علما من الاعلام..
وإنه كان رجل بر وإحسان..
وانه قدم للوطن الأمن والسلام!!!!!
فهكذا الحال حين يموت كل ساستنا نضحم محاسنهم ونتجاوز عن مساؤءهم والدمار الذي الحقوه بالوطن.
رغم مواصلة المتباكيين من المنبطحين والمطبلين وأصحاب المصالح والمنقادين والمريدين الذين كانوا يقتاتون فتات مؤائد ذلك الميت قصائد رثائية في حق ذلك السياسي ليدبجوا المزيد منها عبارات ثناء في حقه .
وان كان السؤال الذي يجب أن يكون مع جميع موتانا السياسيون وغيرهم .
هل تركوا لنا أثرا بعد موتهم؟
وليس هنا المقصود الاثر المادي من ضيعات وأراضي واطيان وسيارات ومنقولات وعقارات ومحلات تجارية وأغنام وابقار.
انما القصد هنا الأثر الفكري و السلوكي و المعرفي والنضالي والوطني والتاريخي.
وان كنت على يقين ان اكثر ساستنا السودانيون لم يتركوا لنا أثرا حقيقيا وقد كان جلهم يكذب وينافق ويسرق ويتهافت ويظلم ويتطاول ويتجبر ويهيمن ويستحوذ ويتلون ويتزلف ويخادع ويتبدل ويزيف ويؤجج ويتملق ويضلل ويزور.
لهذا فلقد نال أكثرهم سخط شعوبهم بدليل انه وبعد ذهابهم كانت كل انواع الهتافات الغاضبة تهز الشوارع و الآفاق .
وحتي آخر هتافات كانت بعد ثورة ديسمبر المجيدة.
سلمية سلمية ضد الحراميه
واي كوز ندوسو دوس
والجوع ولا الكيزان
والسبب انهم قد بخلوا على شعوبهم فلم يتركوا أثرا طيبا يشفع لهم.
فانظر هنا وقارن ما بين تركة الخليفة عمر بن عبد العزيز وتركة ساستنا .
فلقد أحاط الخليفة عمر بن عبد العزيز نفسه بالثقات ولم يجمع حوله اللصوص والقتلة وأهل التمكين.
وكأن يقول أنه لا يريد المادحين و الشعراء،
وكان ينتقي الفقهاء والعلماء،
وقال لمولاه مزاحم:
يا مزاحم إن الولاة قد جعلوا العيون على العوام،
وإني جعلتك عيني على نفسي فإذا رأى منه شيئاً قومه ونبهه،
وهو مولى عنده لكنه كان مولى نابهاً بصيراً صاحب دين.
وكان ينتقي أمراءه على الأمصار انتقاءاً عجيباً، ويختبرهم ويبتليهم ابتلاءاً كبيراً يختار منهم صاحب العلم وصاحب الدين والأمانة،
وكان شديد التأثر أن يرى أحداً من المساكين فيبكي لحاله ويأمر له بما يصلحه، يتورع عن أموال المسلمين، عن كل درهم منها لأنه أمانة في عنقه.
وكان يحرس أموال المسلمين.
وكان حريصا عليها أشد الحرص لا يأخذ منها مليما.
وكان عفيفا عن الهدايا التي تقدم للخلفاء.
وكان منفقا على الفقراء.
وقد أنشأ لهم مطبخاً يطبخ منه ليطعمهم،
وحين قالت له امرأته وأراد أن يقترض درهماً ليشتري عنباً لها، فقالت: أنت أمير المؤمنين وليس في خزانتك ما تشتري به عنباً؟ فقال لها: هذا أيسر من معالجة الأغلال والأنكال غداً في نار جهنم.
واشتهى مرة تفاحاً في المجلس وقال: هو شهي الطعم طيب الرائحة، فقام أحد جلسائه وخرج وبعث إليه بتفاح كثير فشمه عمر وقال: ما أطيب ريحه، ثم قال لغلامه ارجع أعد إليه وقل: قد بلغت هديتك مكانها من أمير المؤمنين، ولم يذق شيئاً منه، وقال: كانت الهدية للنبي هدية وهي لنا رشوة، نحن لنا رشوة نتأثر لو أخذناها، صارت في حقنا رشوة.
وهذه الآثار القليلة التي ذكرناها إنما هي غيض من فيض وقطرة من بحر الآثار العظيمة التي تركها الخليفة.
ولا اظن ان احدا من ساستنا قد ترك لنا آثرا واحدا على الأقل.
وقد تركوا جميعهم قصصا للقتل والظلم وإلابادة الجماعية والسرقة.
فبئس الأثر الذي تركوه لنا.
ورغم كل ذلك سنترحم عليهم.
وسنذكر محاسن موتانا.
فكم انت طيب أيها الشعب السوداني العظيم.