وأين كتيبة المرؤة؟!

قبل نحو عامين قد تزيد ولا تنقص لو تذكرون، كانت بعض قيادات حزب المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم وعلى رأسهم الدكتور مندور المهدي وكان وقتها يشغل منصب نائب رئيس الحزب بالولاية، قد أعلنوا عن تشكيل كتيبة استراتيجية تحت مسمى «المرؤة»، قيل أن من مهامها «تجديد معاني الانقاذ» ولتبعث برسالة للذين يعتقدون بأن المبادئ تذوب والهمم تخمد، ولتؤكد أن الانقاذ هي الفكرة التي لا تبور ولا تفنى، حتى حسبنا أن القائل سيكمل «ولا تخلق من عدم بل تتحول من صورة إلى أخرى» ولكنه لم يفعل ربما لكي لا يتطابق تعريفه للانقاذ بالتعريف الفيزيائي للمادة، ثم من بعد الاعلان الشفاهي عن تشكيل هذه الكتيبة والانتقال إلى المرحلة العملية بحشد عشرة ألف متطوع كما قيل على مستوى ولاية الخرطوم، تم تنظيم لقاء ناري وحماسي لتدشين أعمال هذه الكتيبة بالمركز العام للحزب تبارى فيه الخطباء وكان أبرزهم الدكتور نافع علي نافع في القاء خطب موّارة بالحماس التقت جميعها في ابراز مكامن القوة الكامنة في هذه الكتيبة في حالتي الحرب والسلم، تصدياً وردعاً وتدميراً لمن تسوّل له نفسه المساس بالانقاذ في الحالة الأولى، وبناءً وتعميراً في الثانية، وقد تزامن الاعلان عن تشكيل هذه الكتيبة حينها مع ظهور بعض التظاهرات الصغيرة هنا وهناك وتنامى ظاهرة الكتابات المناوئة على الفيس بوك وبعض المواقع الاسفيرية في أعقاب موجات الربيع العربي التي انتظمت عدداً من البلدان العربية في تلك الآونة، وكان إعلان هذه الكتيبة قد أثار جدلاً كبيراً وموجة من الاحتجاجات في أوساط الأحزاب المعارضة التي رفضتها وعدتها خرقاً للدستور والقانون المنظم للعمل الحزبي الذي يشترط لممارسة العمل السياسي البعد عن أي عمل عسكري، بل رفعت عريضة لمجلس شؤون الأحزاب ضد هذه الكتيبة، ودفع في مقابلها المؤتمر الوطني بعريضة مضادة جاء فيها أن مهام هذه الكتيبة تنحصر في الأعمال المدنية التي تتعلق بالاسناد المدني وإغاثة الملهوف ومواجهة الطوارئ الخدمية والأزمات المختلفة بالبلاد… المهم أن تلك الكتيبة وبعد الضجة الكبرى التي صاحبت إعلانها لم تلبث إلا قليلاً حتى خمد ذكرها كما يخمد ملح الاندروس الذي يفور لثوانٍ ثم يهمد، فمنذ تلك اللحظة لم يعد لتلك الكتيبة ذكر أو أثر أو خبر ولم يعد الناس يسمعون أو يقرأون عنها شيئاً وكأنها «فص ملح وداب»…
الآن يتم الاعلان مجدداً عن تكوين كتيبة إستراتيجية أخرى قيل أنها لحماية محلية الخرطوم وأن معسكرات ستفتح لاستقبال قيادات المكاتب التنفيذية بالمحلية واستيعاب المجندين من القيادات والأفراد من قطاعات الحركة الاسلامية والمؤتمر الوطني والشباب والطلاب والمرأة والدفاع الشعبي والخدمة الوطنية والشرطة الشعبية والمواطنين، هكذا جاء الاعلان رغم أنه كان يكفي القول أن المعسكرات مفتوحة للمواطنين كافة قيادات وقواعد بدلاً عن تمييز مواطنين عن آخرين، فليس هناك مواطن مواطن و«مواطن ساي»، غير أن الأهم من كل ذلك أن أحداً لم يقل لنا ما الذي جرى للكتيبة السابقة واستدعى تكوين كتيبة جديدة، وأين هي تلك الكتيبة، وهل تم حلها وتفريق مجنديها، أم أنها قائمة وموجودة، إذا كانت قد حلت لماذا؟ واذا هي قائمة ما الحاجة إلى أخرى ضرار، كل هذه الاسئلة وغيرها التي لم نطرحها لا بد من الوقوف عندها على الأقل حتى لا تتكرر تجارب تكوين «كتائب إعلامية» لا جدوى لها في الواقع العملي…

الصحافة