النهضة تنصب فخّا لتعويم كرسي الرئاسة، هل تسقط فيه؟

فوز نداء تونس بالأغلبية في البرلمانية وقائد السبسي في الجولة الأولى للرئاسية، لن يبقي أمام الحركة الإسلامية غير الخيار بين هزيمتين.
ميدل ايست أونلاين
تبجح بالديمقراطية الى حد الإسفاف
تونس ـ أنهى قرار الأمين العام السابق لحركة النهضة حمادي الجبالي بـ”عدم” الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة جدلا سياسيا وشعبيا حول مدى جدية الحركة الإسلامية في عدم خوضها الاستحقاق الانتخابي، غير أن “تزكيات” نواب الحركة بالمجلس التأسيسي لعدد من المترشحين من خارجها أشعلت “توجس” غالبية التونسيين والقيادات السياسية من سعي النهضة إلى “تعويم” السباق نحو قصر قرطاج وإفراغه من أية “مصداقية سياسية”.
فقد اختار الجبالي الذي “منعه” جناح المتشددين من الترشح للانتخابات الرئاسية سواء باسم النهضة أو كشخصية سياسية وطنية أن يعلن عدم ترشحه من خلال رسالة مكتوبة تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام ضمنها الكثير من “الاستياء” المبطن لما يتعرض له من “تهميش” من قبل حركة استمات في النضال من أجلها والدفاع عن حقها في النشاط السياسي في أحلك الظروف وأصعب الفترات.
ويقول المقربون من الرجل الذي بات يقود تيارا من المعتدلين بصفة “شبه علنية”، إن قراره بعدم الترشح “فرضه” عليه جناح “الصقور” أكثر مما هو قرار “إرادي” الأمر الذي عمق “حالة الغضب والتململ” في صفوف كوادر النهضة وقواعدها، من جهة وأثار حفيظة السياسيين وأكثرية التونسيين من “الخلفيات السياسية” للنهضة من وراء “تعويمها” للانتخابات الرئاسية خاصة بعد أن “وزع” نوابها بالتأسيسي تزكيتهم على عدد من المرشحين.
فقد بلغ عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية الدين منحتهم حركة النهضة تزكيتها 7 من بين 18 في مقدمتهم وزير الصحة في أواخر نظام الزعيم الحبيب بورقيبة الطبيب حمودة بن سلامة الذي جاد عليه نواب النهضة بـ9 تزكيات يليه العميد السابق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني بـ 5 تزكيات ثم الهاشمي الحامدي رئيس تيار المحبة وحليفها مصطفى بن جعفر رئيس حزب التكتل من اجل العمل والحريات وأحمد نجيب الشابي رئيس الحزب الجمهوري والمنصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر بثلاث تزكيات.
ولم تنس الحركة الإسلامية التي تعادي الشيوعيين إلى حد النخاع، تزكية زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي حيث تحصل على تزكية نائب نهضاوي واحد.
وأرجع رئيس كتلة النهضة بالتأسيسي الصحبي عتيق خيار النهضة بـ”توزيع التزكيات” على عدد من المرشحين إلى “التشجيع على الممارسة الديمقراطية وعلى التنافس الشريف”، في محاولة لإقناع الرأي العام بأن النهضة “ليست فقط حزبا سياسيا يؤمن بالديمقراطية” بل “يصنع الديمقراطية” ويشجع خصومه بمن فيهم الشيوعيون ممثلين في الشعبية، التي تم اغتيال زعيمها شكري بلعيد في فترة حكومة حمادي الجبالي.
ولم تكتف حركة النهضة بالاعتراف بأن نوابها بالتأسيسي منحوا التزكية للشخصيات السبع، بل لفتت أيضا على لسان عتيق إلى أن غير قادرة على “تحديد المرشحين الدين حصلوا على التزكية” ذلك أن “كتلة الحركة كبيرة ووفيرة العدد ومن غير الممكن الاطلاع على كل التزكيات”.
ويعني هذا ضمنيا أنه من غير المستبعد أن يكون النواب النهضاويون قد منحوا تزكيتهم لمرشحين آخرين مثل محمد الحامدي مرشح حزب التحالف الديمقراطي وكمال مرجان رئيس حزب المبادرة وعبد الرحيم الزواري مرشح الحركة الدستورية.
ولم يسقط في فخ تزكيات الحركة الإسلامية سوى زعيم حزب حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي الذي يبدو الأوفر حظا للفوز في الرئاسية.
وبرأي المحللين السياسيين فإن حركة النهضة “قررت توزيع التزكيات” لا “للتشجيع على الممارسة الديمقراطية” كما تزعم وإنما لـ”تعويم كرسي قرطاج” حتى يفقد التنافس عليه كل مصداقية أو جدية من جهة ولـ”استثمار التزكيات” خلال الجولة الثانية من الانتخابات بعد أن تتوضح الرؤية أمامها حول الشخصية الأوفر حظا من جهة أخرى.
وتراهن النهضة على الفوز في الانتخابات البرلمانية أكثر من مراهنتها على الانتخابات الرئاسية لذلك فإنها خططت للسطو على إرادة الناخبين التونسيين خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية حيث يرجح أن تدعم المرشح الأوفر حظا، معللة دعمها بأن نوابها كانوا منحوه تزكيتها في الجولة الأولى.
غير أن المحللين يقولون أن “خطة توزيع التزكيات” التي تترجم قولة “أمطري حيث شئت فإن خراجك لي” تستهدف فيما تستهدف “إنزال هزيمة” بالمرشح قائد السبسي الذي رفض تلك التزكيات، وذلك من خلال دعم منافسه أي كان في الجولة الثانية من الانتخابات.
ويقول المحللون إن النهضة تريد في نفس الوقت “إفراغ” الرئاسية من أية مصداقية، وذلك من خلال تشجيعها لمرشحين حظوظهم ضئيلة، والظهور بمظهر الحركة الديمقراطية التي تنتصر لإرادة التونسيين من خلال دعمها في الجولة الثانية لمرشح دون آخر.
هكذا، وبقطع النظر عن الشخصية السياسية الفائزة في الانتخابات الرئاسية تكون النهضة قد “خططت” لصعود رئيس “حسمت فوزه” في الجولة الثانية من الانتخابات ليخطو على خطى المرزوقي ـ إن لم يكن المرزوقي نفسه ـ ويجلس لمدة خمس سنوات على كرسي قرطاج بلا نفوذ وبلا صلاحيات.
غير أن المراقبين لا يستبعدون أن “تسقط” النهضة في الفخ الذي نصبته خاصة وأنها تواجه سخطا شعبيا وتعيش عزلة سياسية الأمر الذي يجعل من حظوظها في الفوز في الانتخابات البرلمانية ضئيلة .
ويرى هؤلاء أنه في حال فوز حزب نداء تونس بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية وفوز قائد السبسي في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية لن يبقي أمام الحركة الإسلامية سوى الخيار بين هزيمتين، إما دعم قائد السبسي وبذلك تكون قد خرجت “ذليلة” من الاستحقاقين الانتخابيين البرلماني والرئاسي، أو دعم منافسه ليكون “رئيسا بلا صلاحيات” أمام رئيس حكومة نداء تونس.
ومهما كانت نتيجة الانتخابات، بما في ذلك فوز النهضة في البرلمانية، تشدد القيادات السياسية التونسية على أنه “لا مفر من تشكيل حكومة ائتلاف وطني” ممثلة لمختلف القوى الفاعلة في المشهد السياسي نظرا لخطورة التحديات التي تواجهها تونس، وفي مقدمتها “تنفيذ خطة تنموية ناجعة” و”توفير الشغل” لأكثر من مليون عاطل و”مكافحة الإرهاب” في ظل تزايد هجمات الجماعات الجهادية.
التوانسة ديل اوعه شعب